أرمينيا التي وجدت نفسها ربما تفقد محافظة سيونيك نتيجة الحرب المرتقبة مع أذربيجان وتركيا قررت التوجه إلى إيران وجعل المحافظة المذكورة تحت حمايتها العسكرية، بمعنى انتشار الجيش الإيراني فيها ليقف بوجه الجيش الآذري والتركي في حالة هجومهما للاستحواذ على المحافظة الارمينية.
في هذه الحالة، لن تخوض قوات باكو وطهران المواجهة العسكرية، ولن تقتصر على محافظة صغيرة المساحة وحسب، بل ستكون حربا شاملة ودامية متعددة الأطراف تشارك فيها بشكل مباشر وغير مباشر دول أخرى من جملتها تركيا وإسرائيل اللقيطة وحتى امريكا والناتو ودول أخرى غيرها.
إن تورط إيران في نزاع حدودي بين دولتين أخريين يكلّفها غاليا ويزيد من تدهور اقتصادها وضعف عملتها وعزلتها، أضعافا مضاعفة.
فلقد كلفتها الحروب التي نشبت في الأعوام الأخيرة بين (روسيا واوكرانيا) و(اليمن والسعودية) و(سوريا وحلفاء امريكا) والتي تدخلت فيها إيران عسكرياً حسبما يرى الغرب؛ كلّفت طهران مليارات الدولارات من الخسائر والقتلى وألّبت عليها دولاً كثيرة وكبيرة اعتبرتها طرفاً في تلك الحروب، بينما لم تكن معنية بها أصلاً، على الاقل من وجهة نظر الغرب.
صحيح أن أذربيجان بحد ذاتها أصغر حجماً من إيران بكثير لكنها مدعومة بشكل كبير من دول قوية كتركيا وإسرائيل وامريكا، ولها حلفاء كثيرون، من دول تطلب إيران بثارات كثيرة وتنتظر هذه الفرصة على أحر من الجمر للانتقام منها، ولها ضغائن عميقة معها. ولو ورطت أرمينيا طهران بخلافها الحدودي مع أذربيجان وأغرتها بالاستحواذ على إحدى محافظاتها فستكون خسائرها على طهران اكبر وأشد مما تتصور، عسكريا واقتصاديا وسياسياً.
ومن خلال الاتصال الهاتفي الاخير لرئيس الوزراء الارميني نيكول باشينيان بالرئيس الإيراني رئيسي كان واضحا أنه يمكر بطهران مكر الثعالب ويريد استدراجها لكي تصطف معه عسكريا بحجة المحافظة على ممر زنكزور لتصدير بضائعها لروسيا وهو مكر وخبث له نتائج مدمرة على إيران ينبغي عليها عدم الانجرار له.
والمأمول من القيادات العسكرية الإيرانية أن تحسب حساباتها جيداً، بعيداً عن عدد الجيش الآذري والايراني فحسب، لأن إلهام علييف سيطلب الدعم العسكري من واشنطن وتل أبيب وتركيا (العضو في الناتو) ولن تكون نتائجه هينة هذه المرة، كما حصل في الحرب السعودية اليمنية التي اقتصرت على تدمير اليمن، بل سيحاول الغرب وعملاؤه استنزاف إيران بشكل كبير واستغلال الفرصة لتصفية الحسابات الماضية معها والاستفراد بها وأخذ الثأر منها، مما جرى منذ العام 1980حتى 2023.
الخلاصة: نخشى أن تُستدرج طهران إلى حرب طاحنة ضروس هي ليست طرفاً فيها بل يتمناها لها الأعداء ولا يرغب فيها الأصدقاء، وكلما ابتعدت طهران ونأت بنفسها وجيشها عن تلك النيران كان الأمر أقرب إلى العقل والحكمة وصون الدار ومن فيها من الحريق، فـ(معظم النارِ من مُستصغَر الشررِ).{فهل من مدّكر}.
بقلم: د. رعد هادي جبارة
رئيس تحرير مجلة "الكلمة الحرة"