إنَّ الله يقول لك: إذا آمنت بالله واستقمت، إذا آمنت بالله واتَّقيت، إذا أسلمت وجهك إلى الله وأحسنت، إذا آمنت بالله واليوم الآخر وعملت صالحاً، فلكَ الأمان يومَ لا أمانَ إلَّا لمن أعطاه الله الأمان.
هل تتبع زيداً وعَمراً، قولوا لكلِّ مَن يريد أن يدفعهم إلى عمل أو إلى مشروع أو إلى انتماء أو إلى عصبيَّة أو إلى ضرر لإنسان، قولوا له يا فلان نحن معك، شرط أن تسمح لنا بأمان من الله أنْ لا يعذّبنا يوم القيامة، إذا سرنا معك أعطنا الأمان.
وليس هناك مَن يستطيع أن يعطي الأمان إلَّا من خلال ما رسمه الله من خطوط الأمان. مَن الَّذي يعطيكم الأمان؟ بعض الناس يفكّر في العلماء المجتهدين الأتقياء، حتّى هؤلاء يحتاجون إلى الأمان من الله سبحانه وتعالى. والله سبحانه وتعالى يقول لرسوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[الزمر: 65]، إنّما أعطى الأمان لرسول الله، ولكلِّ رسل الله، لأنّهم آمنوا بالله وأطاعوه، وجاهدوا في سبيله.
لا يوجد فرق في هذا الطريق، الفرق أنّ درجات الإيمان عند الأنبياء أكثر من درجات الإيمان عندنا، درجات العمل عند الأنبياء أكثر من درجات عملنا، وروحية الجهاد عند الأنبياء أعمق من روحيَّتنا، لكن لا فرق بيننا وبين كلّ الأنبياء وكلّ الأئمّة سوى أنَّ الله رضي عنهم لأنّهم {عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}[الأنبياء: 26 ـــ 27].
والخطّ نفسه الذي يرضى فيه الله عنّا، هو الَّذي يرضى فيه عن النبيّ، لا يوجد فرق. ولهذا، كان الله يخاطب النبيّ في القرآن بما خاطب به بقيّة الناس، كما يقول الله: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}[النّساء : 48].
الله يقول للنَّبيّ، أنتَ رسول الله وحبيب الله ما دمت تسير على خطِّ التَّوحيد، وما دمت مستقيماً، وما دمتَ من الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا، ولكن لو انحرفت عن خطّ التوحيد، فإنَّ عملك سيحبط {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[الزمر : 65].
الله يخاطب ويتحدّث عن النبيّ {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ} يعني لو أنَّ النبيَّ زاد حرفاً في القرآن لم ينزله الله عليه {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}[الحاقة: 44 ـــ 47]، والنبيّ (ص) قال في بعض خطبه في آخر حياته: "لا يتمنَّ متمنٍّ، ولا يدَّع مدَّعٍ، ألا إنّه ليس بين الله وبين أحدٍ من عباده شيء يعطيه به خيراً، أو يدفع به عنه شرّاً، إلَّا العمل، ولو عصيت لهويت"(1). يعني أنا نبيّكم، لو أنّي عصيت الله سأهوي.
لهذا، لا تتصوَّر أنَّ من الممكن أن تأمن على نفسك وأنتَ مذنب وخاطئ، فلا يقدر أحد أن يقوم لك بـــ "واسطة"، افتح قلبك واستشعر النَّدم في قلبك ممّا فعلت، وأكِّد إرادتك، وافتح قلبك، وقل يا ربِّ إنّي تائبٌ، يتُب الله عليك.
السيد محمد حسين فضل الله
-------------------------
[1]بحار الأنوار، العلَّامة المجلسي، ج:22، ص:467