لأن الإنسان الذي يصبر يستطيع أن يتماسك أمام الشدائد، ويتوازن أمام التحدّيات، ويستطيع أن يضغط على شهواته عندما تدعوه إلى الحرام، ويستطيع أن ينظِّم غرائزه لتتحرّك في خطّ رضا الله، ويستطيع أن يقف بقوَّة أمام المصائب حتى لا ينكسر، وقد ورد في القرآن الكريم: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}(لقمان: 17).
فالصبر يمثّل موقع قوَّة ولا يمثل موقع ضعف، لأنه يمثل الانتصار على كلِّ عناصر الضعف في شخصيَّة الإنسان. وقد روي عن الإمام الباقر (ع): «كلّ أعمال البرّ بالصَّبر يرحمك الله» .
«واليقين»، لأنَّ الإنسان الذي يعيش اليقين - بما يمثِّله اليقين من الوضوح في كلِّ الأمور - في ما يعتقد، وفي ما يتحرّك، هو إنسان مؤمن بلغ درجةً عالية من الإيمان، لأنّه لا معنى لأن يكون الإنسان مؤمناً إذا لم يكن على يقين مما يلتزمه في عقيدته الإيمانيَّة، وفي خطِّه الإيماني. وبتعبير آخر، هو إنسان ينطلق من خلال الانفتاح على الحقيقة انفتاحاً كاملاً.
«والعدل» الذي هو أساس حركة الإيمان في نفس المؤمن، وفي سلوكه، وفي كلّ حياته، لأن الله أقام الرسالات كلّها على أساس العدل.
«والجهاد» ، لأنَّ الإنسان المؤمن هو الَّذي يعيش الجهاد مع ذاته، فيجاهد نفسه، وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}(العنكبوت: 69)، والجهاد في مواجهة أعداء الله وأعداء الإنسانيَّة الذين يعملون على إسقاط الإنسان في كلّ قيمه وفي كلّ أوضاعه.
وعن رسول الله (ص): «الإيمان في عشرة: المعرفة»، فمن لا معرفة له، لا يستطيع أن يعي آفاق الإيمان وخطوطه وحركته في حياة النَّاس، لأنّ المعرفة هي التي تضيء للإنسان فكره، وتضيء له طريقه، والتزاماته، ومعاملاته وعلاقاته. إنَّ المعرفة هي الضَّوء الذي ينير الإنسان في كلّ عناصر شخصيَّته، ليتحرك على أساس الضّوء لا على أساس الظلمة، والجهل ظلمة فكرية وروحيّة وعمليّة.
«والطاعة»، فالمؤمن هو الذي يطيع الله في كلِّ ما أمره به، وفي كل ما نهاه عنه.
«والعلم» في ما ينفتح به الإنسان على مفرداته، في اكتشاف أسرار الكون في خلق الله سبحانه وتعالى، وكلّ ما أفاض الله به على الناس مما ينظم أمورهم. والعلم، في كلّ مجالاته، هو الذي يكشف للإنسان كلَّ ما يحتاجه في الحياة، مما ينظم أمره، ومما يصلح حياته.
«والعمل»، لأنه لا قيمة للعلم من دون عمل، فالعمل هو الذي يجعل من العلم تجسيداً حيَّاً في الواقع كلِّه.
«والورع» عن محارم الله سبحانه وتعالى، فمن لا ورع له لا إيمان له، لأنَّ الإيمان بالله يجعلك تخافه، ويجعلك تحبّه، ويجعلك ترجوه، فيدفعك ذلك إلى الورع عن محارمه، والَّذي يمتدّ إلى مواقع الشّبهة في الوقوف عندها احتياطاً للدقّة في المسؤوليّة.
«والاجتهاد» في تنمية طاقاتك وطاعة ربّك.
«والصبر» وقد مرّ الحديث عنه، «واليقين» بما يعنيه من الوضوح.
« والرضا والتسليم»، بقضاء الله. أمّا التسليم، فهو من أسس الإيمان، لأنّ التسليم لله هو عمق الإسلام وامتداداته، وقد قال تعالى حكايةً عن إبراهيم (ع): {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}(البقرة: 131)، وقد يوضح ذلك قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}(الأنعام: 162-163).
«فأيها فقد صاحبه بطل نظامه» ، يعني أنّه لا بدَّ من أن تجتمع له كلّ هذه الأمور العشرة لكي تكتمل عناصر الإيمان، وإلا فإنَّه إذا فقد واحدةً منها، يكون فقد انتظامه وتوازنه.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 16.
السيد محمد حسين فضل الله