هذه الهويات الفرعية الثلاث هي مكونات ما يزعم أنه هوية وطنية سعودية.
الهوية الأولى:
الهوية السعودية، وهي تعني تحديداً نسبة الشعب إلى العائلة المالكة، التي منحته هويتها واسمها، وهذه الهوية تربط "المواطن" بالعائلة المالكة قبل أن تربطه بالانتماء إلى أرض أو إقليم مشترك بين السكان.
أزمة هذه الهوية أنها تفتقد للمضمون الثاقفي، إذ لا يكفي خضوع المواطنين إلى نظام سياسي واحد، أو إلى عائلة مالكة احتلت الدولة لتشكيل هوية وطنية، سيما أن النظام السعودي يطرح الانتماء إليه قبل الانتماء لأي دولة.
وأكد الحسن، أن الخواء الداخلي للهوية السعودية، ملأته الهويتان (الوهابية إلى وقت غير بعيد، والنجدية). في محتوى يؤكد الثقافة الجزئية والانحياز المناطقي.
الهوية الثانية:
الهوية الوهابية، وهي سعت أن تسود نجد أولاً، ومن ثم الانطلاق إلى باقي المناطق، وباعتبارها هوية"دينية" تعتمد على تعاليم محمد عبد الوهاب، ورغم أنها لها ارتباطا محليا قويا بحكم المنشأ والجذور والقيادة، إلا أنها تعتقد بضرورة سموّها على كل الهويات الأخرى، كما الانتماءات المذهبية والقبلية وغيرها.
إن الوهابية كأيديولوجية نجدية، شرعنت احتلال نجد للمناطق الأخرى، ثم شرعنت تهميش تلك المناطق والاستيلاء الكامل على السلطة واحتكارها، كما شرعنت بقاء حكم آل سعود مهما فعلوا، وحرمة الخروج عليهم، وتبرير كل أفعالهم.
الهوية الثالثة:
الهوية النجدية، التي تشير إلى منطقة محددة، وإلى ثقافة محددة، وإلى مجموعة سكانية محددة.
وهذه الهوية، وفقا للدكتور حمزة الحسن، أعم من نظيرتيها، باعتبارها تمتلك مخزونا ثقافيا، وترى أن كل ما يضعه النظام السعودي ضمن خانة الإنجازات يعود لها سواء من قيام"الدولة" والاستفراد بالمغانم.
الهوية القائمة حالياً:
هي هوية نجدية بامتياز. بل ان ما يقال من أن هناك هوية سعودية، لا تعدو أن تكون في جوهرها وعناصرها الثقافية (هوية نجدية). وحتى الوهابية كمكوّن ثقافي أساسي للهوية النجدية/ المسعودة، لم يتم رفضها حتى من ملحدي نجد، كونها عامل ثقافي مهم في وحدة الوسط النجدي. مشكلة هؤلاء في قضية الالتزام بها كسلوك، وليس باعتبارها هوية جامعة لنجد، تساعد على تمييزهم ورفعهم دون بقية المواطنين غير المنتمين اليها.
بناء على تلك الهوية، اصبح المواطنون المسعودون أقساماً: مواطنو درجة أولى، وثانية، وثالثة، وغيرها. او بتعبيرهم حسب كود الهاتف: (01 لنجد، 02 للحجاز، 03 للأحساء والقطيف، الى ان تصل الى 07 للجنوب).
وقد لعب الملوك السعوديون ـ خاصة فهد المشهور بتحلله ـ على زيادة السيطرة النجدية، فانتهج سياسة اكثر تطرفاً في (نجدنة) و(وَهْبَنةْ) الدولة، بقناعة راسخة من أن نجد المسيطرة تستدعي أمرين مرتبطين بشرعية الحكم داخل الوسط النجدي بالذات، وهما: الإلتصاق بالوهابية كأيديولوجيا موحدة للوسط النجدي؛ والحفاظ على وحدة العائلة النجدية المالكة التي فضلت الاحتباس في انتماءاتها النجدية.
لهذا لم يكن بالإمكان طيلة التاريخ السعودي، ان تنمو ثقافة وطنية، او هوية وطنية.
ولهذا لم يكن ايضا بالإمكان استنبات مفاهيم المواطنة والمساواة وقبول التعددية.
فهذا يعني عملياً: القضاء على الإستئثار النجدي المطلق بالحكم ومتعلقاته في كل المجالات، بما يعنيه من تخلٍّ عن معظم السلطة والمواقع القيادية لصالح الأكثرية المُسعودة والمهمشة في المناطق الأخرى. ولهذا السبب ايضا، أصبحت السعودية اكثر من أية دولة شرق أوسطية أخرى، عرضة للتقسيم، ليس فقط لكونها كيانا سياسيا حديث عهد، وإنما أيضاً لأن الإنشقاقات الاجتماعية والمناطقية وغيرها حادّة جداً، وسبب حدّيتها انها استخدمت ـ نجدياً ـ كمبرر لاحتكار السلطة.
حيث يقوم التهميش على مبررات: هذا صوفي او شيعي او حجازي او من تلك القبيلة او المنطقة غير المرضي عنها.
واستُخدمت الأيديولوجيا الوهابية النجدية (تسمّى الوهابية بالدعوة النجدية) في شق النسيج الاجتماعي اكثر فأكثر، كونها الأداة الأكثر جاهزية والأشد تأثيراً في تبرير الاحتكار تحت مسميات: كيف نجعل المسلمين كالمجرمين؟! كيف يكون الصوفي والشيعي والإسماعيلي المشرك مسؤولا في هذا الجهاز أو ذاك؟.
ما هو سائد الآن، وفقا للدكتور الحسن، لا علاقة له بهوية وطنية لا من قريب أو بعيد، إلا من الزاوية السلبية.
من يمسك بزمام السلطة معروف، ولا نحتاج إلى أرقام أو أسماء، بل صار إعلان ذلك أمرا اعتياديا، كما قال أحد المسؤولين، "الأمير" سلطان: (نحن نفخر بأن أكثر موظفي الدولة هم من القصيم)، وكذلك الجيش والحرس الوطني، والجهاز المالي، ومجلس الشورى، ومجالس المناطق وأمرائها، والمذهب الرسمي، والثقافة والإعلام..السيطرة في كل هذا تشير إلى هوية مناطقية محددة، وعلى حد تعبير غسان سلامة (كل واحد يعرف أن السلطة الحالية هي بشكل أساسي سلطة نجدية).
حيّ المسورة شاهد على اضطهاد الشيعة
في العام 2017، شهد حي المسورة التاريخي في العوامية حملة عسكرية عنيفة، حيث وظف النظام السعودي حادثة اغتيال الجيراني.
وادعت قوات النظام أن حملتها تهدف لـ"تحييد" من وصفتهم بـ"الإرهابيين: من الحي والبدء في "تطويره".
كابد الآلاف من أهالي العوامية آلام التهجير والنزوح والابتعاد عن منازلهم وممتلكاتهم، إثر تهجيرهم قسرا من مختلف أحياء البلدة بفعل التصعيد العسكري الذي مارسته قوات الطوارئ وقوات الأمن الخاص عبر القصف المدفعي والقذائف الحارقة ورشق الرصاص الحي بشكل عشوائي، ما دفع الأهالي للفرار من بيوتهم، والنزوح الى مناطق مجاورة.
يذكر أن عمليات الهدم والتجريف لم تقتصر على العقارات المشمولة بقرار السلطات السعودية لهدم حي المسورة التاريخي الذي حولته الآليات العسكرية وآليات الهدم الى أرض ممسوحة، لا عقار قائم فيها، وتوسّعت دائرة عمليات الهدم لتطال عدة منازل وسط البلدة وعلى أطرافها.
وهذه الأملاك غير مشمولة بقرار التعويضات الذي أعلن عنه النظام الحاكم من أجل تبرير الهجوم على البلدة.
وشنّت السلطات حملة تدمير واسعة شرق العوامية، شملت تجريف مزارع ومحلات تجارية وورش ومستودعات أيضاً، وقد تمددت حملات الهدم والاستهداف إلى مزراع وبساتين النخيل الواقعة بين حي "الزارة" والطريق الزراعي المؤدي إلى حي الناصرة السكني، كما استطالت العمليات التدميرية حتى وصلت الى منطقة الرامس، حيث تم تدمير عدد من المزارع والاستراحات.
على الضفة المقابلة، جرى تداول المئات من الصور ومقاطع الفيديو مذيلة بعبارات طائفية استفزازية تُعلن تحرير حي المسورة وتظهر الحال وكأنها غزوة جهادية ضد بلد معادي.
عناصر القوات السعودية خطوا عشرات العبارات الطائفية على جدران منازل الحي الشيعي الذي تم تدمير أجزاء كبرى منه بالقذائف والرصاص طوال 3 أشهر، وراحوا يلتقطون مئات الصور الاستعراضية بهدف بث رسائل التشفي الطائفي.
فيما التقط جنود آخرون صوراً وفيديوهات وهم يطأون بأحذيتهم العسكرية على صورة الزعيم الشيعي الشيخ نمر النمر داخل أحد المساجد الشيعية في البلدة, رافعين أسلحتهم بالقرب من اليافطات المعلقة التي كتب عليها بعض الشعارات الدينية التي اعتاد الشيعة تزيين مساجدهم وحسينياتهم بها في مناسبات عاشوراء الإمام الحسين”ع” سبط النبي محمد(ص).
وأظهرت عدة مقاطع العساكر السعوديين وهم يُقيمون رقصات تقليدية للحرب في أنحاء متفرقة داخل الحي التاريخي الذي تعرّض لدمار هائل.
فيما رفع بعض الجنود صوت الأذان في غير وقته وسط أحد المساجد المدمرة تعبيراً عن نشوة النصر على أهالي البلدة الشيعية التي تم تهجير نحو 20 ألفاً من سكانها فيما قتل 27 شهيدا إضافة إلى جرح وإصابة ما يقارب 135 من المواطنين والمقيمين واعتقال العشرات من أبناء العوامية والبلدات الشيعية المجاورة, خلال الشهور الثلاثة بحسب المصادر الأهلية.
يمكن وصف ما تعرض له أهالي حي المسورة إلى حرب مصغرة شنها النظام السعودي على أبناء الطائفة الشيعية، وتحت مزاعم "الإرهاب" ونوايا التطوير بنى سرديته التي قدمها للداخل والخارج.
اليوم، يتمسك محمد بن سلمان بهذه الثنائية فيزيد من قمعه للأصوات المعارضة ولا يتوانى عن تعليق المشانق بحق أبناء القطيف والأحساء.
كما أنه يستمر في مزاعم التطوير لاقتطاع الأراضي وزيادة أزمات أهالي المنطقة.