نحتاج إلى التأمل والتدقيق وقراءة هذه الخطبة باستمرار، لكي نجعلها لنا درسا ومدرسة في حياتنا، ونقرأ من خلالها التاريخ بحقيقته، ولو أننا نلاحظ التاريخ اليوم، سوف نكتشف أن معظمه تاريخ مزيف كتبه الحكام الظالمون واقلامهم المأجورة، ولذلك فإن كثيرا لا يعرفون الحقائق، ولا يعرفون الوقائع التي جرت آنذاك، فتصبح حياتهم حياة غير واضحة، ينتابها الشك والأخطاء والانحرافات والأزمات المتوالدة والمشكلات الكثيرة.
وقد طرحنا في مقالات سابقة لنا جملة من التأملات والقراءات في خطبة السيدة الزهراء (عليها السلام)، وقرأنا مفهوم القيادة والإمامة في تلك الخطبة.
في هذا المقال نحاول أن نقرأ خطوطا عامة لهذه الخطبة، وأن نفهم ونتأمل في بعض ما قالته السيدة العظيمة الجليلة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، حتى نستطيع أن نغيّر حياتنا لنكون أتباعا وموالين حقيقيين لأهل البيت (عليهم السلام)، لأننا بدراسة هذه الخطبة سوف ندرس السيرة والنهج الذي يجب أن نسير عليه في حياتنا، ولو سرنا على سيرة أهل البيت (عليهم السلام)، وعلى مضامين هذه الخطبة العظيمة، لانفتحت علينا أبواب الخيرات والبركات من السماء والأرض.
وعلينا أن نحفظ هذه الخطبة وندرسها نحن وأولادنا، حتى تصبح منهاجا مستداما في حياتنا، وفيما يلي محاولة لتسليط الضوء على بعض أساسيات هذه الخطبة:
أولا- الخطبة تعدّ وثيقة تاريخية بحق
أي أن هذه الخطبة من الوثائق التاريخية التي بيَّنت لنا ما هو التاريخ، وماذا جرى فيه؟، وتبيّن لنا جوهر الرسالة المحمدية وامتدادها العلوي، فمن يريد أن يفهم الإسلام الحقيقي عليه الرجوع إلى هذه الخطبة العظيمة، وأن لا يقع ضحية للتاريخ المزيَّف، فهذه الوثيقة مهمة جدا في كشف التاريخ ومداليله الممتدة نحو المستقبل.
إننا نقرأ وثائق أخرى من تواريخ أمم أخرى ونستند عليها، لماذا لا نقرأ هذه الوثيق العظيمة لكي نعرف تاريخنا، لماذا لا نكتب عن هذه الوثيقة ونقرأها تاريخيا وعقائديا وفكريا وثقافيا واجتماعيا؟
ثانيا- إن هذه الخطبة وضعت خارطة طريق
قدمت لنا هذه الخطبة أدلة إرشادية للسير في الطريق المستقيم، وعدم الانحراف عن هذا الطريق، للوصول إلى الحياة النزيهة والآمنة والمستقرة والسعيدة، من خلال السير على منهج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام).
ولابد من إدراك أهمية هذه القضية، فهذه الوثيقة هي الطريق المعبَّد لنا في حياتنا، وهي الطريق الصحيح الذي يجب أن نسير عليه، لذلك نلاحظ إن كثيرا من المشكلات والأزمات التي عاشتها المجتمعات السابقة، والتي تعيشها المجتمعات اليوم، وقد تعيشها في المستقبل، وذلك بسبب سوء المناهج التي تسير عليها هذه المجتمعات، وكثرة الاختلالات والانحرافات الحاصلة فيها.
عندما يسلك الإنسان طرقا غير سليمة ومنحرفة سوف يسقط من حافة الهاوية ويقع في هاوية البؤس والضلال والمشكلات والتعاسة، لذا نحتاج إلى طريق مستقيم، نور ينير لنا هذا الطريق المستقيم، وهذا النور هم أهل البيت (عليهم السلام). وهذه الخطبة هي نور لنا للسير في الطريق المستقيم.
ثالثا: أهمية القيادة في إيصال الناس إلى بر الأمان
القيادة غالبا ما تقوم بعملية أما إنقاذ المجتمعات، أو تحطيم المجتمعات، فإذا كانت قيادة عميقة بصيرة فاهمة واعية، تنظر إلى المستقبل، تكون هذه القيادة قادرة على إنقاذ مجتمعاتها، أما إذا كانت القيادة قصيرة المدى، محدودة الأفق، ضيقة الصدر، تبحث عن مصالحها الذاتية، مزاجها سلطوي، تحتكر السلطة، ومستبدة في رأيها، فهذه قيادة انحرافية تدمر المجتمعات دائما عاجلا ام آجلا.
القيادة الإنقاذية المتبصرة الواعية
لذلك فإن السيدة الزهراء (عليها السلام)، تعطي لنا المواصفات الحقيقية للقيادة التي تقوم بعملية الاستنقاذ والإنقاذ من المهلكات، فهذه الخطبة توضِّح مفهوم القيادة وكيف تمتلك صفات ومؤهلات القيادة الإرشادية التي تمتلك بصيرة الماضي والحاضر والمستقبل، وتمتلك إخلاص العبودية لله سبحانه وتعالى.
لا يصح أن تكون هذه القيادة باحثة عن مصالحها الخاصة وعن سلطويتها الخاصة، وعن تحكمها بالناس والهيمنة عليهم، بل يجب أن ترى هذه القيادة في نفسها عبودية خالصة لله سبحانه وتعالى، فعندما تكون هذه القيادة مخلصة تكون قيادة إنقاذية متبصرة واعية قادرة على إنقاذ الناس. وهذا الشيء بيّنته الزهراء (عليها السلام) في خطبتها بشكل واضح: (ابتعثه الله إتماماً لأمره... وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصّرهم من العماية، وهداهم إلى الدّين القويم، ودعاهم إلى الصّراط المستقيم)، وكذلك (وجعل طاعتنا نظاما للملّة).
رابعا: مخاطر الانحراف عن القواعد والأسس
كذلك بينت السيد فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) المخاطر التي يتسبب بها الانحراف عن القواعد والقوانين الإلهية.
وعندما ينحرف الإنسان، وتنحرف المجتمعات، وتنحرف الأمم عن القوانين والقواعد الإلهية وبالتالي تسقط في الهاوية والهلاك وفي حفر النار، لأنها تقع اولا في المصالح الذاتية والأهواء الأنانية، التي تؤدي إلى الانحراف.
عندما نلاحظ ما جرى بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، نلاحظ أن الناس لم ينظروا إلى الواقع، وإنما نظروا إلى مصالحهم الذاتية، وأهواءهم، وشهواتهم، ولم ينظروا إلى المخاطر التي يمكن أن تحصل من الانحراف عن الخط الحقيقي للإسلام.
لذلك وقعت الأمة في فتنٍ هائلة، فتنة تلحق بها فتنة، وتلحقها فتنة أخرى، وحرب أخرى، وصراع آخر، ونزاعات استنزافية، وصدامات صفرية، وهذا كله حدث بسبب الانحراف الذي حصل بعد استشهاد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
أهم محاور الخطبة
من تحليل نص الخطاب للسيدة الزهراء (عليها السلام) نستكشف المضامين التي ذكرتها حيث أن خطابها رصين وعميق ومنهجي منتظم يسير بنا من البدايات إلى النهايات، ويلقي الحجة علينا كاملة. هذا الخطاب واضح في الأمور التي يتصدى لها وفي معانيه. حيث يستكمل الحجة علينا، في كثير من المنعطفات والتحديات التاريخية والحاضرة والقادمة في المستقبل.
وهنا نذكر بعض المحاور الموجودة في هذه الخطبة، نقرأها ونتأمل فيها، حتى نستطيع أن نفهم ونستلهم العبر في حياتنا وندرك التاريخ بقراءة صحيحة، بما ينعكس إيجابا على حياتنا، بحيث نتجنب الوقوع في تضليل الظالمين وادواتهم الإعلامية المزيفة.
أولا: الشكر في التوحيد والتوحيد في العبودية
ابتدأت السيدة الزهراء (عليها السلام) خطبتها في قضية شكر الله وشكر المنعِم وفضله على البشر وعلى المخلوقات، هذا الشكر مقدمة أساسية في عملية بناء التوحيد وعقيدة التوحيد عند الإنسان، لأن الشكر يكون في مقابله الكفر والشرك، والشكر يدل على الالتزام بالتوحيد، والالتزام بالتوحيد يدل على الالتزام بالعبودية لله وحده.
وشكر البشر على هذه النعم الكبيرة للمنعم دليل عقلي على التوحيد وعلى خلق الله سبحانه وتعالى لمخلوقاته، فشكر المنعم هو دليل على تثبيت العبودية لله سبحانه وتعالى وحده وليس للطاغوت.
فأول نقطة تبدأ في المنهج الإسلامي من العبودية لله سبحانه وتعالى، وذلك بالشكر والتوحيد، للذي أنعم عليك وهو الله سبحانه وتعالى الخالق الذي اخرجك من العدم الى الوجود، لذلك لابد أن تكون العبودية لله سبحانه وتعالى وليس للطاغية، والقدرة المطلقة لله سبحانه وتعالى لا يجوز لأي حاكم او طاغية أن يدّعي بأنه هو الذي أنعم على الناس، بل هو مجرد حاكم وسيلة.
العبودية الحقة لله وليس للطاغوت
ولابد للحاكم أن يدرك هذه المسألة، وأن لا يجعل الناس عبيدا له، لأنه إذا جعلهم عبيدا له سوف يبدأ طريق الانحراف، وتتغيّر العبودية من عبودية الله سبحانه وتعالى إلى عبودية الطاغوت. وهذا من أكبر المشاكل التي تعاني منها البشرية ونقصد بها العبودية للهوى، العبودية للطاغوت والطغيان، العبودية للسلطة وللمزاج.
ومن هنا فإن شكر المنعم هو جوهر التوحيد، فإن ربّي هو الله سبحانه وتعالى فقط، وهذه هي فلسفة وجود الإنسان، اي العبودية لله سبحانه وتعالى عبر شكر المنعم وصولا إلى قضية الثواب في الطاعة والعقاب على معصيته، عبر جانبين هما: الجانب التكويني من خلال الآثار والأسباب والمسببات. والجانب التشريعي من خلال الالتزام بالتشريعات التي تأتي من الأوامر والنواهي.
الإنسان الذي يطيع الله سبحانه وتعالى تنفتح عليه بركات السماوات والأرض، من باب الأسباب والمسبّبات، كذلك حين يطيع الإنسان الله سبحانه وتعالى في الجانب التشريعي، فإنه سوف ينقذ نفسه بالنتيجة من الوقوع في العقاب الأخروي.
كذلك في جانب العقاب الوضعي، أو الأثر التكويني للمعصية، وهو العقاب الكوني لما يحصده الإنسان من نتائج سلبية للمعاصي التي قام بها، وكذلك بما يحصده في يوم الحساب على معاصيه، فشكر المنعم والثواب في الطاعة والتحذير من مخاطر العقاب على المعصية، وصولا إلى بناء التكامل الإنساني، وارتقاء الإنسان ومنعا لسقوطه، هذا هو معنى فلسفة وجود الإنسان في الحياة.
هذه النقطة مهمة في خطبة الزهراء (عليها السلام) وقد ركّزت عليها عندما قالت: (الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدّم، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن أولاها، جمّ عن الإحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتّصالها، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وثنى بالندب إلى أمثالها، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمّن القلوب موصولها، وأنار في التفكّر معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام كيفيته، ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها، كوّنها بقدرته، وذرأها بمشيّته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له فـي تصويرها، إلّا تثبيتاً لحكمته، وتنبيهاً على طاعته، وإظهاراً لقدرته، وتعبّداً لبريّته وإعزازاً لدعوته، ثمّ جعل الثواب على طاعته، ووضـع العقاب على معصيته، ذيادة لعباده عن نقمته، وحياشته لهم إلى جنّته).
قوانين وقواعد لضبط سلوك الإنسان
فقد ذكرت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) كل هذه القضايا حتى تؤكد بأن شكر النِعم لله سبحانه وتعالى فقط، وليس للآخرين، حتى لا يأتي من يأتي ويدّعي لنفسه الحق بأن يكون هو صاحب النعمة والحكم السلطة، يسلب السلطة ويغتنمها، لكن هناك قوانين وقواعد لابد أن يسلكها الإنسان في حياته، لذلك ابتدأت بـ (الحمد لله والثناء عليه) وبالنتيجة الإخلاص لله سبحانه وتعالى وليس للحاكم الظالم وللآخرين، وإنما لله سبحانه وتعالى فقط.
ومن هنا تبدأ سلسلة التصحيحات التاريخية، وأن الحاكم الظالم ليس له شرعية، لأنه يضع نفسه في مقابل الله سبحانه وتعالى، الحاكم الظالم الذي يضع لنفسه القدرة ويخالف الله سبحانه وتعالى استيلائه على السلطة ظلمه للناس وسلب حقوقهم وانتهاكها، أما الإنسان العادل الذي يراعي حقوق الناس، فإنه يسير في طريق عبودية الله سبحانه وتعالى وشكره على نعمه، ولابد للناس أن يعرفوا معنى شرعية الحاكم العادل او عدم شرعية الظالم من خلال فهم الشكر للمنعم، وتوحيد الله سبحانه وتعالى، وأن العبودية والقدرة لله سبحانه وتعالى فقط.
ثانيا: القيادة الشرعية
المحور الثاني من خطبة السيدة الزهراء (عليها السلام)، تذكر مفهوم القيادة، فلا تكتمل عملية التوحيد وشكر النِعَم إلا باتباع القيادة التي اختارها الله سبحانه وتعالى، لأنه تطبيق عملي للعبودية وشكر الله سبحانه وتعالى، فلا يتحقق التكامل الإنساني وفلسفة وجود الإنسان في الحياة، اذا لم تكن هناك قيادة ترشد الناس إلى الطريق الصحيح، بل يضيع الناس في الظلمات، ويتيه الناس في العدم وفي الجهل وفي الظلمات وفي الانحراف والسقوط، فالقيادة هي التي تنقذ الناس وتقود الناس في الطريق المستقيم لله سبحانه وتعالى.
تقول السيد فاطمة الزهراء (عليها السلام)، في هذا المقطع:
(وأشهد أنّ أبي، محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عبده ورسوله اختاره وانتجبه قبل أن أرسله، وسمّاه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علماً من الله تعالى بم آيل الأُمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع المقدور. ابتعثه الله إتماماً لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذاً لمقادير حتمه، فرأى الأُمم فرقاً في أديانهم، عُكَّفاً على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله بأبي، محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ظُلَمَها، وكشف عن القلوب بهمها، وجلا عن الأبصار غممها، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصّرهم من العماية، وهداهم إلى الدّين القويم، ودعاهم إلى الصّراط المستقيم).
ابتعث الله رسوله إتماما لأمره، وتكاملا لعملية المنهجية في تكامل وجود الإنسان في الحياة، (وعزيمة على إمضاء حكمه وإنفاذا لمقادير حزمه) هذه هي الأسباب والمسببات، فلابد أن يكون هناك تكامل في الأسباب والمسببات، وصولا إلى الثواب والعقاب عبر تكامل القيادة مع التوحيد.
كيف يتكامل الإنسان في الوجود؟
إن الخلائق بُعِثَت في الوجود، وأن وجودها نعمة، كونها خرجت من العدم، فالخروج إلى الوجود الحقيقي في الحياة، يعد أكبر نعمة للإنسان، وهذا الوجود يتكامل بابتعاث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إتماما لأمره وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذا لمقادير حزمه، ولكن القيادة تحتاج إلى امتداد، وأن تستمر حتى تستمر عملية تكامل الإنسان في الوجود، وصولا إلى نهايته وغاياته الأساسية وثوابه في يوم الحساب والعقاب.
وذلك من خلال الثقلين (كتاب الله وعترتي أهل بيتي).
ثالثا: القرآن والعترة
وهذا الامر وضحته السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، في خطبتها، بتسلسل منهجي، الى ان وصلت إلى قضية القرآن الكريم وأهل البيت (عليهم السلام) حيث تكامل الإسلام الحقيقي، وتحقيق الوجود الإسلامي الحقيقي يأتي من الارتباط الوثيق بين التوحيد والنبوة والقرآن والإمامة.
في خطبتها (عليها السلام) تستشهد بالقرآن دائما، ففي كل مقطع من خطبتها تستند وتقرأ آية قرآنية، لأن القرآن هو الأساس وهو الحجة التي نفهم من خلاله المنهج الذي لابد أن نسير عليه، ولكن هذا النص القرآني يحتاج الى من يفسره ويؤوّله تفسيرا وتأويلا صحيحا، وهم أهل البيت (عليهم السلام).
القرآن هو نص مكتوب، لكن القرآن الناطق هم أهل البيت (عليهم السلام)، وخصوصا الإمام علي بن ابي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام)، لذلك تستمر الرسالة الإلهية من خلال تكامل الثقلين (كتاب الله وعترتي أهل بيتي)، فكلاهما يقودان عملية بناء الأمة بناء مستمرا مستقيما مستداما نحو غاياته التكاملية، ونحو العبودية الحقة لله سبحانه وتعالى.
حيث تقول (عليها السلام):
(أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأُمناء الله على أنفسكم، وبلغاؤه إلى الأُمم، وزعمتم حقّ لكم، لله فيكم عهد، قدّمه إليكم، وبقيّة استخلفها عليكم: كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللّامع، بيّنة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره، مغتبط به أشياعه، قائد إلى الرضوان أتباعه، مؤدّ إلى النجاة استماعه، به تنال حجج الله المنوّرة، وعزائمه المفسّرة، ومحارمه المحذرة، وبيّناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، و رخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة).
في تحليل كتاب الله الناطق، يحمل معنى وهو الإمام علي (عليه السلام)، وتوجد لدينا أحاديث وتؤكّد هذا الامر. فقد روي عن الإمام علي (عليه السلام): (هذا كتاب الله الصامت، وأنا كتاب الله الناطق)، لأن الإمام (عليه السلام) هو الذي يؤوّله ويفسره، وهو تفسير الإمام المعصوم الذي يعطي الرؤية الصحيحة لتفسير القرآن الكريم، وليس كل من يأتي ويفسر النص القرآني حسب مزاجه وحسب فهمه، وإنما هو الإمام الذي استخلفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الأمة حتى يستمر في عملية هداية الأمة وقيادتها نحو بر الأمان.
فهناك عملية مركبة من جزأين وهما (كتاب الله وعترتي) وكلاهما واحد يسيران معا في عملية هداية الأمة، ولا يمكن أن نفصل بينهما.
وإذا فُصِل بينهما، سوف يأتي كل من يأتي ويفسر القرآن بطريقته الخاصة، وبالنتيجة لا نحصل على شيء ويبقى الشك يحوم، بينما القرآن الكريم هو كتاب هداية، كتاب حياة لنا، يحقق اليقين والاطمئنان.