بيد إن المراقبين توقفوا عند الأحداث التي شهدتها العاصمة بغداد، إذ علق البعض على ذلك بالقول: كيف ستبرر حكومة السوداني ما شهدته سفارة السويد في بغداد، في ضوء معاهدات فيينا والأعراف الدبلوماسية؟
فلو كانت سفيرة السويد في العراق قد استدعيت لوزارة الخارجية العراقية وطُلب منها مغادرة العراق خلال فترة محددة (7أيام مثلاً) والمطالبة بتسليم الملحد المدنّس موميكا؛ لكان أفضل من الهجوم على المبنى والحرق الغوغائي.
والحقيقة إن وزارة الخارجية العراقية ووزيرها (المنتمي لحزب البارزاني) ومساعديه ارتكبوا تقصيراً وتأخيراً غير مبرّرَين في الاحتجاج على ما فعلته السويد باستدعاء سفيرتها وابلاغها بالمغادرة حتى حصلت الهجمة على السفارة بدعوة من جهة معينة، وإلى أن أمر السيد محمد شياع السوداني وزارة الخارجية بإبلاغ السفيرة السويدية بمغادرة لبغداد وسحب القائم بأعمال السفارة العراقية في استوكهولم.
وبالنسبة لحرق السفارة لم يكن بالحسبان ولم يحدث في أي دولة مسلمة، حيث سيؤدي إلى تغريم العراق من خزينته كل الأضرار المادية التي ألحقها المهاجمون بمبنى السفارة ومحتوياتها، فضلا عن الاعتذار الرسمي.
ويعتقد المراقبون إن المهاجمين ركبوا الموجة وعادوا إلى ممارسة هوايتهم المفضلة في التخريب والحرق لإحراج حكومة الإطار التنسيقي امام أوروبا وأمريكا الذين تضامنوا مع السويد بسبب حرق سفارتها على يد جهة معينة، ثم طرد سفيرتها فقط من العراق من بين كل الدول الإسلامية الـ57، وربما اعتبر الغرب ما حصل من اساءة في السويد بترخيص من حكومتها عبارة عن (حرق فرد واحد لمصحف واحد).
فعلى الاطار وحكومة السوداني ضبط النفس، والا ستكون هذه ذريعة للغرب للاطاحة بحكومة الاطار التنسيقي كما فعلوها بعبد المهدي وكانت وسيلتهم هو طلب ازاحته ضمن خطبة جمعة كربلاء المعروفة.
وهذا بالضبط ما يسعى له الذين استقالوا من مجلس النواب، لكنهم لم ينجحوا في منع تشكيل الحكومة من قبل ائتلاف إدارة الدولة ومن قبل مرشح الاطار التنسيقي.
وكادت الأمور تستقر في العراق وبدأ الوضع الأمني يستتب وتبلورت الخدمات العامة لمصلحة الشارع العراقي وتنفس الناس الصعداء وانزاح كابوس الهجوم الغادر على الخضراء واحتلال مجلس النواب، حتى جاء الهجوم على السفارة وحرقها ليغطي على فضيحة احتجاز الجاسوسة الاسرائيلية تسوركوف التي كشفت معلومات كثيرة حول علاقتها بتيار معين، واتجهت الانظار لهذا الاختراق بعد الاختراقين السابقين لنفس الجهة من قبل الجاسوسة الاوكرانية رويتا والمطبّعة الكويتية فجر السعيد.
لهذا كله ينبغي الحذر من استدراج السوداني وحكومته لهذا الفخ واسقاطها عبر انفعالها الزائد وخطواتها غير المحسوبة.
فحكومة السوداني مدعوة لضبط النفس وضبط إيقاع الشارع ومنع أعمال الحرق، والانفلات الأمني، بذريعة الاحتجاج.
ولن أنسى ما قاله لي الصديق العزيز السفير حبيب الصدر: "تمنيت لو لم يحدث الحرق والاقتحام لمبنى السفارة لان الطرف السويدي وداعميه الامريكان ودول الاتحاد الاوروبي إتخذوا الحرق ذريعة لجعل العراق ضاربا عرض الحائط باتفاقية فيينا التي تنظم العلاقات الدبلوماسية بين الدول، فضلا عن تحويل الانظار عن أصل المشكلة الى الخرق الدبلوماسي.. ورغم ذلك ينبغي التركيز على الاساءة المتعمدة لمقدساتنا الاسلامية وحشد التأييد العربي والاسلامي لاستنكار هذا العمل الأهوج للحيلولة دون تكراره" وهو محقٌّ في ذلك، فهو العارف باتفاقيات فيينا والاعراف الدبلوماسية.
وفي هذا السياق، جاءت مبادرة العراق من أجل الدعوة للمؤتمر قمة اسلامي، فحرق المسجد الأقصى كان هو المبرر لانعقاد المؤتمر الاسلامي الذي أفضى لتأسيس منظمة المؤتمر الاسلامي (حاليا منظمة التعاون الاسلامي) ولكن حرق القرآن أعظم جرماً وهتكاً للمقدسات وأشد وقعاً وأولى بانعقاد المؤتمر الاسلامي للخروج بموقف موحد أمام الأمم المتحدة وشعوب العالم كلها بأن المسلمين لن يتهاونوا في الدفاع عن مقدساتهم وعلى رأسها القرآن الكريم.
د. رعد جبارة / باحث ودبلوماسي سابق
ملاحظة: هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع.