بمناسبة حضور حجاج بيت الله الحرام في أرض الوحي لأداء موسم الحج عام 2023 للميلاد، أجرت مراسلة وكالة "إكنا" للأنباء القرآنية الدولية في لبنان الإعلامية "ريما فارس" حواراً مع رئيس الهيئة الإدارية في تجمع علماء المسلمين في لبنان، "سماحة الشيخ الدكتور حسان عبد الله".
وتطرق الشيخ الدكتور حسان عبدالله في هذا الحوار الى أهم مقاصد الحج في ضوء القرآن الكريم وأهمية مشاركة كبار القراء في هذا الموسم الروحي العظيم، كما تطرق العناصر التي يمكن التركيز عليها لتحقيق الوحدة بين الأمة الاسلامية.
فيما يلي نص الحوار...
لماذا فرض الله سبحانه وتعالى الحج على المسلمين؟
الله عز وجل يقول في كتابه الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ* فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾.
الله عز وجل عندما فرض الحج، فرضه من أجل أن نحيي سنةً مهمةً وركناً من أركان الدين لأن في هذا الحج آيات بينات كما ورد في الكتاب الكريم مقام إبراهيم (عليه السلام)، هذه الآيات تتلخص فيها كل مسيرة جد الأنبياء، إبراهيم عليه السلام الذي كرس في تضحيته معنى أن يكون كل شيء لله، ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ عندما نطلع على سيرة نبينا إبراهيم (ع) لنعرف أنه كان يفتقد إلى الولد وبقي عمراً وردحاً طويلاً من الزمن لم يعطهِ الله عز وجل الولد، وتزوج من سيدتنا هاجر عليها السلام كي تنجب له ولداً، هو أيضاً جد للأنبياء وجد لنبينا محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) إسماعيل (عليه السلام).
وابتدأت القصة، قصة التضحية الإذعان لما يأمره به الله عز وجل عندما طلب الله عز وجل منه أن يذهب بعائلته إلى تلك البقعة المباركة التي هي مكة المكرمة أن يذهب من بلاد الشام مسافة طويلة يترك ابنه إسماعيل (عليه السلام) هناك على تلك الأرض القاحلة التي لا ماء فيها ولا كلأ من أجل أن يمتثل لأمر الله سبحانه وتعالى، وعندما أوصلهم إلى ذلك المكان أمره الله عز وجل بالرجوع وتعلقت هاجر بردائه تقول له إلى من تكلنا يا إبراهيم؟ قال لها إني أوكلتكِ لله عز وجل وأودعتكِ عند الله عز وجل الذي لا تضيع ودائعه، وذهب لم يلتفت إلى الوراء أبداً، مذعناً لأمر الله، مضحياً في سبيل الله، وبقيت هاجر هناك تبحث عن ماء وعن كلأ، وأنزل الله عز وجل معجزته عندما ضرب إسماعيل(عليه السلام) برجله الأرض فانفجرت منها عيناً، هي نبع زمزم الذي يسقي الملايين من المسلمين في كل عام، وعدد لا يمكن أن يحصى منذ ذلك الوقت إلى اليوم بتلك البقعة التي لا ماء فيها ولا كلأ، انفجر هذا النبع بأمر من الله عز وجل.
عندما ظهر النبع جاءت القبائل المحيطة لتعرض على السيدة هاجر أن تشاركهم بالماء ويشاركوها بالطعام، وكانت أن تحولت تلك البقعة إلى حاضرة في داخل الجزيرة العربية بعد أن كانت صحراء قافلة، ثم جاء أمر الله عز وجل مرة أخرى إلى إبراهيم (عليه السلام) ليعود إلى تلك الديار كي يرفع القواعد من البيت من أجل أن يعيد بناء هذا البيت العتيق الذي تدور حوله حكايات كثيرة لسنا في وارد الحديث عنها الآن، وهذه الحكايات أنه على الأقل هو البيت الذي بناه أدم عليه السلام، فُرفعت القواعد من البيت على الهيئة التي نراها اليوم في الكعبة المشرفة أعزها الله، وبعد ذلك طلب الله من عبده ونبيه إبراهيم طلباً آخر أن يذبح ابنه، هذا الولد الذي سعى لكي يحصل عليه، وكانت اللهفة كبيرة عليه، جاء أمر الله عز وجل إليه بالذبح فما كان منه إلا أن توجه لابنه ليقول له إني أرى في المنام أني أذبحك، ورؤيا الأنبياء عليهم السلام هي أمر من الله عز وجل يوحي به إليهم ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾، وهذا طبعاً قام به إبراهيم عليه السلام إلتزاماً بأمر الله عز وجل، وإذا بإسماعيل عليه السلام أيضاً يلتزم بأمر الله عز وجل ويقول له يا أبت تفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، وهناك وضعه للذبح، فلما أسلما بمعنى سلما لأمر الله معا، ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدصَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾.
فالله عز وجل أراد أن يقدم للبشرية من خلال معالم الحج عنواناً كبيراً سمي هذا العيد باسمه وهو عنوان التضحية، عيد الأضحى أن تضحي من أجل أن تمتثل أمر الله حتى لو كان أمر الله بأن تُبعد عائلتك عنك، أو أن تقتل ابنك الذي هو بالذبح الذي هو منية حياتك وغاية مرادك، وكان الشيطان قد تمثل لإبراهيم (عليه السلام) في مواضع ثلاثة يطلب منه ألا يمتثل لأمر الله وسوس له، وكان أن رماه بالحصيات، إننا في مناسك الحج نحيي هذه الشعيرة العظيمة شعيرة التضحية في سبيل الله، ونمتثل بالسعي والطواف، وما فعلته هاجر في السعي للحصول على الماء والمتصل بالذبح والتضحية، التي ضحى بها إبراهيم عليه السلام بأمر من الله بكبش جاءه من السماء ونمتثل برمي الجمرات، أن نرمي الشيطان في أنفسنا كما رمى إبراهيم عليه السلام الشيطان في واقع الأمر، هذه بعض من المعالم التي أراد الله عز وجل من خلال تشريع الحج أن يلتفت الناس إليها.
ما هي العناصر التي يمكن التركيز عليها لتحقيق الوحدة الإسلامية خلال موسم الحج؟
الحقيقة أن موسم الحج يمكن أن تتجلى فيه الوحدة الإسلامية على أبدع صورة، فالجميع هناك واحد لا يميزهم ثياب ولا تميزهم أي رفعة في مكان أو مغايرة لواحد من الحجيج عن الأخر، فكلهم بنفس الرداء وكلهم نحو نفس التوجه يطوفون نحو نفس البيت، حول نفس البيت ويسعون في نفس المكان، يجتمعون في عرفة في نفس المكان، يجتمعون في منى في نفس المكان وكلهم لا تميز أحدهم عن الأخر، هذه الوحدة المتمثلة بالزي والوحدة المتمثلة بالمكان والوحدة المتمثلة بالزمان.
يجب أن تتمثل الأمة بالوحدة المتمثلة بأن لا يفرقنا بعضنا عن البعض الأخر أي شيء، إن فرصة أنه من خلال الإحرام لا رفث ولا فسوق ولا جدال ولا أي شيء تجعل إمكانية المناقشة بعيدة عن أسلوب المهاترات وأسلوب المناكفات وتدخل الموضوعية من خلال هذا الحوار، فالحج فرصة كي يجتمع المسلمون هناك ويعملوا على تدارس أمورهم والسعي لما يجمعهم ونبذ ما يفرقهم، والالتفات إلى مؤامرات الأعداء حول تفريقهم، هناك في رحاب الامتثال لأمر الله سبحانه تعالى بالتخلي عن كل الأمور الذاتية لصالح الدين ممكن أن تكون فرصة عظيمة من أجل أن نصل إلى الوحدة الإسلامية، فأهم عنصر من أجل الوصول إلى الوحدة هو الحوار، هو النقاش فيما بيننا، هو التفكير وعقد المؤتمرات من أجل البحث في شؤون الأمة الإسلامية، وما تحتاجه، الاجتماع على القضية المركزية للأمة التي هي القضية الفلسطينية باعتبار الوحدة والتضحية المتمثلة في معالم الحج طريق للوصول إلى تحرير فلسطين.
وهناك أمور كثيرة ممكن أن نستفيد منها، وأهم شيء ما أشار إليه الإمام الخميني(قده) في مسيرة البراءة في الدعوة إلى مسيرة البراءة، براءة من الولايات المتحدة الأمريكية، البراءة من الكفار، البراءة من المشركين، البراءة من أميركا الطاغية، الشيطان الأكبر، ولكن الاعتبارات السياسية لدى الدولة الممسكة بشؤون الحج منعت، ولعلنا نعود إلى هذه المسيرة عن قريب إن شاء الله تعالى، ليؤكد العالم الإسلامي أن أمريكا هي الشيطان الأكبر، وهي عدو الأمة الإسلامية.
ما هي أهم مقاصد الحج في ضوء القرآن الكريم؟
يقول الله تعالى، ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾.
والله عز وجل حدد الأمر بأن هذا الحج وسيلة من أجل أن نشهد المنافع، ما هي المنافع التي سنشهدها؟ لم يحددها الله ولكن أعطاها العنوان الأعم والأشمل، هناك منافع كثيرة سنحصل عليها، الوحدة، الاجتماع، التفكير في شؤون المسلمين، تحويل الأضحية إلى سبب من أجل إنهاء حالة الفقر الموجودة في الأمة بتحويل هذه الأضاحي يصل عددها إلى الملايين عبر معامل تقوم على تعليبها وتوزيعها على فقراء المسلمين، ولعلها أيضاً تشمل فقراء العالم من أجل أن يتحول الحج أيضاً إلى سبب من أسباب الشعور بالآلام التي يعاني منها فقراء الأمة.
وأيضاً هذا الموسم الكبير هو موسم تحصل فيه تبادلات تجارية مهمة، يأتي الناس من أصقاع العالم يحملون بعض البضائع، يعرضونها، يبيعونها، وأيضاً يشترون من تلك المناطق ما يحتاجون إليه من تمر وأي أمر أخر، فهذه الحركة التجارية العظيمة يجب أن تكون سبباً من أجل تأمين وصول المساعدات للمسلمين في العالم،كثيرة هي العناوين التي يمكن أن نعطيها لمقاصد الحج في ضوء القرآن الكريم.
ما هو رأيكم حول قول قائد الثورة الإسلامية الإيرانية بأن الحج قضية عالمية وحضارية تهدف إلى ارتقاء الأمة الإسلامية واتحادها مقابل الكفر والاستكبار؟
إن ما قاله قائد الثورة الاسلامية الايرانية(أدام الله ظله) حول موضوع أن الحج قضية عالمية هو قضية عالمية باعتبار أن المسلمين من كل أنحاء العالم يأتون إلى هذا الموسم وهي حضارية بأنه يمكن أن نتدارس شؤوننا وأمورنا من خلال حوار منفتح بين بعضنا البعض يعتمد على أن نقدم مصلحة الإسلام على أي مصلحة أخرى.
وبالتالي إن عملنا على هذه المضامين وهذه التعاليم بشكل صحيح كما يريدها الله عز وجل قطعا سيؤدي ذلك إلى ارتقاء الأمة الإسلامية ووصولها لتصبح الأمة الأولى في العالم، والله عز وجل قال ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ كيف يمكن أن نكون خير أمة؟ إن لم نستطع أن نتفاهم أو أن نجتمع على كلمة واحدة في مكان واحد في زمان واحد، في رحاب التعبد لله عز وجل، وبالتالي عندما ترتقي الأمة وتتحد في مقابل الكفر والاستكبار فإن ذلك سيؤدي إلى نشر تعاليم هذا الدين إلى كل الأمم الأخرى، وتسود راية الإسلام راية الله عز وجل راية الإيمان في كل أنحاء الأرض.
برأيكم، ما هو تأثير فريضة الحج على الدول الإسلامية وزيادة التقارب بينهم؟
من الطبيعي أنه إلى الآن لايسمح للدول الإسلامية من أن تشارك في تنظيم موسم الحج، وبالتالي هذا ما يمكن أن يؤثر على أن يكون الحج فيه سلاسة ويؤدي الدور المطلوب منه، والسبب في ذلك هو أن هناك اختلافات سياسية بين الدول الإسلامية، هذه الاختلافات وهذه التوترات تنعكس على ذهاب المسلمين إلى الحج، مثلاً عندما حصلت المشكلة في سوريا لم يذهب حجاج سوريا إلى الحج لسنوات عديدة، وكذلك حصل مع إيران، وبالتالي يجب أن لا يكون أن تكون الخلافات السياسية سبباً لمنع شعوب العالم من أن تذهب إلى الحج، إن تخفيف حدة التوتر وزيادة التقارب بين الدول الإسلامية يؤدي إلى حج مكتمل المعالم، الحج يؤدي الدور الذي يريده الله عز وجل من هذه العبادة.
كيف تقيمون حضور كبار القراء في موسم الحج ودور تلاواتهم الرائعة في تعزيز روحانية هذا الموسم؟
إن القرآن الكريم هو الكتاب الذي تطمئن فيه القلوب ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، والحج هو مناسبة من أجل تنقية الذات وإخراجها من أدران الدنيا للارتقاء نحو الآخرة وحب الله والارتباط بالله عز وجل، لذلك أن يأتي كبار القراء إلى مناسك الحج ويستمع إليهم الحجيج ويقومون بتأدية هذه الآيات بالأسلوب الجميل والترتيل الجميل والتجويد الجميل ستنعكس في زيادة الروحانية في الحج لأنه أصلاً في نفس هذه الأماكن هناك روحانية عالية فكيف إذا اشتملت على أن يُقرأ القرآن من أشخاص مبدعين في هذا المجال هم كبار القراء في العالم، فنحن نشجع على ذلك ونطالب به.