لكن ندرة رفات الإنسان الذي عاش في مراحل مبكرة من التاريخ وتناثُره في مساحات جغرافية متباعدة في إفريقيا مثل إثيوبيا وجنوب إفريقيا جعلا من الصعب تكوين صورة كاملة عن كيفية نشوء الجنس البشري وانتشاره في أنحاء القارة قبل انتقاله لمختلف أرجاء العالم.
وتقدم دراسة جديدة، مستعينة ببيانات صحيفة المحتوى الوراثي (الجينوم) من سكان إفريقيا المعاصرين، لمحة عن الكيفية التي ربما يكون قد حدث بها هذا.
أشار البحث إلى أن عدة مجموعات من أسلاف البشر من أنحاء إفريقيا أسهمت في ظهور الإنسان المعاصر، إذ هاجرت من منطقة إلى أخرى لتختلط مع بعضها بعضا على مدى مئات آلاف الأعوام.
وخلص البحث أيضا إلى أن جميع البشر ممن هم على قيد الحياة حاليا يمكن إرجاع جذورهم إلى مجموعتين سكانيتين بعينهما كانتا تعيشان في إفريقيا قبل نحو مليون عام.
ولم تدعّم النتائج فرضية قائمة منذ زمن طويل تفيد بأن الإنسان المعاصر ظهر في منطقة واحدة في إفريقيا، ولم تدعّم أيضا سيناريو يفترض الاختلاط مع أحد الأنواع المجهولة وثيقة الصلة بالبشر داخل القارة.
“الماضي أكثر تعقيدا”
وقال آرون راجسديل عالم الوراثة السكانية بجامعة ويسكونسن-ماديسون “يشترك جميع البشر في سلالة حديثة نسبيا، لكن المسألة في الماضي السحيق أكثر تعقيدا من تطور جنسنا البشري في موقع واحد فحسب أو بشكل منفصل”. وراجسديل هو المعد الرئيسي للدراسة المنشورة الأسبوع الماضي في دورية (نيتشر) العلمية.
وأضاف راجسديل “من المرجح أن مجموعات الأسلاف انتشرت فوق رقعة جغرافية (شاسعة) وكانت تركيبتها السكانية “‘ضعيفة‘، مما يعني أنه كانت هناك هجرات دائمة أو متكررة على الأقل بين المجموعات، وهو ما حافظ على التماثل الوراثي لأسلافنا”.
وبسبب شح رفات أسلافنا، اتجه الباحثون إلى جمع بيانات الجينوم من أشخاص على قيد الحياة للعثور على أدلة عن الماضي. ففحصوا بيانات وراثية من 290 شخصا، أغلبهم من أربعة شعوب إفريقية تتنوع جغرافيا ووراثيا، لتتبع التشابهات والاختلافات بين المجموعات واكتشاف الروابط الوراثية على مدى مئات آلاف الأعوام.
واشتمل من أجريت عليهم الدراسة على 85 شخصا من مجموعة بغرب إفريقيا اسمها ميندي من دولة سيراليون، و44 من مجموعة ناما خوي-سان من جنوب القارة، و46 من جماعتي أمهرة وأورومو الإثيوبيتين، و23 من مجموعة غوموز من إثيوبيا أيضا. وفُحصت بيانات وراثية أيضا من 91 أوروبيا لتحديد الأثر الذي حدث في حقبة ما بعد الاستعمار، ومن إنسان نياندرتال، وهو نوع منقرض من البشر تركز وجوده في أوروبا حتى ما يقارب 40 ألف عام مضت.
وقال الباحثون إن سجل الرفات ضئيل في الفترة الزمنية التي من شأنها أن تحمل معلومات أكثر عن ظهور الإنسان المعاصر (هومو سابينس) وانتشاره، ولا يوجد حمض نووي قديم من بقايا هيكل عظمي أو أسنان من هذه الفترات الزمنية.