في ضوء التباينات الصارخة بين الجانبين يستعد مسرح الذكاء الاصطناعى لاستضافة جزء من معركة الهيمنة المستعرة بين الصين والولايات المتحدة. فيما كانت القيود التي فرضتها إدارة بايدن في أكتوبر/تشرين الأول الماضي على تصدير رقائق أشباه الموصلات المتقدمة إلى الصين، والتي تهدف جزئياً إلى شل قدرات الذكاء الاصطناعي في الصين، بمثابة طلقة البداية “الرسمية” لبدء هذه المنافسة.
ومنذ أن استحوذ روبوت ChatGPT المدعوم من Microsoft وقطب التكنولوجيا إيلون ماسك على عالم التكنولوجيا بعد وصول عدد مستخدميه إلى أكثر من 100 مليون خلال شهرين فقط سارع عمالقة التكنولوجيا الصينيون، بما في ذلك Tencent وAlibaba وBaidu، إلى الكشف عن خططهم الخاصة لتطوير خدمات محلية شبيهة بـChatGPT.
وتأتي المنافسة في وقت تجتهد به الصين لتحقيق الأهداف التي حددت طموحاتها بخطة 2017 التي سعت من خلالها لجعل البلاد “مركزاً عالمياً للابتكار” بمجال الذكاء الاصطناعي بحلول 2030، وفق صحيفة فورين بوليسي.
روبوتات الذكاء الاصطناعي
تمتلك روبوتات الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسها ChatGPT الذي أُطلق في نهاية فبراير/تشرين الثاني بواسطة شركة أبحاث الذكاء الاصطناعي Open AI ومقرها الولايات المتحدة، القدرة على محاكاة الاستجابات الشبيهة بالإنسان للمطالبات بالمحتوى الذي يجري إنشاؤه عبر الذكاء الاصطناعي، ومساعدة الأشخاص بمهام ككتابة مقالات ونصوص وشعر وصياغة مقترحات الأعمال والتحقق من أخطاء أكواد البرمجة من خلال الاستفادة من خوارزميات التعلم الآلي.
وبينما لا يزال ChatGPT، بجانب الروبوتات الأخرى التي تستعد دخول الساحة قريباً، لاعباً جديداً نسبياً في سوق محركات البحث، يحتمل أن يصبح منافساً حقيقياً لمحركات البحث التقليدية مثل غوغل وغيرها.
ويقول الخبراء إن المحتوى الذي يجري إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي والتقنيات المرتبطة به من المرجح أن تصبح محركاً جديداً يقود الابتكار في إنتاج المحتوى ويحرر المبدعين البشريين من المهام الشاقة، مما يمكنهم من التركيز على التفكير الإبداعي، مع إمكانات تطبيق هائلة بمجموعة واسعة من المجالات مثل الثقافة والإعلام والترفيه والتعليم.
منافسة محتدمة
بعد حظر استخدام ChatGPT من السلطات الصينية وسط قلق متزايد في بكين بشأن الردود غير الخاضعة للرقابة على استفسارات المستخدمين، كثفت شركات التكنولوجيا الصينية جهودها لدخول قطاع المحتوى سريع النمو الناتج عن الذكاء الاصطناعي وطرح روبوتات محادثة مدعومة بالذكاء الاصطناعي على غرار ChatGPT.
وبينما قالت شركة Baidu، صاحبة أكبر محرك البحث الرائد في الصين، إنها تخطط لطرح Ernie Bot في مارس/آذار الجاري، أعلنت شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة الأخرى، مثل Alibaba وJD.com عن روبوتات دردشة خاصة بها ستعمل على إطلاقها للمستخدمين قريباً.
من جانبه أشار سام هاول الباحث في التكنولوجيا والأمن القومي في مركز الأمن الأمريكي الجديد، إلى أنه على عكس الصراع على الهيمنة العالمية للتقنيات المتقدمة الأخرى، مثل شبكات الهاتف المحمول 5G، يوجد ما هو أكثر عرضة للخطر من الريادة في التقنيات التي يمكنها كتابة نصوص ذكية عند الطلب.
وأضاف هاول قائلاً: “المنافسة على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الناشئة على نطاق واسع تحمل عواقب تتجاوز المجال الرقمي. إن الدولة التي تقود الذكاء الاصطناعي ستجني فوائد اقتصادية كبيرة وستكسب أيضاً ميزة الأمن القومي.
الصين متفوقة كماً ونوعاً
تظهر الدراسات الحديثة أن الصين قد أصبحت البطل بلا منازع في أوراق أبحاث الذكاء الاصطناعي بعد تجاوزها الولايات المتحدة في كل من الكمية والجودة.
بالنظر إلى الكمية انفجر عدد أوراق أبحاث الذكاء الاصطناعى نحو 25000 منذ عام 2012 إلى 135000 عام 2021 على المستوى العالمي، فيما وقفت الصين باستمرار فوق الكومة من حيث حجم الأوراق، كما أظهرت الدراسة. عام 2021 وحده أنتجت 43000 ورقة -ما يقرب من ضعف ما أنتجته الولايات المتحدة.
ولتقييم الجودة فحصت الدراسة جودة البحث عبر عدد الأوراق التي كانت بأعلى 10% من الاستشهادات من قبل الأوراق الأخرى. عام 2012 قادت الولايات المتحدة 629 من هذه الأوراق الأكثر استشهاداً، فيما حلت الصين في المركز الثاني بواقع 425 ورقة بحثية.
في السنوات التالية حققت الصين تقدماً كبيراً وتفوقت في النهاية على الولايات المتحدة عام 2019. وعام 2021 امتلكت الصين 7401 من أكثر الأوراق استشهدهاً، ما يزيد 70% على ما أنتجته الولايات المتحدة خلال الفترة ذاتها.
وعلى مدار السنوات العشر الماضية سيطر عمالقة التكنولوجيا الأمريكية على تصنيفات أبحاث الذكاء الاصطناعي، مع وجود شركات Google Parent Alphabet وMicrosoft وIBM كالمنتجين الثلاثة الكبار. وبينما كانت 6 شركات أمريكية في المراكز العشرة الأولى بالأبحاث الأكثر استشهاداً عام 2021، استحوذت 4 شركات صينية هي Tencent وAlibaba وHuawei وState Grid Corp على المراكز الأربعة المتبقية.