ورغم أن الشر اقترب وأناخ من قديم بديار العرب فلا يزال القوم باقين على حالهم يرفعون شعار (كذاب ربيعة خير من صادق مضر) و(لأن يحكم الحكمان ببعض الحق وأحدهما من مضر خير لنا من أن يحكما بكل الحق وكلاهما من مضر)!!.
فيما مضى كان العرب يصنفون عاربة ومستعربة والآن هناك عرب حاكمة لم يكن لهم ثمة وجود على مسرح التاريخ قبل ذلك اليوم الذي جاء فيه إليهم الضابط لورانس التابع لمكتب المخابرات الإنجليزية بالقاهرة وقدم عرضا مخادعا للثورة ضد العثمانيين السلاجقة مقابل وعد غامض بدولة عربية كبرى، يومها اكتشف القوم أنهم عرب وقرروا رفض الاستعلاء العنصري السلجوقي والنتيجة يعرفها الجميع.
منذ تلك المرحلة التي أفضت لظهور تلك الدويلات والممالك بل ومنذ العهد الأموي والعرب الحاكمة يرون أنفسهم سادة على كل من هو أسفل منهم أي سائر العرب خاصة من ينتمون لمنهج أهل البيت ويعتبرونهم مارقين على الإسلام الأموي وليس ذلك الإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله.
يعتقد الكثيرون أن كلمة خليفة في العقل الأموي تعني خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حين أن وقائع التاريخ تقول أنهم كانوا يعتقدون أن ملك بني أمية خليفة عن الله لا عن رسوله الذي لم يؤمن به هؤلاء الجبابرة طرفة عين!!.
روى ابن عبد ربه في العقد الفريد:
قال: حدّثنا جريرُ عن مغيرة عن الربيع قال: قال الحجّاج في كلام له: ويحكم! أخليفة أحدِكم في أهله أكرمُ عليه أم رسولُه إليهم قال: ففهمت ما أراد فقلت له: للّه عليَّ ألا أصلَي خلفك صلاة أبداً ولئن وجدتُ قوماً يقاتلونك لقاتلتُك معهم.
يقول الراوي: كان الحجاجُ من أفسق خلق الله وأطغاهم وأعظمهم إلحاداً وأكفرُهم في كتابه إلى عبد الملك بن مروان: ”إن خليفة الله في أرضه أكرمُ عليه من رسوله إليهم وكتابه إليه” وبلغه أنه عَطس يوماً فحمد الله وشَمَّته أصحابُه فردّ عليهم ودعا لهم فكتب إليه: ”بلغني ما كان من عُطاس أمير المؤمنين ومِن تَشْميت أصحابه له وردِّه عليهم فيا ليتَني كنتُ معهم فأفوزَ فوزاً عظيماً”.
الشاهد أن بني أمية وأكابر مجرميها أرادوا ترسيخ نظرية الحكم بالحق الإلهي وهي النظرية التي اقتبسوها من سادتهم الرومان والتي يعتقد بها كثير من هؤلاء حتى الآن!!.
الآن يواجه (العرب الحاكمة) معضلة لا يمكن الخروج منها عبر التجاهل والتعامي ورفض الحوار العلني مع قادة محور المقاومة المنتصرين في كل معاركهم وكأن شيئا لم يكن، أو الحديث إليهم بصورة غير مباشرة من أطراف أنوفهم المسدودة المحشوة بالاشمئزاز مثلما يفعل السمراء الثلاثة فهم العبيد والخدم ونحن السادة.
الآن تأكد بصورة نهائية أن ثمة واقع جديد في المنطقة والعالم وأن مصير المنطقة ومستقبلها لا يقرره المهزومون لا العرب الحاكمة ولا العاربة ومن باب أولى الأمريكي وأخيه الإٍسرائيلي، وإذا كان البعض يعتقد أن بوسعهم مواصلة اشمئزازهم وازدرائهم لمن يرونهم (عبيد إحسانهم) فلا شك أن تراكم الهزائم من اليمن إلى غزة يؤكد أن المستعبدين والمقهورين لم يعودوا كذلك والسادة قد فقدوا مواقعهم قولا واحدا!!.
عندما نعيب على هؤلاء لهجتهم الاستعلائية يقال هذه مواقف فردية إلا أن واقع الحال يقول إنهم يعبرون عما تكنه الصدور من عنجهية ورفض لرؤية الواقع الذي تغير بالفعل ولم يبق إلا الإقرار بالحقيقة المرة والبائسة.
(حَقٌّ وَبَاطِلٌ وَلِكُلٍّ أَهْلٌ فَلَئِنْ أَمِرَ الْبَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ وَلَئِنْ قَلَّ الْحَقُّ فَلَرُبَّمَا وَلَعَلَّ وَلَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَيْءٌ فَأَقْبَلَ). علي بن أبي طالب عليه السلام.
على العرب الحاكمة أن يستوعبوا أن هذه لـ(قلما) التي كانت بعيدة الاحتمال وصعبة المنال قد أضحت واقعا وأن عليهم أن يتحدثوا مع قوى الواقع الجديد ليس من أطراف أنوفهم وإذا كانوا لا يزالون يعيشون وهم القرف والاشمئزاز منهم فعليهم –ونحن ما زلنا في موسم الليمون- أن يعصروا على ذواتهم العلية بعضا منه لعلهم ينفعهم في مواجهة ما سيستجد حتما في القريب القريب!!.
شيء من التواضع يا سادة علّنا نتذكركم بخير!!.
دكتور أحمد راسم النفيس