وفي فترة من الفترات بادر جميع الزعماء الغربيون الى جعل احداث الشغب في ايران، قضيتهم الأولى ونسوا أزمة اوكرانيا ومعاناة الشعوب الاوروبية في البرد القارس وقحط المواد الغذائية (في بريطانيا اضطروا لأكل طعام الحيوانات) وازمة المواد الغذائية في العالم والمواجهة مع روسيا والصين و...، فكانت المواقف تصدر يوميا في واشنطن وباريس وبرلين ولندن وبروكسل وعلى منصة الامم المتحدة في نيويورك، وكأن هناك ثورة في ايران ستغير مصير البشرية !! والغرب يندب ويلطم دفاعا عن مثيري الشغب في ايران لأن قضيتهم باتت اكبر قضية على الساحة العالمية.
استغل الغربيون الزخم الذي اوجدوه في هذه الحرب النفسية الشرسة لاخراج ايران من لجنة المرأة التابعة للأمم المتحدة ومن ثم بادروا الى تنفيذ خطوات مماثلة وظنوا بأن هذه الزوبعات في الفناجين قادرة على النيل من ايران التي ادمعت عيونهم منذ 4 عقود حين اخرجت غرب اسيا من مخالبهم وكسرت هيبتهم وذلت قواتهم واساطيلهم في هذه المنطقة وجعلت ربيبتهم "اسرائيل الغاصبة لفلسطين" تحت مطرقة محور المقاومة ورحمة صواريخها.
بتعال وتكبر تحدث الاميركيون عن موت الاتفاق النووي وقالوا بان شغلهم الشاغل هو احداث الشغب في ايران وليس غيرها، ومضمض الاوروبيون ما بصقه الاميركيون ايضا، وباتت السفارات الاوروبية في طهران محطات لتغذية احداث الشغب.
وبسبب عدة طائرات مسيرة باعتها ايران لروسيا قبل الحرب الاوكرانية، بات حلف الناتو الطويل والعريض يصرخ من هزيمة وفشل وعجز امام روسيا في اوكرانيا، وجعل الغرب نفسه وجيوشه وتكنولوجيته واسلحته محط سخرية بذلك، فقط من اجل ممارسة مزيد من الضغط الدبلوماسي والاعلامي على ايران، لفرض العزلة عليها، حسب زعمهم.
لكن ايران في المقابل زادت نشاطاتها الدبلوماسية وافشلت الحملة الدبلوماسية الغربية بالتزامن مع اخماد احداث الشغب بحكمة ودراية، ففي الامم المتحدة وقف المناوئون لاميركا معها، وفي اميركا عاد المسؤولون الاميركيون ليتحدثوا عن بقاء نافذة الدبلوماسية مفتوحة، والاوروبيين اجتمع مسؤول سياسة خارجيتهم جوزيب بوريل ووزيرة الخارجية الفرنسية مع وزير الخارجية الايراني حسين امير عبداللهيان في مؤتمر بغداد 2 في العاصمة الاردنية، وشاركت ايران في ذلك الاجتماع في عمّان كدولة محورية لا غنى عن دورها، وتحدث الرئيس الفرنسي بأن حل ازمات المنطقة غير ممكن من دون ايران.
وبعد القمة الصينية مع دول الخليج الفارسي والتي تخللت بعض المواقف الغريبة، ارسل الصينيون وفدا يضم 70 مسؤولا برئاسة نائب رئيس الحكومة الصينية ليصححوا موقفهم وليؤكدوا على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية للاعوام الـ 25 القادمة، وروسيا ايضا زادت من ارسال الوفود الاقتصادية الى ايران لتسريع عملية التعاون الاقتصادي الوثيق وتفعيل ممر شمال – جنوب.
اما الدول العربية، فقط تحدثت السعودية عن رغبتها وارادتها في مواصلة الحوار والمفاوضات مع ايران فيما صدر موقف مماثل ايضا من مصر تجاه ايران بعد عرض الوساطة العراقية التي تحدث عنها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني. والعلاقات مع قطر وعمان ايضا تتطور يوما بعد يوم وهذان البلدان يلعبان دورا نشطا في الوساطة بين ايران والغرب في عدة مجالات نووية وغير نووية، والعراق ايضا استجاب لمطلب ايران بان تضبط قواته الحدود بين البلدين لمنع استخدام اراضي البلدين من قبل الجماعات المسلحة ضد الآخر.
وفي آسيا الوسطى أكدت كازاخستان ودول اخرى عزمهم على تفعيل التجارة والتبادل مع ايران والاستفادة من موقعها الجغرافي الفريد للمواصلات، وزار عدد من المسؤولين الايرانيين في الآونة الاخيرة عددا من الدول الافريقية.
ايران المنضمة الى منظمة شانغهاي تخطط ايضا لعضوية كاملة في مجموعة بريكس، وعلاقاتها الاقتصادية تنمو بسرعة كبيرة وحتى يوم امس تحدث مسؤول ايراني عن ان دولا في الاتحاد الاوروبي تفاوض لشراء منتجات الصلب والفولاذ من ايران، وهذا ذروة الفشل للحظر الغربي الاميركي الاقتصادي على ايران.
لقد استطاعت طهران الحاق الهزيمة بالغرب في فصل آخر من فصول المواجهة وما على الغربيين الا ان يراجعوا مواقفهم ويتراجعوا، وان لم يفعلوا فهم على موعد مع المزيد من الفشل والخيبات.