يوم عرفة يومٌ عظيم يوم المعرفة واليقين يوم الثقة برحمة رب العالمين، وعنايته ورعايته للخلق اجمعين يومٌ يباهي الله فيه ملائكته بعباده الصالحين، القانتين، على صعيد مكة ومنى وعرفات، وزوار الحسين(ع).
إنه اليوم الذي اقترن بدعاء الامام الحسين سيد الشهداء (ع) المسمى بدعاء عرفة، المليء بالقيم العليا والمفاهيم السامية والتألق والذوبان في حضرة المحبوب الاكبر، وكأنه يوم عروج الحسين (ع) في الملكوت كما عرج، من قبلُ، جده المصطفى صلى الله عليه واله وسلم، في السموات العلى.
ومما يقوله الامام الحسين (ع) في دعاء عرفة: {ماذا وَجَدَ مَن فَقَدَكَ؟ ومَا الَّذي فَقَدَ مَن وَجَدَكَ؟ كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ في وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ اِلَيْكَ، مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتاجَ اِلى دَليل يَدُلُّ عَليْكَ، وَمَتى بَعُدْتَ حَتّى تَكُونَ الاْثارُ هِي الَّتي تُوصِلُ اِلَيْكَ، عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقيباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْد لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصيباً}.
ثم يقول (ع): {اللَّهُمَّ إِنَّكَ تُجِيبُ الْمُضْطَرَّ وَتَكْشِفُ السُّوءَ، وَتُغِيثُ الْمَكْرُوبَ، وَتَشْفِي السَّقِيمَ، وَتُغْنِي الْفَقِيرَ، وَتَجْبُرُ الْكَسِيرَ، وَتَرْحَمُ الصَّغِيرَ، وَتُعِينُ الْكَبِيرَ، وَلَيْسَ دُونَكَ ظَهِيرٌ، وَلَا فَوْقَكَ قَدِيرٌ، وَأَنْتَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ.يَا مُطْلِقَ الْمُكَبَّلِ الْأَسِيرِ، يَا رَازِقَ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ، يَا عِصْمَةَ الْخَائِفِ الْمُسْتَجِيرِ، يَا مَنْ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا وَزِيرَ}.
فما أروع هذه المناجاة مع الله جلت عظمته.
ويوم عرفة تالي تِلْو ليلة القدر من حيث المنزلة والعطاء، ونزول الملائكة أفواجاً، وشمول الرحمة والمغفرة.
وفي هذا اليوم وعبر ذكر الله في هذا الدعاء وغيره مما ورد في الصحيفة السجادية والاوراد الاخرى؛ ترتسم أشرف الكلمات وأروع المفاهيم وأسمى المفردات المعنوية والروحية.
والمسلمون عموماً والحجاج خصوصاً والمؤمنون بالذات من أقصى شرق الأرض إلى غربها؛ جدير بهم في هذا اليوم أن يتأملوا ويتمعنوا في كتاب الله تبارك وتعالى وسنة رسوله وسيرة الأئمة (ع) ودعاء الاولياء، لتتجسد لهم هذه القيم السامية، ويدركوا بركات الاجتماع المليوني لحجاج بيت الله الحرام، ويجعلوها مفتاحا لتأصيل المعرفة وتجسيد قيم السماء ومُثل الاسلام، والولوج إلى البناء الروحي والمعنوي والتربية الذاتية.
ان يوم عرفة يوم مبارك جدا لأن الله (جلت عظمته) دعا عباده الصالحين الى عبادته وطاعته ودعائه وسط مائدة الجود والاحسان وتقديم القرابين والاضاحي وهناك كثير من الروايات والاحاديث التي تؤكد لنا ان المولى تبارك وتعالى له عناية خاصة بعباده في هذا اليوم الروحاني والمحطة المضيئة في حياة المسلمين التي تمدهم بالعطاء والنقاء والضياء والولاء والوفاء.
بقلم: د. رعد هادي جبارة