أثار قرار عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية مخاوف إسرائيلية وذلك لما يمثّله هذا القرار من خطورة على المخططات الإسرائيلية في المنطقة، خاصة بعد سقوط الرهان الإسرائيلي على الدول التي أعادت علاقتها بسوريا في الآونة الأخيرة.
تتعامل "إسرائيل" مع مجمل المتغيّرات الإقليمية والدولية المتسارعة بقلق شديد، وخاصةً أن هذه المتغيّرات تدفع نحو إخراج سوريا من تداعيات حرب فرضت عليها طوال سنوات مضت.
وسائل إعلام إسرائيلية استاءت من التقارب العربي وعودة سوريا إلى الجامعة العربية في هذا التوقيت المهم على المستوى الإقليمي. إذ تدرك "إسرائيل" بأن طبيعة الأدوار الإقليمية الكبرى، لكل من الدول التي تقاربت في الفترة الماضية وعززت علاقاتها بسوريا، ستكون على حساب الدور الوظيفي لها، ما يلقي بظلاله على مستقبل استمرارها.
وهذا ما عبّر عنه المراسل العسكري في "القناة الـ12"، نير دفوري، بقوله إنّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي جاء إلى سوريا من أجل تعزيز حلف طهران - دمشق - حزب الله، مضيفاً أن "تعزيز الجبهة في مقابل إسرائيل أمر غير جيد".
المشهد يبدو أوضح عند النظر إلى التصريحات الإسرائيلية والتعليقات الأخيرة، صحيفة "هآرتس" قالت: إن "عودة دمشق للحضن العربي لا تخدم مصالح إسرائيل، بل ستوحّد الجبهات ضدها".
عودة سوريا ليست لمصلحة "إسرائيل"
وسائل الإعلام الإسرائيلية تابعت عن كثب وبقلق شديد أيضاً الاجتماع الوزاري العربي وما نتج عنه من إجماع عربي بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، بعد 12 سنة من تعليق عضويتها في الجامعة ومحاولة بعض الأنظمة التابعة للولايات المتحدة الأميركية أن تعطي المقعد لقوى "المعارضة" السورية، هذا ما قاله المحلل السياسي المختصّ بالشأن الإسرائيلي أليف صباغ للميادين نت.
وتابع صباغ أن ردود الفعل والتعليقات الإسرائيلية مباشرة بعد قراءة بيان وزير الخارجية المصري سامح شكري والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، كانت تقول: "تطوّرات مقلقة من حولنا".
الإعلام الإسرائيلي تابع اجتماع وزراء الخارجية في عمان، وروّج للبيان الصادر عنه وكأن "عودة سوريا مشروطة بسلوكها المستقبلي بموجب مبدأ خطوة مقابل خطوة"، ووفقاً لصباغ، لكن بعد قرار أمس بعودة سوريا إلى مقعدها بدت خيبة الأمل الإسرائيلية واضحة حتى على وجوه المعلّقين السياسيين من هذه العودة.
سيما وأن وزير الخارجية المصري قال بصراحة ووضوح إنّ عودة سوريا الى مقعدها ليس مشروطاً بما يحدث لاحقاً من نشاطات لجنة المتابعة العربية التي شكّلت لتسوية الأوضاع في سوريا.
ويشير المعلقون الإسرائيليون أيضاً إلى مجمل التطورات التي حصلت في الشرق الأوسط (غرب آسيا) مؤخراً خاصة بين السعودية وإيران. وبحسب صباغ، فإن المعلقين يعتبرون أن عودة سوريا إلى مقعدها هي جزء من هذه التطورات وهي ليست في "صالح إسرائيل".
وأكّد المحلل أن المناهضين لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يعتبرون أن التطورات الأخيرة تشكّل فشلاً لحكومته، وأنها نتيجة حتمية لالتهاء نتنياهو في مخططاته لتغيير النظام في "إسرائيل" ومصالحه الشخصية وما نتج عنها من صراعات داخلية.
بينما، يزعم مؤيدو نتنياهو أن الأمر لم ينته بعد وأن الإدارة الأمريكية تعمل مع نتنياهو لتعطيل المصالحات العربية والعربية_الإيرانية بالاعتماد على "أصدقائهم" من الحكام العرب أو الإعلام الموالي لواشنطن. ووفقاً لصباغ، فإن مؤيدي نتنياهو يعتبرون أن رئيسهم يبذل جهداً لدى الولايات المتحدة لتحقيق التطبيع مع السعودية.
وأضاف صباغ: "كأن التطبيع مع إسرائيل هو الثمن المطلوب من السعودية مقابل السماح لها بالمصالحة مع إيران وسوريا. لكن نتنياهو في تقديري يريد من بايدن أن يقدّم له تطبيعاً مع السعودية مقابل التراجع عن مخطط الانقلاب على القضاء والنظام في إسرائيل".
ما يلفت النظر، بحسب صباغ، هو تعليق الصحافي الإسرائيلي روعي كيس، حين قال: "يخطئ من يعتقد أن عودة العلاقات العربية مع سوريا سيبعد إيران عن سوريا، لقد تابعنا زيارة رئيسي إلى دمشق ونتائجها وهذا يقول كل شيء".
إفشال للمخطط الأمريكي - الإسرائيلي
تعليقات إسرائيلية تشير إلى تأثير واضح على "إسرائيل" ومصالحها في المنطقة بعد عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية.
منذ البداية، كان المخطط الإسرائيلي ـ الأمريكي عزل سوريا عن محيطها العربي نظراً لمواقفها الداعمة للمقاومة، هذا ما قاله عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين الدكتور مهند الضاهر.
وأضاف الضاهر أن سوريا لا تزال أول الدول الرافضة للتطبيع ولصفقة القرن، فكان لا بدّ من إخراجها عن فاعليتها في القرار العربي. ووفقاً له فإن كل ما تصرّح به الدبلوماسية السورية هو عن عمل عربي مشترك وفاعل.
كذلك قال: "ربما يحصل حراك إعلامي عبر وسائل التواصل الاجتماعي ضد عودة سوريا لأن الصهاينة لا يتحمّلون ما قد يحصل خارج حدودهم وينعكس على البناء الاجتماعي الهشّ في داخل الكيان لأنهم يدركون أن ضربات المقاومة ستزداد، فها هي حركة حماس عادت لتصالح سوريا وحزب الله وكل المقاومة على ثبات الموقف".
وفيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي المتكرّر على سوريا بعد عودتها، أشار الضاهر إلى أن الاعتداء الإسرائيلي على الأراضي السورية لن يتوقّف، إلا عندما يكون هناك قرار حاسم بالرد، وهذا القرار مرهون ربما بمنظومة الدفاع الجوي التي قد تحصل عليها سوريا من إيران. ولفت إلى أن سوريا الآن منشغلة بحربها في الداخل وباقتصادها المنهك من العقوبات، لذلك لا ترد بالشكل المباشر.
الهدف من وراء الاعتداء الإسرائيلي على سوريا، ضربات لا تؤدي إلى مواجهة كبرى ولكن تستثمر إعلامياً ضدها، وفي هذا الصدد أضاف: "لكننا الآن قد نرى إدانات لهذا الكيان وقد نرى نشاطاً إعلامياً لصالح سوريا من قبل الذين كانوا يشمتون عندما تتعرض سوريا لاعتداء".
كان هدف الاحتلال الإسرائيلي، بحسب الضاهر، هو تفتيت المنطقة إلى دويلات وكيانات متناحرة عرقياً وطائفياً وسياسياً، وتحويل كل هذه الدول إلى تابع يدور في فلك التبعية الإسرائيلية ـ الأميركية، وإن صمود سوريا إلى اللحظة التي اكتشف فيها العرب صوابية السياسة السورية واتخاذهم القرار بعودتها إلى مقعدها هو خير دليل على بداية فشل هذا المخطط للمنطقة.
ومما لا شك فيه، أنّ عودة سوريا إلى الجامعة العربية تشكّل ضربة قاصمة لـ "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية، ولمخططهما في المنطقة، القائم على تقسيمها وعزل سوريا، وتشكّل هذه العودة انتصاراً جديداً لسوريا التي نجحت في إجهاض المؤامرة الكبرى التي حكيت ضدها، واستمرّت لأكثر من 12 عاماً. كما تمثّل انحساراً واضحاً للنفوذ الأمريكي في المنطقة، باعتراف الإعلام الأمريكي، وهذا من شأنه أن ينعكس سلباً على تل أبيب.