اليمن يدخل على خط المواجهة المباشرة مع "إسرائيل"، بإعلانه رسمياً شن أربع عمليات عسكرية واستراتيجية ضمن مسار تصاعدي، عبر عدد كبير من الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيرة، على أهداف عسكرية حيوية واستراتيجية إسرائيلية في "إيلات" وصحراء النقب، في غضون واحد وعشرين يوماً فقط من إعلان السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي يوم العاشر من تشرين الأول/أكتوبر بتاريخ طوفان الأقصى.
وقال السيد عبد الملك حينها مخاطباً المقاومة الفلسطينية: "لستم وحدكم، شعبنا إلى جانبكم وهو حاضر لأن يتحرك بمئات الآلاف من المجاهدين، وأن يذهب إلى فلسطين ويلتحق بالشعب الفلسطيني لخوض الجهاد المقدس في مواجهة العدو الصهيوني". وأضاف أن اليمن "لن يتردد في فعل كل ما يستطيع، وكل ما يمكنه عمله، إذا تدخل الأميركي، وتم تجاوز الخطوط الحمر... عبر الصواريخ والمسيّرات وكل ما نستطيع".
وفي ترجمة عملية لهذا التهديد، أعلنت القوات المسلحة اليمنية ثلاث عمليات يوم الـ31 من تشرين الأول/أكتوبر، وعملية رابعة في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، مهددة بالاستمرار في العمليات إذا استمر العدوان الإسرائيلي على غزة، "انتصاراً للمظلومية التاريخية للشعب الفلسطيني المظلوم والعزيز".
قبل هذا الإعلان الرسمي من جانب القوات المسلحة، كان الرئيس مهدي المشاط أعطى بعض الإشارات خلال اجتماعية باللجنة الوطنية العليا لنصرة فلسطين، والتي تشكلت في خضم طوفان الأقصى كرافد شعبي ورسمي للمقاومة الفلسطينية، مالياً وشعبياً وحتى عسكرياً.
دخول اليمن على خط المواجهة المباشرة أحرج أنظمة التطبيع، وفي مقدمها النظام السعودي، وكشف عورة منظومات الدفاع التي أرسلتها أميركا إلى البحر الأحمر، وزعمت، عبر البنتاغون، اعتراض بعض المسيّرات والصواريخ اليمنية، وأربك حسابات حكومة نتنياهو، التي اعتقدت أن هناك مناطق آمنة في فلسطين المحتلة. وفي المقابل، حول المخاوف والهواجس الصهيونية من اليمن إلى حقائق ملموسة، ونقل اليمن من دولة هامشية إلى دولة إقليمية محورية في قلب الصراع الاستراتيجي مع العدو الإسرائيلي، ووحّد الجبهة الداخلية اليمنية على المستويين السياسي والشعبي، بعد تسعة أعوام من العمل المنظم لتفكيك النسيج اليمني.
وبعيون الأوساط الإسرائيلية، فإن المشاركة اليمنية، عبر هذه العمليات الاستراتيجية، تضع "تل أبيب" أمام تهديد إقليمي جديد هو اليمن، على نحو يعزز فكرة وحدة الساحات والجبهات، وساهمت في تعاظم الخشية الصهيونية من القادم الأسوأ في ظل بقاء التهديد مفتوحاً على عمليات قادمة قد تكون الأسوأ والأكثر إيلاماً، تماماً كما حدث في بقيق وخريص وحقل الشيبة ومطار أبو ظبي، وغيرها من العمليات التي كان الصهاينة يخشون تكرارها في فلسطين المحتلة، مع إدراكهم العالي لامتلاك اليمن أسلحة استراتيجية ستجعل مصالحهم ومصالح الأميركي في خطر في منطقة باب المندب وغيرها، فضلاً عن كونها ستشغل منظومات الدفاع الأميركية والإسرائيلية، على حد سواء.
الفلسطينيون، بدورهم، تابعوا بفخر هذه العمليات، لأنها جاءت استثنائية في زمن الخذلان والتفرج الرسميين العربيين، ورأينا كيف خرج الفلسطينيون في مسيرات ليلية في المدن الفلسطينية المحتلة، وهم يرددون هتافات المباركة والترحيب بهذه العمليات التاريخية، بل لمسنا، في منصات التواصل، ومن خلال الاتصالات، كيف كان لهذه العمليات وقع كبير ومهم في نفوس مئات الملايين من أبناء أمتينا العربية والإسلامية، لكونها عكست عملياً الالتصاق التاريخي العربي والإنساني والديني بين اليمن وفلسطين.
ختاماً، سنتوقف عند مجموعة من الخلاصات التي حملتها هذه العمليات اليمنية التاريخية:
أولاً: إن "إسرائيل" باتت مطوّقة بالنار من أربع جبهات، اليمن، ولبنان، وغزة والضفة، بصورة مباشرة إلى جانب العمليات النوعية في العراق وسوريا، والتي تشتّت ذهنية حليفها الأميركي وجهوده.
ثانياً: دخول اليمن رسميا في الحرب المباشرة مع "إسرائيل" يضع الأخيرة أمام تهديد استراتيجي كبير، يهدّد عمقها وسفنها التي تعبر باب المندب، وخصوصاً إن ارتكبت حماقة ضد اليمن.
ثالثاً: أكدت العمليات اليمنية أنه لم يعد هناك مكان آمن في كيان العدو الإسرائيلي، بما في ذلك إيلات، التي اعتقدت "إسرائيل" أنها ملجأٌ آمن للنازحين المستوطنين الذين نقلتهم من مستوطنات غلاف غزة.
رابعاً: إن اليمن تحول من دولة هامشية تابعة في عهد الأنظمة السابقة إلى دولة إقليمية فعّالة ومؤثرة في الإقليم، بل دولة قوية ومحورية في الصراع العربي الإسرائيلي.
خامساً: إن تدخل اليمن يشتت الجهود العسكرية الإسرائيلية والأميركية والغربية، ويشتت منظومات الاعتراض الصاروخية، ويجعل المنظومات الاعتراضية الصاروخية الإسرائيلية، بما فيها "آرو"، رقماً إضافياً في لائحة المنظومات الاعتراضية الفاشلة، وستسقط هيبتها كما سقطت هيبة الباتريوت والثاد، وسقطت قبلها سمعة الميركافا في عدوان تموز/يوليو 2006 في جنوبي لبنان. وهذا ستكون له تداعياته الاقتصادية على مبيعات "إسرائيل".
سادساً: إن تدخل اليمن يعني أنه حليف فوق استراتيجي لفلسطين (وجودي)، وما يقوم به ليس تكتيكاً دعائياً بهدف التسويق وخطف الأضواء.
وأخيراً، فإن التدخل اليمني هو تحدٍّ لـ"إسرائيل"، التي يخافها النظام العربي الرسمي. والأهم من ذلك أن اليمن اليوم يتمنى أن ترتكب "إسرائيل" أي حماقة ليبدأ تصفية وجودها في القرن الأفريقي، ويحرمها المرور عبر مضيق باب المندب، وكما يقول المثل اليمني: من كذَّب جرّب.
من يقرأْ وجدان الشعوب العربية والإسلامية، وترحيبها بهذه العمليات التي تمثل آمالها وطموحاتها، يدركْ مدى أهمية هذه العمليات وصداها.
وأياً تكن التبعات، فلقد سجل اليمن موقفاً تاريخياً متقدماً على المستوى العربي، وعلى المستوى الرسمي أيضاً، كأول جمهورية تتجرأ على قصف عمق الكيان بهذه الشجاعة.
وهذا يعطي مؤشراً على أن اليمن يمتلك قيادة استثنائية شجاعة وحكيمة وشجاعة، كما وصفها السيد حسن نصر الله. وهذه الثنائية القيادية، إلى جانب قيادات المقاومة الفلسطينية، وقيادات محور المقاومة، هي الضمانة لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وإنهاء "إسرائيل" من الوجود، والوقت مواتٍ، وهو على مقربة من "الخراب الثالث"، كما يصفه الصهاينة. وخمسة أعوام مقبلة كفيلة بتحقيق النصر التاريخي عبر تحرير فلسطين والحتمية الإلهية بزوال "إسرائيل".
الميادين / علي ظافر