"قال: يا ربّ وما هنّ؟ قال: واحدة لي، وواحدة لك، وواحدة فيما بيني وبينك، وواحدة فيما بينك وبين النَّاس"، لأنَّ علاقات الإنسان تتوزّع بين علاقته بالله في حقِّه المطلق عليه، ولديه علاقة أخرى فيما بينه وبين الله، فيما جعل له من حقّ، وفيما لله عليه من حقّ، وهناك علاقة بينه وبين النَّاس.
"قال: يا ربّ، بيِّنهنَّ لي حتَّى أعلمهنَّ. قال: أمّا التي لي، فتعبدني لا تشرك بي شيئاً"، فهذا هو حقُّ الله المطلق على العباد؛ في أن توحّده في فكرك، وتوحِّده في عقلك، فلا يكون فيه إلَّا الله، وأن توحِّده في قلبك، فلا ينفتح قلبك بالحبِّ إلَّا لله، أمَّا غير الله من أنبياء وأولياء، فإنّهم يدخلون قلبك من طريق الله، وأن تكون موحِّداً لله في الطَّاعة والعبادة، فلا تعبد غير الله، ولا تطيع غير الله.
"وأمَّا الَّتي لك: فأجزيك بعملك أحوج ما تكون إليه"، ففي يوم القيامة {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ}، {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ}[عبس: 34 – 36]، {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ للهِ}[الانفطار: 19]، في ذلك الوقت أجزيك، وأنتَ الفقير المحتاج إلى أيِّ شيء بنتائج عملك: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ}[الزلزلة: 7]، {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}[الأنعام: 160]، و{أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى}[آل عمران: 195].
"وأمَّا الَّتي بيني وبينك، فعليك الدّعاء وعليَّ الإجابة" {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.
"وأمَّا الَّتي بينك وبين النَّاس"، وهنا محلُّ الشَّاهد، "فترضى للنَّاس ما ترضى لنفسك، وتكره لهم ما تكره لها"1، وهو معنى أن تنصف النَّاس من نفسك.
*من كتاب "النَّدوة"، ج3.
محمد حسين فضل الله
------------------------
[1]ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج4، ص 259.