وفي مؤتمره الصحفي الأسبوعي يوم الاثنين الماضي، أكد ناصر كنعاني المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان الى السعودية والتي تم الاعلان عنها بشكل غير رسمي بداية الاسبوع ومن المتوقع ان تتم قريبا.
وتأتي هذه الزيارة استمرارا للعملية التي بدأت ببيان بكين وانطلقت بزيارة وزير الخارجية السعودي إلى طهران وإعادة فتح السفارتين في طهران والرياض. إن تحسين علاقات إيران مع الدول العربية في الخليج الفارسي ومنطقة غرب آسيا هي عملية بدأت في إطار سياسة تحسين العلاقات مع الجيران من قبل الحكومة الايرانية الحالية، منذ بدء مهامها (قبل عامين) وحتى اليوم، وعلى الرغم من أنها شهدت منعطفات لكنها حققت تقدما.
وكان بيان بكين مثالاً نادراً في تاريخ العلاقات الإقليمية في الخليج الفارسي، والذي تم تحقيقه دون تدخل أو حتى علم الأطراف الغربية. مثال يمكن أن يؤدي إلى إنشاء نموذج إقليمي مستقل بالتعاون مع القوى الدولية غير التدخلية. دول مثل الصين لديها اختلافان أساسيان مع الدول الغربية: أولاً، على العكس من الدول الغربية، فهي تستفيد من أمن منطقة الخليج الفارسي، وثانيًا، لا تنوي التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة تحت غطاء ذرائع مزيفة.
* الرياض وفرصة ينبغي اغتنامها
طهران لديها جدول اعمال وعزم جاد في سياق تحسين العلاقات الثنائية مع الرياض، وهذا ليس أمراً لا يعرفه المسؤولون السعوديون. جدول أعمال طهران في مجال العلاقات الثنائية واضح في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والإقليمية والدولية، ومن البديهي أنه على المسؤولين السعوديين اغتنام هذه الفرصة التاريخية، وهي فرصة ليس من المعلوم ما إذا كانت ستتاح مرة أخرى في فضاء آخر أم لا.
إيران تصر على خفض التصعيد في المنطقة وتأمل في تحقيق هذا الهدف من خلال توسيع علاقات شاملة وجادة مع السعودية. كما أن جدول أعمال عبد اللهيان الجاد في زيارته إلى الرياض دليل على جدية طهران تجاه جدية الرياض في تحسين العلاقات الثنائية وتوفير الأمن الإقليمي.
لطالما أكدت طهران أنها ضد وجود الأجانب في المنطقة. من خلال تحقيق هيكل أمني إقليمي بمشاركة دول المنطقة، ستزول ذريعة وجود القوات الأجنبية، وخاصة الأميركيين، في المنطقة. ومن الواضح أنه في مثل هذه الظروف سوف لن تشعر دول المنطقة بالحاجة إلى وجود قوات أجنبية. من ناحية أخرى، فإن توسيع العلاقات الاقتصادية مع جميع دول الجوار، بما في ذلك السعودية، هو أيضًا موضوع توليه إيران اهتمامًا.
من البديهي أن تحسين العلاقات الثنائية بين أكبر الدول وأكثرها نفوذاً في المنطقة لن يكون له منافع متبادلة فقط. شئنا أم أبينا، عبر التاريخ الحديث، كان نوع العلاقات بين إيران والسعودية هو من نوع التنافس -التعاون. في بعض الأحيان يكون ثقل المنافسة أثقل وأحيانًا يكون ثقل التعاون قادراً على التوازن أو حتى التجاوز. إن زيادة ثقل التعاون على ثقل المنافسة يمكن بلاشك أن ينقذ الى حد ما الهيكل الأمني الإقليمي من بعض التعقيدات التي واجهته في السنوات الأخيرة.
*التعقيدات الأمنية والأمن الجماعي
التعقيدات الأمنية في منطقة الخليج الفارسي ارتبطت على الدوام ارتباطاً مباشراً بعامل واحد محدد: تدخل الدول الغربية في المنطقة. لطالما كان هدف واشنطن وحلفائها أن تظل الدول العربية في المنطقة معتمدة دائماً على الغرب من المنظار الأمني، ليس فقط لتكون زبائن لأسلحتهم، ولكن أيضاً من اجل أن تكون قاعدة لنشر القوات الغربية وخاصة الأميركية.
لقد أنفق السعوديون والدول الحليفة لهم في المنطقة عموماً أموال النفط لشراء الأمن، لكن بيان بكين كان على الأقل مؤشراً على أن الرياض أدركت إلى حد ما أن شراء الأمن من الغرب ليس ميسراً كثيراً أيضاً. فشل سياسات السعودية في اليمن والأضرار الجسيمة التي لحقت بالمنشآت السعودية من قبل الجيش اليمني غير المجهز كثيرا من جهة والتكاليف الباهظة جداً لاستمرار هذا العدوان من جهة أخرى، ربما تمكنت من إيقاد شعلات من العقلانية في الرياض.
هذه العملية ربما ادت إلى نوع من الادراك في الرياض وعواصم عربية أخرى بأن أميركا، في ظل وجود الأزمات الداخلية التي يرى بعض المحللين أنها بداية لانحدار قوة أميركا وانخراطها في العديد من الأزمات الدولية، بما في ذلك الأزمة الأوكرانية ونزعة التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، لم تعد بإمكانها ان تكون رافعة موثوقة للحصول على الأمن. من ناحية أخرى، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وعلى الرغم من كل المشاكل والأزمات، قوية وراسخة، وهي بالنسبة لهم حقيقة إقليمية يجب أن يقبلوا التعاون معها وربما السعي لتحقيق مصالحهم، بما في ذلك تحقيق الأمن، من خلال هذا التعاون.
الحل الذي يمكن تصوره على هامش تحسين العلاقات بين طهران والرياض هو تحرك دول المنطقة نحو بنية أمنية جماعية لن تقلل من الهواجس الأمنية لهذه الدول فحسب، بل يمكنها أيضاً إزالة هواجس الأطراف الدولية التي تريد الاستقرار والأمن في الخليج الفارسي وتقويض أرضية إساءة الإستغلال من قبل العابثين بالأمن.
*خصوم دائمون
وبحسب المعلومات المتاحة، فانه ومنذ الساعات الاولى لاعلان الاتفاق (بين طهران والرياض) واجهت ازالة التوتر بين إيران والسعودية معارضة الدول الغربية، بما في ذلك اميركا والترويكا الأوروبية، على الرغم من الترحيب الظاهري بالامر. ربما لا يكون من الخطأ القول إنه في الزيارات الأخيرة للمسؤولين الأميركيين إلى السعودية ودول أخرى في المنطقة، استخدمت واشنطن كل جهودها لتعطيل بلورة نوع من التعاون الثنائي بين طهران والرياض والتعاون الإقليمي العام.
الأخبار الأخيرة حول إرسال 3000 جندي إلى منطقة الخليج الفارسي بمعدات عسكرية، قبل أن يكون لها تأثير حقيقي على الميدان، هي محاولة حتى لا تشعر دول المنطقة بالحاجة إلى تغيير نهجها في التبعية الأمنية ولا تتجه نحو تهدئة التوترات ولا تفسح المجال لدخول المنافسين الدوليين لأميركا الى المنطقة.
أي خبير عسكري يحظى بعقل سليم سيعترف بالتأكيد أن هذا العدد من القوات وكل المعدات الجديدة التي يدعي بها الأميركيون لن يكون لها تأثير خاص على المعادلات العسكرية في المنطقة. ربما ادرك المحللون العرب في المنطقة أن هذا استعراض في غير وقته المناسب، "استعراض" لانه عديم التاثير، و"في وقته غير المناسب" لأنه جاء في وقت خفض التوتر.
إن كان لدى دول المنطقة عزم جاد، مثل جمهورية إيران الإسلامية، فبامكانها تحقيق هيكل أمني يمكن الوثوق به من خلال التعاون مع بعضها البعض، دون إشراك الجهات العابثة بالأمن.