هو رئيس وحدة العمليات الخاصة في أوروبا، التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية الروسية المعروفة تحت اسم "الوحدة 29155"، إما كمتهم محتمل في عملية تنفيذ اغتيال بريغوجين أو بوصفه أكثر المستفيدين من مقتله، بوصفه من عهد إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إدارة العمليات في أفريقيا وربطها مباشرة بوزارة الدفاع وليس قيادات المرتزقة.
وذكرت "وول ستريت جورنال" يوم الجمعة الماضي في تقرير أن قبل وفاة بريغوجين كان الكرملين بدأ في فرض سيطرة رسمية على شبكة شركاته المترامية الأطراف، "التي تجاوزت طموحاتها المستوى الذي كان مريحاً لفلاديمير بوتين".
وأشارت إلى أن وزارة الدفاع الروسية كانت قد بدأت بإرسال وفود إلى أفريقيا لإبلاغ الحكومات الأجنبية بأنهم من الآن فصاعداً سيتعاملون مباشرة مع الدولة الروسية، وليس مع بريغوجين. وحسب الصحيفة، فمن المفترض أن يتم تنفيذ هذه السيطرة من قبل المخابرات العسكرية الروسية والجنرال أندريه أفريانوف.
كذلك نقل موقع "آي نيوز" البريطاني، الجمعة الماضي، عن مصدرين في الاستخبارات البريطانية، أحدهما سابق والآخر لا يزال نشطاً، أن أفريانوف أصبح موضع شك في ما يتعلق بتحطم طائرة بريغوجين.
كما أشارا إلى أن الجنرال البارز في الاستخبارات العسكرية الروسية جمعته "ضغينة طويلة" ومتوترة مع رئيس "فاغنر". كما نقلت عن مصدر استخباري روسي سابق أن أفريانوف يقود "عملية لاستبدال عناصر فاغنر في أفريقيا بنحو 20 ألف من الجنود الروس".
وفي إطلالة نادرة أمام الكاميرات، ظهر أفريانوف إلى جوار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على طاولة المباحثات أثناء الاجتماع مع الرئيس الانتقالي في مالي أسيمي غويتا، على هامش القمة الروسية الأفريقية في نهاية شهر يوليو/تموز الماضي في مدينة سان بطرسبرغ (شمال غرب).
وفي الاجتماع، قدم أعضاء وفد مالي أنفسهم ومناصبهم، ثم طلب بوتين من أعضاء الوفد الروسي تقديم أنفسهم. وبعد تقديم الوزراء وغيرهم من كبار الشخصيات، عرف الجنرال في المخابرات العسكرية الروسية بالقول: "أندري أفريانوف، الأمن". والأرجح أن ظهور الجنرال يرتبط بالمهمات الجديدة المكلف بها في القارة السمراء.
اللافت أن بريغوجين، والذي أسس لعودة روسيا بقوة إلى أفريقيا في السنوات الأخيرة، لم يستطع الوصول إلى مقر إقامة الوفود الأفريقية المشاركة في القمة، واكتفى بمشاركة صورة واحدة مع أحد المسؤولين من جمهورية أفريقيا الوسطى في فندق يملكه في سان بطرسبرغ. وذكرت صحيفة "فونتانكا" المحلية في سان بطرسبرغ، في حينه، أن الصورة التقطت في فندق "تريزيني" المملوك لعائلة بريغوجين.
من جهته، ذكر موقع "بيلينغكات" الذي يقول القائمون عليه إنه استقصائي وتأسس في 14 يوليو/تموز 2014 على يد الصحافي البريطاني إليوت هيغينز، يستقصي الأوضاع في مناطق الحرب باستخدام تحليل البيانات مفتوحة المصدر، إلا أن رحلة بريغوجين إلى أفريقيا الأخيرة دفعت بتسريع قرار التخلص منه.
واستشهد الموقع بما ذكرته قناة "VChK-OGPU" في 23 أغسطس الحالي، وهي قناة معنية حسب القائمين عليها بكشف أسرار المسؤولين والأوليغارشية ورجال العصابات ومسؤولي الأمن، ولديها 800 ألف مشترك.
ونقلت القناة عن مسؤول في فاغنر بأن رئيس المجموعة كان على علم بمخططات الكرملين استبدال مجموعته في أفريقيا بعناصر من الاستخبارات العسكرية أو مقاتلين موالين لها، لذلك ذهب على عجل إلى أفريقيا، والتقى رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى لإقناعه بمواصلة التعاون مع مجموعته، وكذلك انتقل إلى مالي والتقى قيادات فيها إضافة إلى وفد من قوات الدعم السريع في السودان بقيادة حميدتي واستلم صناديق من الذهب لقاء صفقة سابقة لصواريخ أرض جو نقلها سابقاً. وذكرت القناة أن بريغوجين عارض بشدة إعادة هيكلة الشركة وتجييرها لمصلحة الاستخبارات العسكرية الروسية.
من هو أندري أفريانوف؟
وكحال معظم العسكريين ورجال الاستخبارات الروس، لا توجد معلومات وافية عن السيرة الذاتية والحياة الشخصية لأفريانوف. ومعظم المعلومات مستقاة من تحقيقات أعدتها مواقع استقصائية، ووسائل إعلام مدعومة من الولايات المتحدة أو مستقلة، حول حوادث تسميم المعارضين الروس في أوروبا، والتفجيرات التي وقعت في مخزن للأسلحة في جمهورية التشيك في أكتوبر/تشرين الأول 2014، إضافة إلى متابعة المصادر المفتوحة.
ولا يعلم على وجه التحديد تاريخ ميلاد أفريانوف، لكن عدة مصادر تجمع على أنه تخرج في مدرسة طشقند العليا لقيادة الأسلحة المشتركة في عام 1988.
وذكر تحقيق لموقع "سفوبودا" (مدعوم من الولايات المتحدة) في 14 سبتمبر/أيلول 2019 بالتعاون مع موقع "بيلينغكات" الاستقصائي، أن أفريانوف حصل على لقب "بطل روسيا" في يناير/كانون الثاني 2015، لدوره في الاستيلاء على شبه جزيرة القرم الأوكرانية في ربيع 2014، إضافة إلى ثلاثة أوسمة شجاعة.
وأشار تقرير "سفوبودا" بالتعاون مع موقع "بيلينغكات" والذي تناول علاقة الاستخبارات العسكرية الروسية بحادثة تسميم العميل المزدوج سيرغي سكريبال وابنته يوليا في سالزبري ـ بريطانيا، في 4 مارس/آذار 2018، إلى علاقة أفريانوف مع أحد المتهمين الأساسيين في الحادثة.
ونشر التقرير صوراً قال إنها لحضور أناتولي تشيبيغا، المتهم بتسميم سكريبال، حفلة زفاف ابنة أفريانوف الوحيدة، في فندق على ضفاف بحيرة سينيج في شمال شرقي العاصمة موسكو بين مدينتي كلين وديميترف، على بعد عدة كيلومترات من مقر تستخدمه الاستخبارات العسكرية الروسية لإدارة عملياتها الخارجية.
وظهرت الصور التي تؤكد صلة أفريانوف بالمتهمين في موقع مصوري حفلات الزفاف "مايويد" وعلى موقع وكالة الزفاف الروسية "زفونوفا"، التي نظمت الاحتفال في صيف 2017 أي قبل أشهر من حادثة تسميم سالزبري، وهما بتروف وبوشيروف (ضابطا المخابرات العسكرية الروسية أناتولي تشيبيغا وألكسندر ميشكين). وحسب التحقيق المشترك فقد عاش أفريانوف في نهاية التسعينيات في مقاطعة سمارا وسط روسيا، وعثر المحققون على صورة له تعود إلى 2012 في حفل زفاف ابنة شقيقه الذي يشبهه كثيراً.
وعلى الرغم من تقاطع المعلومات حول تخرج أفريانوف من مدرسة طشقند العليا لقيادة الأسلحة المشتركة، فلا توجد أي صورة له في أثناء فترة التدريب أو التخرج، ولكن محققي "ببلينغكات" اكتشفوا أن أفريانوف ظل على علاقة مع خريجي الجامعة، وأن اسمه كان موجوداً بشكل سري في إحدى اللوحات التي أشارت إليه بحرفي "إيه بي".
وخلص المحققون إلى أن إدارة المدرسة عمدت إلى نوع من التضليل ووضعت اللوحة الحاملة لاسم أفريانوف ضمن قائمة "خريجي المدرسة الذين قضوا أثناء تأدية واجبهم القتالي"، في معرض نظم في مسرح الجيش الأحمر الواقع وسط موسكو بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس مدرسة طشقند العسكرية. وبالإضافة إلى الشك بأن "إيه بي"، هو أفريانوف، فقد وجد المحققون صوراً لرجال عسكريين آخرين على قيد الحياة، من ضمنهم العقيد سيرغي فورونين.
وشارك أفريانوف في تعليقات لموقع خريجي المدرسة العسكرية، في تأبين عدد من خريجي المدرسة التي خرّجت الكثير من الكوادر للجيش السوفييتي.
ومن هذه التعليقات استطاع محققو "بيلينغكات" وموقع "سفوبودا" الحصول على معلومات إضافية عن ماضي الجنرال. واستنتج المحققون أن أفريانوف ولد في عشق أباد (عاصمة جمهورية تركمانستان الحالية)، وذلك من نص شاركه في منتدى مدرسة طشقند في تأبين خريج المدرسة باتير غاراييف، يتحدث عن أنه تعرف عليه في مدرسة ابتدائية بجوار وحدة عسكرية في عشق أباد.
وخلص المحققون إلى أن أفريانوف شارك في الحرب في أفغانستان، من تعليقه على وفاة الجنرال خاشانش باكسانوف وقوله "إن مصائرنا متشابكة بشكل وثيق للغاية. وهو معروف ومحترم ومحبوب من قبل العديد من خريجينا الذين خدموا في أفغانستان وطاجيكستان... باكسانوف في الحرب الأفغانية أشعل النار في نفسه، وبعد ذلك بقيت بعض الشظايا في رأسه حتى الموت". وحسب التقرير الاستقصائي، فإن أفريانوف حصل على الأرجح على أول وسام للشجاعة عن مشاركته في حرب أفغانستان (1979 ـ 1989).
ومن مشاركة ثانية عبر تعليق على مقتل الضابط الأوكراني فيكتور سيلفيني الذي قضى في أغسطس/آب 1993 في البوسنة، رجح معدو التقرير أن أفريانوف كان على علم بظروف وملابسات مقتل سلفيني، وأنه شارك في وحدة السلام في البلقان أثناء الحرب الأهلية في يوغسلافيا السابقة، وأنه حصل بعد مهمته المذكورة على وسام الشجاعة الثاني.
وذكر التقرير أن الوسام الثالث حصل عليه نتيجة مشاركته في حرب الشيشان (تسعينيات القرن الماضي). وذكر التقرير أن أفريانوف شارك في موقع مدرسة طشقند ترجمات لكتب وألبومات حول السلاح الأبيض في البلقان. وذكر التقرير "سفوبودا" في عام 2018، أن أفريانوف شارك صورة لخنجر حفر على مقبضه شعار جهاز الاستخبارات العسكرية الروسية.
وفي تقرير لـ"سفوبودا"، وحسب معلومات إضافية نشرتها "نيويورك تايمز" في عام 2018، تعود فكرة تشكيل "الوحدة 29155" التي يقودها أفريانوف إلى وزير الدفاع السابق أناتولي سيرديوكوف، الذي قرر زيادة رواتب العاملين في قيادة "قوات العمليات الخاصة" في سينيج في منطقة موسكو (الوحدة 99450)، ووحدة "القراصنة" التابعة لوحدة الاستخبارات العسكرية رقم 74455.
وحسب بيانات غير رسمية، فإن "الوحدة 29155" تشرف على تدريب عملاء وجواسيس الاستخبارات العسكرية في الخارج، واتهمتها السلطات الأميركية بالتدخل لصالح الرئيس السابق دونالد ترامب في انتخابات 2016. وأدت الوحدة دوراً في التحضير للسيطرة على شبه جزيرة القرم في 2013 وبداية 2014، قبل أن تتحول إلى ادارة العمليات في أوروبا.
مقتل بريغوجين
ومع كشف الصحافة الغربية عن وقائع جولة بريغوجين الأخيرة في أفريقيا والتي اختتمها قبل مقتله بأيام، وربطاً بمشاركة أفريانوف في اجتماعات بوتين مع القادة الأفارقة، يبدو أن الكرملين الذي عمل بجدّ من أجل إعادة هيكلة "فاغنر" والسيطرة على نشاطاتها في أفريقيا، ربما بمشاركة الاستخبارات العسكرية الروسية مع دور مركزي لأفريانوف، أغضبه تحرك بريغوجين ومحاولته المحافظة على نشاطاته في أفريقيا كاستثمار خاص من دون إشراف الكرملين.
والأرجح أن بريغوجين "الذي خدم روسيا كثيراً لكنه ارتكب أخطاء" حسب بوتين، ارتكب خطيئتين، الأولى عبر التمرد والتوجه نحو موسكو في 24 يونيو/حزيران الماضي، والثانية معارضة مخططات الكرملين، الذي أوفد نائب وزير الدفاع يونس بك يفكيروف إلى ليبيا لبحث مستقبل التعاون مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بعد تمرد "فاغنر"، ما استدعى تسريع القضاء على بريغوجين لعدم تعطيل مخططات الكرملين للتوسع في أفريقيا.