مضى اربعون عاما على الأقل ومازالت أمريكا وإسرائيل تتحدثان باستمرار عن الانهيار الوشيك للحكومة الإيرانية. ودون استثناء كان شعار الإطاحة بإيران ضمن الدعايات الانتخابية الرئيسية في خطابات الرؤساء والمسؤولين السياسيين في الولايات المتحدة.
وفي هذه الأثناء، كان وعد جون بولتون باسقاط الحكومة الايرانية في الذكرى الأربعين لانتصار الثورة الإسلامية في إيران مثيرا للاهتمام أكثر من التصريحات الاخرى.
وعلى مدار الأربعين عام الماضية، كانت الولايات المتحدة تحلم دائما -إلى جانب ما فرضته من حروب وانقلابات واغتيالات و...على ايران- تحلم بهدم كيان اسمته "الشرير" و"محور الشر" و "عامل عدم الاستقرار والأمن في المنطقة " وكانت تتجاهل الحقائق التي تقول ان الإيرانيين قرروا قبل أربعين سنة رفض إلاملاءات الامريكية، والسير في طريق اختاروه بانفسهم ..فلم تفوت واشنطن في هذه الفترة أي محاولة لما اعتبرته "ترويض" الحكومة الإيرانية.
الآن وبعد مرور اربعين عامًا، اعتاد الإيرانيون على التهديدات الأمريكية وقد جربوا الحرب الناعمة الامريكية بلحمهم ودمهم في كل لحظة لدرجة لو أنهم استيقظوا يوما ولم يسمعوا بأن أمريكا فرضت عليهم حظرا جديدا او لم تضغط عليهم او لم تطلق تهديدا ضدهم (وان كان فرضية مستحيلة)، فإنهم سيشكوا بمكان تواجدهم وقد يظنوا أنهم في بلد آخر لا في ايران.
هذا يعني ان الايرانيين وعلى مدار الأربعين عاما، استوعبوا التهديدات الأمريكية واعتادوا عليها مما يعتبرونها فرصة للعيش باستقلالية.
لذلك، رغم التصعيد المستمر للتهديدات الامريكية، يزداد صمودهم وتحملهم وايضا دعمهم للثورة الاسلامية يوما بعد يوم ويؤكد هذه الحقيقة الحضور الجماهيري الحاشد في مسيرات ذكرى انتصار الثورة الاسلامية في 11 شباط/فبراير في كل عام.
لم نكن نتوقع من جون بولتون ان يتفوه بكلام لا تتجاوز إمكانية تطبيقه حد الصفر. تحدث بولتون عن الاطاحة بالثورة الايرانية في عامها الأربعين، ليس لأنه يملك دليلاً على ذلك، بل لأنه كان يعقد الامل على تحقيق هذا الحلم مائة في المائة.
وتفوه بولتون بهذا الكلام بالضبط في الذكرى الأربعين لانتصار الثورة الإيرانية لأنه شاهد نضوج الحكومة الإيرانية في هذا العام وراى انعكاسات هذا النضج في الانتصارات المتكررة لمحور المقاومة وإيران في جميع أنحاء المنطقة.
بولتون تحدث عن سقوط ايران في الذكرى الاربعين لانتصار الثورة الاسلامية، لكن ما حصل ان امريكا واسرائيل أصبحوا اليوم مجبورين على التعامل مع حزب الله في لبنان ليس كحزب بل كحكومة قوية.
وفي العراق أصبح تبرير وجودهم غير القانوني في هذا البلد بعد تشكل الحكومة العراقية الجديدة وانعقاد البرلمان الجديد كابوسا لايفارقهم، وأما اليمن فقد أصبح ساحة لانكسار سياسات السعودية والامارات (الشركاء الاستراتيجيين لامريكا)، مجاهدو غزة والاراضي الفلسطينية المحتلة أصبحوا اليوم مجهزين بصواريخ دقيقة ومستعدين أكثر من أي وقت مضى خلال 70 عام لدخول حرب مع اسرائيل، وسوريا التي أعلنت واشنطن سقوطها وصمدت اصبحت مثالا تتردد اصداؤه في انحاء المنطقة حول انكسار اكبر دولة عسكرية في العالم أمام محور المقاومة.
كلام بولتون في الحقيقة لم يقصد به سقوط ايران في الذكرى الاربعين للثورة بل كان معطوفا على سقوط محور المقاومة. بولتون عبر مزاعمه هذه كان يبحث عن سبيل لبث الأمل لدى أعداء ايران وتحفيزهم بعد التحقير الذي حصدوه.
خلال الاربعين عام الماضية دعمت امريكا شاه ايران وشاهدت سقوطه، خلال الحرب المفروضة دعمت صدام بكل ما تملك من إمكانيات وشهدت سقوطه دون ان ينقص شبر واحد من ارض ايران، شددت الحظر على ايران في مجال الصناعات النووية، خرجت من الاتفاق النووي كي تخرب مشروع الصواريخ الايراني، لكنها اصطدمت بتجربة ايران صواريخ بمدى أكبر ضمن تجارب من 50 نوع خلال سنة واحدة.
اليوم الايرانيون بعثوا لجون بولتون دعوة رسمية لزيارة ايران ليشاركهم احتفالات الذكرى الاربعين لانتصار ثورتهم، بالطبع هذه الدعوة لم يتم ارسالها عبر البريد الى البيت الابيض، بل عن طريق أمواج الأقمار الصناعية عبر قنوات التلفزة والراديو ووسائل التواصل كي تصل في ذات اللحظة الى بولتون. سيد بولتون الايرانيون احتفلوا بذكرى ثورتهم الاربعين!!!
ابو رضا صالح ـ قناة العالم