القيادة الروسية حرصت على أن يبدو الانسحاب قراراً اتخذته القيادة العسكرية لما تمليه عليها ضرورات المعركة والمواجهة التكتيكية.
إن كان كذلك، فالأيام والأسابيع المقبلة ستظهر صوابية القرار من عدمه، أما إذا كان قراراً سياسياً، فهو في الحد الأدنى يفتقر إلى حجج مقنعة بالنسبة للرأي العام الوطني.
في جميع الأحوال، تم اتخاذ القرار بشكل اضطراري ولأسباب تكتيكية تتعلق بحماية تموضع القوات الروسية والحفاظ على عديدها وأسلحتها. كما كان القرار أيضاً نتيجة عدم تحقيق الأهداف التي حُدّدت في صيف العام الجاري، خلال مراحل العملية العسكرية الروسية الخاصة و عدد من الأخطاء خلال تلك الفترة، والتي لا تنكرها أوساط صناعة القرار السياسي و العسكري الروسية.
عموماً دخلنا عملياً في فصل الشتاء. الجانبان الروسي والأوكراني يدركان أن عبور نهر الدنيبر مجدداً خلال الأشهر الخمسة أو الستة المقبلة هو أمر شبه مستحيل، ولا سيما أن الجليد يغطي سطح النهر الذي يتفاوت عرضه ما بين 800 و 1100 متر، فضلاً عن أن طبقة الجليد المتكوّنة غير كافية لتحمّل الأثقال، ما قد يتسبب في انهيارها خلال عبور المدرعات والآليات الثقيلة فوقها.
أما الجسران الوحيدان اللذان يصلان شرق خيرسون بغربها، فهما مقطوعين من جراء صواريخ الهايمرس الأميركية التي استهدفتهما. فضلاً عن أن تنفيذ عملية العبور بواسطة العبارات والجسور العائمة، يعدُّ أمراً معقداً، ولا سيما في الشتاء.
الجانب الأوكراني يفتقر إلى هذه التقنيات ومن المستبعد أن يتمكن الغرب من توفيرها لكييف خلال أيام أو حتى أسابيع.
أما بالنسبة إلى الجانب الروسي، فقد اتخذ من نهر الدنيبر عائقاً جغرافياً طبيعياً يخفف عليه تكلفة نشر أعداد كبيرة من قواته لتأمين استقرار الجبهة. وعليه بدأ الجانبان الروسي والأوكراني انطلاقاً من هذه الأسباب تأمين المواقع المستحدثة ونقل قسم من الوحدات والتشكيلات المقاتلة إلى جبهات أخرى، واضعين خيرسون عهدةً لدى جليد نهر الدنيبر حتى الربيع المقبل.
يمعنى أنه سيكون هناك ما يقارب الستة أشهر من الانتظار، لكي يتبيّن مصير هذه الجبهة أو، من أجل أن يتضح جدوى خطوة الإنسحاب من عدمه.
ولهذه الأسباب أيضاً، من المستبعد تقنياً وعسكرياً بمكان أن تتمكّن القوات الأوكرانية من تحقيق تقدم إضافي في هذا الإتجاه. إذ يرى البعض أن "مصير القرم هو المقبل من أحداث" أو أن "التسوية باتت على الأبواب". فالقرم بات أكثر منعةً بعد إعادة التّموضع كما أن مسار تحرير ما تبقى من مساحة جمهوريتي الدونباس يجري تفعيله بشكل أكبر، ما يعطي القرم حماية أكبر ويمنع عنها الخطر انطلاقاً من محاور باتجاه جنوب غربي الدونباس، التي ما زالت قوات أوكرانية تسيطر على مساحات منه.
أما التسوية فهي ما تزال غير منظورة في أفق المتغيرات الدولية الراهنة.
من ناحية ثانية، حفِلَ الأسبوع الماضي بأحداث مهمة في اتجاهات مختلفة. فعلى سبيل المثال، في اتجاه أوغليدار تمت السيطرة الروسية على منطقة بافلوفكا السكنية بالكامل، وأن المدفعية الروسية تعمل بكثافة على تدمير دفاعات القوات الأوكرانية في المنطقة. ومن المنتظر في اليومين المقبلين بدء هجوم روسي مكثف على محاور باتجاه أوغليدار جنوب غربي جمهورية دونيتسك أو جنوب غرب الدونباس. إذ من السابق لأوانه تحديد عمق ومدى امتداد الهجوم المتوقع ونتائجه.
وإلى الشمال الشرقي في اتجاهات دونيتسك، أفدييفكا، غورلوفكا، أرتيوموفسك، سوليدار، تُسجل سلسلة هجومات للقوات الروسية، حققت نجاحات نسبية في مواقع معينة.
أمس الأحد، رُصِدَت عمليات هجومية روسية امتداداً من مارينكي عبر كراسناغوروفكا وبيرفامايفسكايا أوبيتنويه فودينويه، فيما أعلنت القوات الروسية سيطرتها الكاملة على أبيتنويه، وتسعى إلى توسيع هجومها شمال هذه المنطقة باتجاه أرلوفكا، التي ومن خلال السيطرة عليها يمكن اعتبار أن مجموعة تشكيلات القوات الأوكرانية في منطقة أفدييفكا المهمة، مقطوعة عن التواصل مع باقي الوحدات الأوكرانية المنتشرة من جنوب غربي الدونباس إلى غربي أوكرانيا.
بكل بساطة لن تبقى أمام القوات الأوكرانيا طرق صالحة لإيصال الإمدادات لهذه المجموعة. وهذا يعزز ما تم توقعه سابقاً من حسم استكمال تحرير كامل مساحة الدونباس مع حلول العام المقبل.
الدفاع الروسية أعلنت يوم الأحد الثالث في 13 تشرين الثاني/نوفمبر، تطهير كامل مساحة نقطة مايوروفكا السكنية في محيط غورلوفكا من القوات الأوكرانية، والسيطرة الكاملة عليها.
وفي ناحية الشمال، جنوب غربي الدونباس، يستمر النجاح والتقدم الروسيين في محاور جنوب أرتيوموفسك-باخموت، في محاولة مستمرة ومتزايدة لخرق خطوط الدفاع الأوكرانية المحصنة منذ العام 2014، بهدف قطع التواصل وخطوط الإمداد الأوكرانية من الغرب عن هذه الجبهة.
تقييم الخبراء الميدانيين يشير إلى أن هذا الاتجاه الآن في طور التحضير لعملية هجوم روسي موسع. كما أن القوات الروسية تهاجم في اتجاه سوليدار، حيث أحكمت سيطرتها على نقطة باخموتسكايا السكنية جنوب شرق ضواحي مدينة سوليدار.
كذلك، تعمل القوات الروسية على دفع القوات الأوكرانية باتجاه مركز المدينة. في المقابل تنشط عمليات القوات الأوكرانية على محور سفاتوفا، حيث تحاول هذه القوات للأسبوع الثالث على التوالي قضم دفاعات واستحكامات القوات الروسية. وقد حققت القوات الأوكرانية نجاحاً نسبياً في هذا الاتجاه وأحكمت سيطرتها على نقطة ماكييفكا السكنية، لكن خط دفاع القوات الروسية الأساسي ما زال صامداً ولم يتم خرقه، في حين تشن قوات الدفاع الروسية هجمات مضادة، وأنه من الممكن أن تنجح في إعادة القوات الأوكرانية المهاجمة إلى نقطة انطلاقها.
ونقلاً عن خبراء تواصلوا مع مدير مركز التطوع الروسي ونائب رئيس مجلس الدوما النائب ألكسندر بوروداي، بشأن نشاط وحدة المتطوعين في شبه جزيرة "كينبورسكايا كوسا"، وهي منطقة مهمة تتحكم بالمنافذ البحرية جنوب خيرسون.
اتضح أن تلك الوحدة لا تخوض أي معارك حالياً بسبب غياب كامل للعدو.
وفي سياق تقييم حجم الضرر الذي أصاب البنية التحتية لقطاع الطاقة والتيار الكهربائي في أوكرانيا، ولا سيما في العاصمة كييف، اتضح أن النائب في مجلس برلمان مدينة كييف أندريه فيترينكو اقترح على سكان العاصمة الأوكرانية انتظار أشهر الشتاء في مدن أخرى بسبب مشاكل التزود بالتيار الكهربائي.
وجاء في تصريح له عبر قناة " كييف" المتلفزة: "إذا توفرت للناس ظروف أفضل لتمضية الشتاء، في ظروف أكثر راحة، فالأفضل أن يقوموا بذلك". وأضاف: "وضع التغذية بالتيار الكهربائي حالياً في كييف صعب للغاية، وانتقالهم إلى أماكن أخرى يضمن لهم المحافظة على مستوى الراحة التي اعتادوا عليها".
وفي وقت سابق صرّح رئيس حكومة أوكرانيا، دانيال شميغال، أن العاصمة وضواحيها تعانيان من نقص حاد في مصادر الطاقة. وعلى حد قوله "في حال تدهورت الأحوال أكثر، فإن السلطات قد تلجأ إلى خطوات اضطرارية وتعمل على ترحيل المواطنين".
المدير التنفيذي لشركة الطاقة الأوكرانية " دي تي أي كي" دميتري ساخاروك، من جهته، حذّر من إمكانية لجوء الشركة إلى فترات قطع أطول للتيار الكهربائي في كييف، خصوصاً مع بدء انخفاض الحرارة في فصل الشتاء، هذا في حال بقيت قدرة الشبكة على نقل التيار ضمن مستواه الحالي.
المصدر/الميادين/احمد حاج علي