واضح ان المجنون - بتعبير الإعلام الأمريكي - ترامب وصل الى نقطة الانهيار الأخيرة بسبب ما كشفه محاميه امام الكونغرس( 24/2/2018) إذ قال كوهين في الكونغرس: إنه يشعر بـ «الخجل» لعمله كمحامٍ شخصي لترامب لمدة عشر سنوات، لحل «المشاكل الحساسة» له وأضاف: «أشعر بالخجل لأنني أعرف من هو ترامب، إنه عنصري ومحتال ومخادع»… وان الوزير «بومبيو» أيضاً لم يعد إلا مجرد كاهن هندي رغم ادعاءاته بتحقيق مالم يحققوه سابقوه في الخارجية الأمريكية.
تقول صحيفة «الواشنطن بوست»: إن بومبيو تولى مهمة «المبشّر» فيما يتعلق بسياسة ترامب الداعية إلى «أميركا أولا».. وهي مهمة توضع في المسار الصحيح للنازية الجديدة… مشكلة أمريكا إذن، هي مشكلة الكذب المتعمّد إن من ترامب أو من أركان البيت الأبيض، ومن المقربين منه.. فلا هو حقق وعوده مع محمد بن سلمان في مهزلة نصف تريليون دولار ولا مع وعوده بإيجاد عشرات الالاف من الوظائف للأمريكيين العاطلين عن العمل، يقول موقع «فوريس» على لسان الصحافي المشهور «فولودوزكو»: إن «وظائف كهذه ليست موجودة، لأن الصفقات التي يتحدث عنها ترامب «مع بن سلمان» لم يتم التوقيع عليها.».. إذن إلى أين سيذهب ترامب بأمريكا؟ إلى الشلل الكلي أم إلى الانفجار العرقي؟
لقد فشل حتى في مفاوضاته التي يتباهى بنتائجها وهي غير موجودة أصلا مع الزعيم الكوري، كيم جونغ أون، وقد انتهت الخميس الماضي «دون الوصول إلى أي اتفاق بين الجانبين» كما يقول البيت الأبيض، ولن يصل معه لأنه ليس غبياً إلى درجة يثق في رجل لا يحسن غير الكلام لتلميع الخطأ.. بل تبدو صورة أمريكا معه اليوم وكأنها من العالم الثالث وبلا حرية غير الشعار الذي ترفعه أمريكا في وجه مخالفيها بل وتصفهم «بالدول المارقة» مثل ما حدث مع إيران ويحدث الآن مع الرئيس الفنزويلي مادورو وهو منتخب من الشعب.
إنه يرفض حضور أهم وكالات الأنباء في القمة بينه وبين الزعيم الكوري الشمالي خوفاً من ان تفضحه بانه كان الأسوأ في القمة «لقد منع البيت الأبيض صحفيين يعملون لثلاث وكالات، من تغطية عشاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، الأربعاء الماضي، بعدما وجّه اثنان منهم أسئلة إلى ترامب في بداية حديثه مع كيم».. هناك من يؤكد بالرغم من كل ذلك أن ميزان الثقل الأمريكي يسير باتجاه آسيا على الأشلاء وعلى خط متقارب مع محاولاتها تدمير انظمة الحكم في أمريكا اللاتينية، إنها الحرب الاقتصادية لأمريكا الخاسرة بعد ان بدأت في السقوط الحضاري كما يؤكد المفكر الأمريكي ناعوم تشومشكي مع زميله المؤرخ بول كيندي.. وأن ميزان الاستقرار فيها غير مضمون العواقب.. هناك.
إن الحروب القادمة لخدمة الاقتصاد الرأسمالي، لن تكون إلا في إفريقيا يقول البعض، خاصة وإن المواجهة بين الصيني والأمريكي في هذه القارات بدأ يأخذ أبعاداً سياسية في إطار المواجهة الاقتصادية، لان توجه الصين بانفتاحها الإنساني، وبعيداً عن افتعال المشاكل قائم على توافق المصالح والاحترام المتبادل، فالصين ليست لها خلفيات أيديولوجية بل لديها خلفيات اقتصادية خالية من مفهوم الهيمنة لأنها في الطريق أن تكون أول دولة اقتصادية عالمياً…
لكن أمريكا بعد أن رأت أنها أضحت في موقف مهتز في غرب آسيا (الشرق الأوسط) بعد صعود روسيا وبعد أن «ظنّت أمريكا أنها نصبت كميناً استراتيجياً للروس فيها من خلال ما سميّ بـ «الربيع العربي» الآن تكتشف ،وبعد الذي جرى في أوكرانيا وما كان قد أعده «بوتين» في القرم، أنها هي التي وقعت في الفخ والكمين الروسيين.. وإذا ما ذهبوا في أوكرانيا إلى التقسيم سيتم بالتالي تقسيم كل أوروبا على أساس كاثوليكي أرثوذكسي». وهي الآن في فوضى سياسية وان ما صرح به قبل اوباما كان متناقضاً كلياً مع ما كان يقوله جون كري وبعض العسكريين الأميركيين.
كل هذه الاختلالات هي بداية لتسوية جديدة لما يمكن أن يكون عليه العالم الجديد، ولكن أمريكا والغرب عموماً يحاولان أن تتم التسوية على حساب الدول التي هي خارج هذا الصراع أي التداول المبرمج على العالم بين أوروبا وأميركا وهذا أمر مستحيل اليوم، ومن هنا فإن الانشقاقات التي يشهدها العالم العربي هي انشقاقات خطيرة، ويمكن أن تتحول في بعض البلدان إلى ما عليه اليوم دولة الصومال، وليبيا مرشحة بقوة لان تكون كذلك، وحروبها الداخلية بالتالي لن تكون إلا مدخلا لدول الجوار، هكذا تريد فرنسا على وجه الخصوص ولكن يبدو أن ذلك قد أسقطته الحرب السورية، لأن الأطراف التي تموّله هي الآن في الواجهة السيئة للأحداث، مجلس «التعافن» الخليجي أصابه الاهتراء وأضحت قواه مقسمة بين دول تريد الانغماس في الحروب الخاسرة، ودول تلعب من خلف الستار من أجل المصالحة إن مع إيران أو مع سوريا فضلا عن مظاهر أخرى.
ومن هذه المظاهر ما يخطط له الروس في الخفاء، حتى إن روسيا قالتها صراحة حسب ما قاله مسؤولون في اللجنة الأمنية والعسكرية الروسية لطرفٍ سياسي فرنسي سابقا في موسكو «نحن نريد تفكيك حلف الناتو ولن نقبل بأقل من هذا».. والأخطر من ذلك دعوة بوتين لرئيس الوزراء العراقي مع الرئيس روحاني لحضور قمة شنغهاي الأخيرة في الصين وهي دعوة ليست بعيدة عن التفاهم مع الصين، والاحتمال من كل ذلك إعلان منظمة شنغهاي لتكون المنظمة البديل لمنظمة «الأمن والتعاون الأوروبي» بالإضافة الى مجموعة «بريكس»… الروسي أيضاً باتخاذه عدم التعامل مع شركائه التجاريين بالدولار وضع أميركا أمام اخطر أزمة، تقول بعد الدراسات إن أمريكا ستخسر بذلك أكثر من مائة تريليون دولار من الأوراق الموزّعة على العالم بدون غطاء وإن ذلك الموقف قد يكون قد تم بالتفاهم عليه مع الصين وربما مجموعة «بريكس» بكاملها ..
وقد أشارت تقارير سابقة إلى أن روسيا والصين تعملان على إدخال إصلاحات على صندوق النقد الدولي دون اعتبار للولايات المتحدة الأمريكية.. إن روسيا تستثمر اليوم الفوضى الاقتصادية الأمريكية الأوروبية لصالح النظام الدولي الجديد الذي صاغته بداية من مواقفها الثابتة مع سوريا، وإن الصين وإن كانت لا تظهر مواقفها إلا قليلاً هي مع صلابة الموقف الروسي بل إنها جزء فيه لان التحالف الاستراتيجي بينهما تحالف مبدئي.
ويبدو ذلك واضحاً في أن «موسكو وبكين على موعد مع عقد صفقة تاريخية تغير وجه العالم..
إن منظمة الأمن والتعاون الأوروبي ما هي في الواقع التاريخي لها إلا منظمة استعمارية توسعية في مواجهة الروس والصين والعالم النامي ثم إن الفشل الذي أصاب سياسة «ترامب» في الشرق الأوسط والتي كانت موضوعة عل أساس إن تكون المدخل لإحياء تفوق الردع الإسرائيلي تجاه الإيراني وحزب الله يناقضها كلية قول الرئيس فلاديمير بوتين: «أن الأوضاع في سوريا استقرت، وسيتم القضاء على آخر بؤر للإرهاب فيها في القريب العاجل»..
الفشل هذا أدى إلى فشل كل السياسة الأمريكية وتواريها في بعض الأحيان خاصة وإن الروسي حضر على الخط مع القضية الفلسطينية واعتبرها ضمن الفضاء الاستراتيجي له مع سوريا واستفاد في كل ذلك من المعلومات التي أعطاها «سنودن» المستشار السابق لوكالة الأمن القومي الأمريكي وهي إذا تم الكشف عنها ستكون الأسوأ في التاريخ الأمريكي على الإطلاق .