وفي توقيت هذا الحدث، رسائل متعددة أرادت الجمهورية الإسلامية الإيرانية إيصالها، من خلال الكشف عن الصاروخ "فتّاح".
على الرغم من الضغوط المستمرة، التي تتعرض إيران لها بصورة متواصلة، فإنها تصرّ على تطوير قدراتها الدفاعية العسكرية، في وجه التهديدات المتعددة التي تتعرّض لها من الولايات المتحدة، والتي حاولت، خلال المفاوضات النووية التي تُعقد في العاصمة النمساوية فيينا، أن تضعها على الطاولة، وخصوصاً فيما يتعلق بالقدرات الصاروخية، وهو ما رفضته طهران، على نحو قاطع.
الرفض الإيراني لأي تفاوض أو ضغط فيما يخص ترسانتها العسكرية، ولا سيما الصاروخية، تمثَّل بالكشف عن الصواريخ المتطورة وعن القدرات العسكرية، على الرغم من المحاولات الأمريكية لوضع عقبات وشروط في وجهها.
أدرجت الولايات المتحدة مزاعم متعددة تتعلق بقدرات إيران العسكرية وطائراتها المسيّرة، في مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة، والخاصة ببرنامج طهران النووي. وكان الهدف الأمريكي الأساسي الحد من تطوير إيران قدراتها العسكرية.
وأعلن وزير الدفاع الإيراني، العميد رضا آشتياني، سابقاً، أنّ بلاده تقوم بالتصميم والتصنيع لصواريخ بالستية، يبلغ مداها ألفي كيلومتر، كاشفاً خططاً بشأن توظيف تقنية الذكاء الاصطناعي في التحليق الجماعي والتخليق الفردي للمقاتلات. وتحدّث أيضاً عن الإنجازات الجديدة في مجال الطائرات المسيّرة، التي ستعلنها طهران قريباً، مشيراً إلى أنّ هناك كثيراً من الدول التي ترغب في شراء الطائرات المسيرة التي تنتجها بلاده.
وقال القائد العام لقوات حرس الثورة الإيرانية، اللواء حسين سلامي، إنّ إيران تمتلك تقنية التنويع في صنع جميع أنواع الأنظمة الصاروخية.
استطاعت إيران، نتيجة ذلك، فرض واقع لا يمكن لواشنطن الهرب منه، من خلال العروض العسكرية التي قدمتها وكشفت عنها، وامتلاكها أحدث التقنيات العسكرية في العالم، في وقت يشهد الملف النووي الإيراني تطورات جديدة في الفترة الأخيرة. بحيث تم إحراز تقدم بشأن بعض العقبات في المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، سعياً لإنقاذ الاتفاق النووي المبرم عام 2015.
هذا ما تريد إيران إيصاله، ومفاده أن برنامجها الصاروخي لا علاقة له بالمفاوضات النووية أو بالملف النووي الخاص بها، ولن تسمح بربط أحد هذين الملفين بالآخر، ولا بابتزازها في هذا الشأن، من أجل رفع العقوبات عنها.
فطهران أعلنت دائماً أنها لن تقبل إجراء المفاوضات النووية تحت الضغط والتهديد، ولن تقدم التنازلات.
وهذا ما تدركه الولايات المتحدة الأميركية، التي وضعت شروطاً واختلقت أعذاراً قُبيل اختتام المفاوضات غير المباشرة سابقاً، وربطت تنفيذ المفاوضات النووية، أو إتمامها، بالحد من التطورات العسكرية الإيرانية.
إلّا أن واشنطن تراقب اليوم العروض العسكرية الإيرانية من دون إدراج الملف ضمن المحادثات النووية، التي تشهد تقدماً ملحوظاً. وفي هذا السياق، نفت لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، مراراً، نية طهران تقديم أي تنازلات في المفاوضات النووية، مشيرةً إلى أنّ "تصورات الأوروبيين للمفاوضات النووية غير دقيقة".
ومنذ بداية الحديث عن إحياء الاتفاق النووي، تشدّد طهران أيضاً على 4 قضايا أساسية، هي: الضمانات بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي، ورفع العقوبات عن إيران، والتحقّق من حدوث هذه الأمور، وإغلاق ملف الادعاءات السياسية للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
مخاوف إسرائيلية.. ورسائل إيرانية
باتت إيران اليوم تحتل المرتبة الرابعة عشرة بين أقوى الجيوش في العالم، بحسب تصنيف موقع "Global Fire Power"، عام 2022. وتمتلك إحدى أكبر ترسانات الصواريخ، وأكثرها تنوعاً في المنطقة، إذ تشمل مجموعة متنوعة من صواريخ بعيدة المدى ومتوسطة المدى وقصيرة المدى.
هذه القدرات المتطورة تربك "إسرائيل"، وهو ما ظهر جلياً اليوم بعد الكشف عن الصاروخ فرط الصوتي، "فتّاح"، بحيث نقلت وسائل إعلام إسرائيلية المخاوف لدى المؤسسة الأمنية من تطوير إيران قدراتها العسكرية، إذ قال المعلق العسكري في "القناة الـ12" الإسرائيلية، نير دفوري، إنّ "المشكلة تكمن في حال اخترق هذا الصاروخ الغلاف الجوي"، مضيفاً أن "هذا الصاروخ يفعل بالغلاف الجوي هذه الوثبة، وهذه الوثبة من الصعب معرفتها وملاحظتها واعتراضها".
من جهته، قال أوهاد حامو، معلق الشؤون العربية في "القناة الـ12"، إنّ "إيران تُشغّل في عدة أماكن منظومة صواريخ موجَّهة نحونا". وأوضح المعلق العسكري أنّ "إسرائيل ترى مرة جديدة أن هذه الخطوة الإيرانية تأتي ضمن سلسلة خطوات تهدف إلى ردعها". ورأت صحيفة "معاريف" أنّ "الكشف الإيراني عن صاروخ "فتّاح" فرط الصوتي هو رسالة إلى إسرائيل وتهديد واضح".
أمّا الرسائل الإيرانية المعلنة من جانب الجمهورية الإسلامية، فأعلنها الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في كلمة له خلال مراسم إزاحة الستار عن الصاروخ، وقال: "نعلم بأن الأعداء غاضبون من هذه الإنجازات. لذا نقول لهم: موتوا بغيظكم، فهذه الإنجازات تُفرح أبناء الشعب الإيراني". وختم بأن الإيرانيين يصنعون الصواريخ "كي يحموا أنفسهم من أعدائهم، وكي لا يخطر في مخيلة الأعداء أو يفكروا في مهاجمة إيران".
لطالما عبرت "إسرائيل" عن خوفها من تعاظم قدرات إيران العسكرية والتكنولوجية، والتي تشكل عامل دعم لمحور المقاومة. ونقلت صحيفة "هآرتس"، عن مسؤولين إسرائيليين، قولهم إنّ "إيران يمكن أن تستخدم التكنولوجيا نفسها التي تستخدمها في الصواريخ في برنامجها الفضائي لصنع صواريخ بالستية تحمل رؤوساً حربية نووية، وهذا ما يشكل تهديداً حقيقياً في المنطقة".
والهاجس الأكبر لدى "إسرائيل" هو الاتفاق النووي، إذ تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية، مراراً، عن وجود مخاوف لدى الاحتلال الإسرائيلي من اتفاق نووي مرحلي بين إيران والغرب.
وبحسب مراسل الشؤون السياسية في قناة "كان"، ميخائيل شتاين، قال وزير الخارجية الإيراني، في نهاية الأسبوع، إنّ الاتصالات والحوار بين إيران والغرب "مستمرة طوال الوقت"، مضيفاً أنه "على خلفية هذا الكلام ومنشورات أخرى، فإن إسرائيل خائفة جداً من وجود تحرك نحو إمكان إبرام اتفاق نووي جديد".
وأشار شتاين إلى أنّ "الخشية الكبرى هي أنه نوع من اتفاق مرحلي، أي اتفاق يُبقي في حوزة إيران قدراتها النووية، ويثبت الإنتاج الحالي"، لافتاً إلى أنه "في مقابل ذلك، ترفع الولايات المتحدة جزءاً من العقوبات، وتتمكّن إيران من الازدهار الاقتصادي مرة أخرى أيضاً".
وقالت صحيفة "إسرائيل هيوم" الإسرائيلية إنّ "الاتفاق المتبلور بين الولايات المتحدة وطهران، بشأن الرقابة على تخصيب اليورانيوم، إلى جانب التقارير عن استمرار تخصيب اليورانيوم في إيران، وإغلاق الوكالة الدولية للطاقة النووية ملف مريفان، أمور تزيد في الاستنفار في إسرائيل"، وذلك لأنه هذا الاتفاق يستبعد المسائل الأخرى التي تهدد "إسرائيل"، وضمنها ترسانة إيران العسكرية.
وبدا التوتر الإسرائيلي واضحاً من خلال تكثيف المناشدات والزيارات الدولية. فالموقف الإسرائيلي يرفض قطعاً أي اتفاق، سواءٌ عبر العودة إلى الاتفاق القديم عام 2015، والذي تعطّل بسبب انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منه، أو حتى الاتفاق الموقت.
ترى "إسرائيل" نفسها معزولة بسبب موقفها تجاه الاتفاق النووي، فهي تحاول الإيحاء في أنها قادرة على استخدام القوة. وظل التطور الإيراني في هذا المجال مصدر إرباك للاحتلال الإسرائيلي، الذي ظل عاجزاً عن الحد من قدرات إيران بشأن الملف النووي، أو بشأن تطوير صواريخها.
والأمر يتجاوز المسألة الإسرائيلية فيما يخص الكشف عن الصواريخ الجديدة، ولا سيما مع التقارب الإيراني - السعودي، بحيث إن طهران تبعث برسائل بشأن قدرتها على حماية أمن الخليج بنفسها، إلى جانب دول المنطقة. وعبّرت عن ذلك من خلال إعلان قائد القوات البحرية للجيش الإيراني، الأدميرال شهرام إيراني، تشكيل تحالف بحري في الوقت القريب، بين إيران والإمارات وقطر والبحرين والعراق وباكستان والهند، وجميع دول شمالي المحيط الهندي تقريباً.
هذا التحالف، الذي رحبت به الصين، يُعَدّ مصدر قلق للولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي. وذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية إنه إذا ترسخ التقارب السعودي الإيراني، فقد يبشر ذلك بالخير لليمن ولبنان وسوريا، إلّا أنه يمكن أن يتسبب بكارثة لـ"إسرائيل".
رسائل إيران لم تكن إلى الولايات المتحدة ولـ"إسرائيل" فقط، بل هدفت أيضاً إلى إزاحة الستار عن الضعف الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة، من أجل طمأنة دولها، ولا سيما أن هناك رهانات بدأت تسقط بشأن قدرة الأمريكي على تشكيل مظلة حماية مزعومة.
ونتيجة ذلك، تنطلق إيران من أحقيتها في الدفاع عن نفسها أولاً، وأن تثبت أن دول الإقليم قادرة على حماية نفسها بنفسها، وتدبير شؤونها، بمعزل عن التدخل الخارجي ثانياً، وفي أولوية القضية الفلسطينية ومحور المقاومة في المواجهة والردع الثابت والأساسي ثالثاً.
المصدر: الميادين نت