لأنَّه من أفضل فرص الشَّيطان أن ينفذ إليك، فيضخِّم لك إحسانك وصفاتك، حتى تتحوَّل إلى إنسانٍ لا يعمل على أن يركِّز الازدياد في نفسه.
ثم يقول الإمام عليّ (ع): "لا جهلَ أضرُّ من العُجب" ، لأنَّك عندما تعجب بنفسك وتراها في موقع الكمال، فإنَّ معنى ذلك أنَّك تجهل نقاط الضّعف فيها. ويقول: "ثمرة العجب البغضاء"، لأنّك تبغض الناس من خلال عجـبك، لأنَّك ترى أنهم لا يعظّمونك، بل يكرهونك لأنّك تتعالى عليهم.
وقد جاء في كتاب "الكافي" عن الإمام الصَّادق (ع): "إنَّ عيسى بن مريم (ع) كان من شرائعه السَّيح في البلاد، فخرج في بعض سيحه ومعه رجل من أصحابه قصير... فلمّا انتهى عيسى (ع) إلى البحر، قال: (بسم الله)، بصحة يقين منه، فمشى على ظهـر الماء، فقال الرّجل القصير حين نظر إلى عيسى (ع) جازه: (بسم الله)، بصحّة يقين منه، فمشـى على الماء ولحق بعيسى (ع)، فدخله العجب بنفسه... - يعني التفت إلى أنّه كما مشى عيسى على الماء وأعطاه الله هذه الكرامة، فإنَّه أيضاً قد مشى على الماء وحصل على هذه الكرامة - فرمس في الماء، فاستغاث بعيسى فتناوله" ، لأنَّ الله سلبه الكرامة عندما سلب من نفسـه التّقوى، وعندما لم يتواضع لله ولعيسى، فإذا أعطاك الله كرامةً، فلا بدَّ من أن تبقى متواضعاً لله الّذي خلقك.
وفي الحديث عن الإمام عليّ (ع) أنّه قال: "عجب المرء بنفسه، أحد حسَّاد عقله" ، لأنَّ الحسود يدمِّر نفسه، فإذا أُعجبتَ بنفسك، فإنَّ هذا الإعجاب سوف يدمِّرك ويدمِّر عقلك. وفي حديثٍ آخر: "رضاك عن نفسك دليلٌ على فساد عقلك" ، فإذا رضيت عن نفسك، ولم تتَّهمها، ولم تحاول أن تنقدها وأن تكتشف نقاط ضعفها، فإنَّ معنى ذلك أنَّ عقلك ليس عقلاً صحيحاً، لأنَّه لم يوجِّهك إلى أن تكتشف نقاط ضعفك.
وهكذا يقول (ع): "اتَّهموا عقولكم، فإنّه من الثّقة بها يكـون الخطاء" ، فلا تثق بعقلك مائةً في المائة، بأن تعتبر أنّك توزّع عقولاً على النّاس - كما يقول بعض النّاس - فإنَّ معنى ذلك أن يكثر خطؤك، وقيمة العقل أن يحاسب كلّ فكرة طارئة تتَّجه إليك...
ومن سلبيّات الإعجاب بالنّفس، أنّه - وكما يقول الإمام عليّ (ع) - "يمنع من الازدياد" ، و"صارف عن طلب العلم" ...
أيّها الأحبّة، هذا هو الخلق الَّذي لا يريدنا الله أن نتخلَّق به، لأنّه الخلق الذي يهدم للإنسان عقله، ويفسد له حياته، ويبعده عن إخلاصه لربّه، ويحوّله إلى إنسانٍ يعيش بعيداً من النّاس، لأنّه يشعر في نفسه بأنَّ هناك مساحةً كبرى تفصله عن النّاس.
وبعض الناس يتصوَّرون أنهم يملكون الحقَّ كلَّه، ولذلك، فإنَّهم يعتبرون أنفسهم ميزاناً للحقّ وللدّين، فهم الدّين وهم الحقّ والمذهب والسياسة والاجتماع، فإذا خالفهم أحد في نظريَّة سياسيَّة، قالوا هذا إنسان متخلِّف سياسيّاً، وإذا خالفهم أحد في فهم معيَّن للدّين أو للمذهب، قالوا هذا إنسان مخالف للدّين وللمذهب، لأنّه مخالف لهم، وإذا خالفهم إنسان في رأيٍ اجتماعيّ، قالوا هذا ضدّ المجتمع وضدّ توازنه.
لنحذر من الإعجاب بأنفسنا، وذلك بأن ندرس نقاط ضعفنا، لأنَّ قضيَّة الإنسان أنّه يتحرّك مع النّاس في الحياة بأخلاقه وبنقاط قوّته، ويُحشر الإنسان بأخلاقه يوم القيامة، فأخلاقك تقودك إلى الجنّة أو إلى النّار. لذلك، فلنعمل على أن نعيش حياتنا من أجل أن نجلس مع أنفسنا لنحاسبها ولنحاكمها، ولنكتشف نقاط ضعفها ولنجاهدها، أكثر مما نجلس مع النّاس، لأنَّنا إذا عرفنا أنفسنا عرفنا ربَّنا، وعرفنا خطَّ الاستقامة في ذلك كلِّه.
السيد محمد حسين فضل الله
-------------------------
1-نهج البلاغة، ج3، ص 108.
2-ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج3، ص 1814.
3-بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج14، ص 255.
4-ميزان الحكمة، ج3، ص 2053.
5-ميزان الحكمة، ج3، ص 1816.
6-ميزان الحكمة، ج2، ص 1024.
7-شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 18، ص 391.
8-بحار الأنوار، ج75، ص 369.