أصحاب "العزاء" النووي أنفسهم في كلمات التأبين الرسمية تحدثوا عن المأساة كما لو أنها حدثت من تلقاء نفسها أو أن مجهولا كان وراءها.
رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا وعمدة مدينة هيروشيما كازومي ماتسوي، تحاشيا ذكر اسم الولايات المتحدة، كما لو أنها جاءت إلى "العزاء" لإحياء ذكرى الضحايا، مثل غيرها ولا يد لها في الأمر!
فوميو كيشيدا قال إن هذه المأساة أودت بحياة أكثر من 100 ألف شخص، وأن المدينة اليابانية "تحولت" إلى "أرض محروقة"، ومع ذلك ذكر روسيا.
خلال حفل إحياء ذكرى ضحايا القصف النووي الأمريكي، تجاهل رئيس الحكومة اليابانية تماما الإشارة إلى من ضرب بلاده مرتين بالسلاح النووي، وقضى من دون أي ضرورة عسكرية، على قسم كبير من سكان المدينتين المدنيين الأبرياء، وذكر روسيا زاعما أنها تهدد بالسلاح النووي، ورأى أن العالم أصبح الآن أكثر تعقيدا!
حتى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لم يذكر الولايات المتحدة في الكلمة التي تلتها نيابة عنه في هذه الذكرى المأساوية الفريدة ممثلته إيزومي ناكاميتسو، وبدلا عن ذلك رأى أن "طبول الحرب النووية تدق مرة أخرى"، في حين أن ما حدث في هيروشيما عام 1945 وصفه بأنه "كارثة نووية عصفت بالمدينة".
الرئيس الأمريكي جو بايدن والذي كان يبلغ من العمر العامين وقت ألقت بلاده القنبلتين على المدينتين اليابانيتين، زار هيروشيما خلال انعقاد قمة الـ 7، وكتب كلمة قصيرة "عن الأمل في عالم من دون أسلحة نووية" في السجل التذكاري لمتحف السلام، ومضى دون أن يعتذر للضحايا المدنيين الذين سقطوا في تلك الجريمة البشعة.
اليابان التي ذاقت ويلات "الرعب النووي الأمريكي" وكبلت الولايات المتحدة إرادتها بشكل تام وحولتها إلى "رهينة" أبدية مع أكثر من 100 قاعدة ومنشأة عسكرية أمريكية على أراضيها لا تخضع للولاية القضائية اليابانية، ليست في عجلة من أمرها لطلب اعتذار من الولايات المتحدة. هي في الواقع لا تجرؤ حتى على النطق باسمها وراء الجريمة النووية المزدوجة.
المسؤولون اليابانيون المتعاقبون يتحاشون الحديث عن مسؤولية الولايات المتحدة عن قصف هيروشيما وناغازاكي نوويا، كما لو أن كرتي "الولد الصغير" و"الرجل السمين" النوويتين سقطتا على هيروشيما وناغازاكي قادمتين من العدم!
ربما يكون لليابانيين حساباتهم، وقد يتغير هذا الأمر بعد أجيال حين تتراجع قوة الولايات المتحدة، إلا أن ذلك لن يغير من غرابة الموقف وذلك لأن بلاد الشمس المشرقة صمتت دهرا عن جلادها النووي، بل واحتضنته بقوة وربطت أمنها ومصيرها به!
صحيفة "نيويورك تايمز"، تحدثت عن مناسبة "افتتاح الولايات المتحدة للعصر النووي بتفجيرين لا مثيل لهما، وعن "تكريم الموتى" بعد ثمانية وسبعين عاما من إسقاط أول قنبلة نووية على رؤوس المدنيين، بالقول إن "السيد بايدن وقادة العالم الآخرين التقوا على انفراد بأحد الناجين، وقاموا بجولة في متحف، ووضعوا أكاليل الزهور في نصب هيروشيما التذكاري للسلام وزرعوا شجرة. حدق الرئيس رسميا في النصب التذكاري لضحايا القنبلة الذرية، فيما وصف عمدة المدينة النصب التذكاري. لكن الرئيس لم يقدم أي تعليقات على ما رآه، ناهيك عن الاعتذار الذي لا يزال بعض اليابانيين يرغبون في أن تقدمه الولايات المتحدة".
أما المواطنون اليابانيون الذين أتاح لهم التلفزيون المحلي الفرصة للتعبير عن مشاعرهم في هذه الذكرى "الوطنية" الأليمة فقد رأوا أن الولايات المتحدة محقة في إسقاط القنبلتين على بلادهم، وأن ذلك الأمر كان في صالحهم!
مقتل أكثر من مئتي ألف مدني في الضربتين النوويتين في السادس والتاسع من أغسطس 1945، علّق عليه أحد هؤلاء بالقول إن "الولايات المتحدة اختارت أسرع طريقة لإنهاء الحرب ومنع الدول الأخرى من الاستيلاء على اليابان".
الدعاية الأمريكية والمحلية المركزة غسلت أدمغة الجميع، وتحول الأسود إلى أبيض ناصع، ورأى شاب وقف أمام الكاميرا أن "القصف ربما كان ضروريا إلى حد ما"، فيما مضت امرأة إلى التعبير عن مشاعرها بهذه المناسبة "الوطنية" الحزينة، قائلة: "اليابان لا تريد الاستسلام. أفضل أن أموت بنفسي على يد العدو، بدلا من القتال بلا نهاية".
مع كل ذلك قد يكون لدى بعض اليابانيين موقف مختلف تماما. وربما يوجد من قاوم "الدعاية السوداء" المتواصلة منذ عقود والتي وجدت للجريمة النووية "أفضال ومزايا ومحاسن" لكن للأسف لم نسمع ولم نشاهد حتى الآن إلا مناصرين "للجريمة الأمريكية النووية"!
المصدر: RT