إن مفهوم العيد من وجهة نظر الإسلام معناه انتصار الإنسان على نفسه من خلال أدائه لواجباته، ولذلك يكون العيد بعد القيام بالعبادة، والفرح إنّما يكون بهذا الانتصار، قال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّه﴾([2])، لأنّ الانتصار كما يكون في ساحات الجهاد الأصغر يكون كذلك في ساحات الجهاد الأكبر.
وكان أصحاب رسول الله يودّعون شهر رمضان بالبكاء كمن يفقد عزيزاً، وذلك لانتهاء مهلة مضاعفة الأجر والثواب، هذه المهلة التي كانت فرصة لتهذيب النفس ولجم شهواتها والانتصار على غرائزها.
ولمّا كان العيد شعيرة دينيّة من شعائر الله تعالى لزم إبراز هذه الشعيرة بكلّ المظاهر الدينيّة من الصلاة جماعة والتكبير والتهليل والتحميد وقراءة الأدعية المستحبّة، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “زيّنوا العيدين بالتهليل والتكبير والتحميد والتقديس”([3]).
ولا بدّ بعد العبادة الطويلة التي قمنا بها في هذا الشهر وما تركت من أثرٍ على النفوس والقلوب من تجلّي هذه الآثار على عدّة مستويات أهمّها:
1ـ على المستوى الفرديّ:
أن يكون العيد يوم معاهدة يعاهد الإنسان ربّه على أن يبدأ صفحة جديدة من السلوك والعمل الخالي من الذنوب، وأن لا يرجع إلى غيّ أو ضلالةٍ أو انحرافٍ أو ظلم ٍ أو أي سيئةٍ تبعده عن رضا الله تعالى، وهذا هو العيد الحقيقيّ كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: “كلّ يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد”([4]).
2ـ على المستوى الأسريّ:
ينبغي أن تتجلّى صلة الرحم وزيارة الأقارب في هذا اليوم لا سيّما الوالدين والاهتمام بالزوجة والأولاد، ونحرص على توطيد العلاقات داخل الأسرة، فعن الإمام الباقر عليه السلام: “تزاوروا في بيوتكم فإنّ ذلك حياة لأمرنا، رحم الله عبداً أحيا أمرنا”([5]).
كما يستحبّ الاهتمام بالتزيّن في اللباس والمظهر وإدخال السرور والفرح على نفوس الأولاد والأطفال حتى يقترن العيد في نفوسهم بهذه المعاني، ويحرص على تقديم التهاني والتبريكات وتقبيل الأطفال وتقديم الهدايا والقيام بكلّ ما من شأنه أن يشيع جو الإلفة والمودّة والوئام.
3ـ على المستوى الاجتماعيّ:
أهمّ ما يجب المبادرة إليه هو نبذ الخلافات وإشاعة روح المودّة والتسامح والتصالح، فلا ينبغي أن يبقى متخاصمَين، ولا نترك قطيعة أو بغضاء بين المؤمنين إلاّ ونعمد على إزالتها يوم العيد.
كما ينبغي الرأفة بالفقراء والمحتاجين الذين لا يقدرون على توفير الحاجات الماديّة المطلوبة ومساعدتهم ليشاركوا إخوانهم بهذا الفرح، فقد ورد عن أبي عبد الله عليه السلام: “من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كرب الآخرة وخرج من قبره وهو ثلج الفؤاد”([6]).
ولا بدّ من عيادة المرضى ومواساتهم لا سيّما الجرحى، وزيارة أهل القبور لا سيّما قبور الشهداء.
كما لا ننسى الدعاء للمجاهدين المرابطين على الثغور حفظاً لكرامة الأمّة وعزّتها، الذين يمضون يوم العيد مع بنادقهم وفي متاريسهم.
زاد المبلغ في شهر الله
جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
--------------------------------------
([1]) وسائل الشيعة، ج15، ص308.
([2]) الروم 3.
([3]) ميزان الحكمة، الريشهري، ج3، ص2198.
([4]) نهج البلاغة، ج4، ص100.
([5]) الخصال، الشيخ الصدوق، ص22.
([6]) الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص199.