البث المباشر

ماري كوري.. عالمة فيزياء الأولى وأول حائزة على جائزة نوبل

الثلاثاء 8 نوفمبر 2022 - 14:00 بتوقيت طهران
ماري كوري.. عالمة فيزياء الأولى وأول حائزة على جائزة نوبل

ماري كوري عالمة فيزياء وكيمياء، وأول امرأة تحصل على جائزة نوبل، والوحيدة الحاصلة على جائزتي نوبل للعلوم في مجالين مختلفين، ولدت عام 1867 في بولندا، وتوفيت في باريس عام 1943.

أسهمت ماري كوري في مجال الطب بشكل كبير، فقد استطاعت تغيير فهم العلماء للنشاط الإشعاعي، مما ساعد في اكتشاف علاج للسرطان، وذلك بعد أن أجرت دراسات هي الأولى لعلاج الأورام باستخدام النظائر المشعة.

ونتيجة انخراطها في العمل على أبحاثها طوال الوقت، يقال إنها أول من ابتكر موضة الزي الواحد، فقد عرفت بزي واحد أسود اللون ترتديه دائما ولا تملك غيره، وقالت "إذا كنت تريد أن تعطيني زيا، أرجو أن يكون عمليا وداكنا حتى أتمكن من ارتدائه من أجل الذهاب إلى المختبر".

المولد والنشأة
ولدت ماريا سكلودوفسكا (عرفت لاحقا باسم ماري كوري بعد زواجها) في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1867 بمدينة وارسو عاصمة بولندا.

وماري هي الابنة الصغرى بين 5 أطفال، وهم زوسيا وجوزيف وبرونيا وهيلا، توفيت والدتها برونيسلافا بمرض السل، وهي في سن الـ10، فاضطرت للعمل مربية في المنازل لتعيل أسرتها.

عمل والدها فلاديسلاف في تدريس الفيزياء والرياضيات، الأمر الذي أسهم في نبوغها مبكرا، وتفوقها في المرحلة الثانوية، وساعدتها طبيعتها الفضولية وحبها للعلم منذ صغرها في اكتساب خبرة كبيرة في مجال العلوم، رغم عدم شيوع دخول النساء ذلك المجال وقتها.

تزوجت من الفيزيائي الفرنسي بيير كوري في 26 يوليو/تموز 1897، وكانت تعرفت عليه عندما كانت بحاجة إلى مختبر لإنجاز أعمالها بعد تخرجها، وعند عملهما معا اكتشفا التوافق الفكري الكبير بينهما في مجال الاهتمام بالفيزياء والكيمياء، فقررا الزواج على أن تستمر ماري في عملها مدرسة وباحثة مع زوجها.

أنجبت ابنتها الأولى آيرين عام 1897، ثم ابنتها الثانية إيف في العام نفسه الذي حصلت فيه مع زوجها على جائزة نوبل للفيزياء (1911).

الدراسة والتكوين العلمي
درست في المدارس المحلية في بولندا، وتلقت تدريبا علميا من والدها، ثم انخرطت في منظمة ثورية طلابية، ورغم تفوقها في مرحلتها الثانوية، فإنها لم تستطع دخول جامعة وارسو لكونها مخصصة للذكور فقط، فقررت إكمال تعليمها عبر انضمامها لجامعة سرية غير رسمية في المدينة سميت بـ"الجامعة العائمة".

لكن حلمها بالسفر والدراسة في الخارج للحصول على شهادة رسمية هي وأختها برونيا رافقهما طوال الوقت، مما دفعهما للاتفاق على أن تعمل إحداهما وتوفر تكاليف الدراسة للأخرى، وترد الثانية الجميل بعد انتهاء دراستها.

ولأن ماري كانت الصغرى، عملت أولا لـ5 سنوات مدرسة ومربية في المنازل لتوفر تكاليف دراسة الطب لأختها، واستغلت أوقات فراغها في دراسة الفيزياء والرياضيات والكيمياء، ثم تمكنت من السفر إلى باريس والالتحاق بجامعة السوربون عام 1893، التي درست فيها الفرنسية بالتوازي مع الفيزياء، وحصلت على الجنسية الفرنسية.

عانت ماري خلال دراستها الجامعية من عدة مشاكل صحية بسبب قلة التغذية، فقد عاشت على الخبز والزبدة والشاي، لأنها لم تملك المال الكافي لتوفير الطعام، حيث كانت تتعرض لحالات إغماء كثيرة وقتها.

حصلت ماري على درجة الماجستير في الفيزياء عام 1893، ثم حصلت على شهادة الماجستير بالرياضيات في السنة التي تلتها، وبعدها حصلت على دبلوم في التدريس.

عام 1903 حصلت على الدكتوراه في الفيزياء، ووصف أساتذتها أطروحتها بأنها "أفضل مساهمة علمية نشرت على الإطلاق".

التجربة العلمية
بعد حصول ماري على شهادة الرياضيات، بدأت في عمل أبحاث عن الفولاذ وأنواعه المختلفة وخصائصه المغناطيسية. وكانت تتابع أعمال العالم الفيزيائي هنري بيكريل، الذي اكتشف اليورانيوم، العنصر ذا الإشعاعات الأقل انبعاثا من الأشعة السينية، واستكمالا لما قام به، عملت ماري على عدة أبحاث حول الأشعة المنبعثة من اليورانيوم.

اختبرت ماري كوري المزيد من مركبات اليورانيوم، منها خام يسمى "بيتشبلند" (يحتوي على خام اليورانيوم)، حيث اكتشفت أنه يصدر أشعة أقوى من اليورانيوم النقي حتى بعد إزالته، فاستطاعت مع زوجها استخراج مسحوق أسود أكثر إشعاعا بـ330 مرة من اليورانيوم، أطلقوا عليه اسم "البولونيوم" نسبة إلى بولندا التي تنحدر منها ماري.

اكتشفت ماري في أبحاثها أن الأشعة المنبعثة تبقى ثابتة بغض النظر عن شكل الذرة، ووضعت فرضية تقول إن "الأشعة تنبعث من البنية الذرية للعنصر نفسه، وليس من تفاعل حاصل بين الذرات".

بسبب هذه الفرضية التي خرجت بها كوري استطاعت تأسيس ما يعرف بمجال "الفيزياء الذرية"، وأحدثت مصطلحا جديدا يصف ظاهرة الإشعاع الذري يسمى "النشاط الإشعاعي" (Radioactivity).

بعد هذا الإنجاز، انضم كوري لزوجته ماري (بعدما كان يعمل في مشروع منفصل) لمساعدتها في الأبحاث حول النشاطات الإشعاعية، واستطاع كلاهما عام 1898 اكتشاف عنصر آخر أسمياه "الراديوم" نسبة إلى "راديوس" (Radius) وهي كلمة لاتينية تدل على الأشعة.

ثم في عام 1902، أعلنت ماري أنها استطاعت إنتاج ديسيغرام (وحدة من وحدات الوزن تساوي 0.1 غرام) من الراديوم النقي، وحددت وزنه الذري بـ225.93.

العالمة ماري لم يكن طريقها سهلا، فطبيعة البيئة الاجتماعية التي عاشت فيها، لم تكن داعمة لعمل المرأة عامة وفي مجال العلوم الدقيقة خاصة، بالإضافة لكونها أما وعليها عبء الاعتناء بابنتين، فاتهمها الكثيرون بإهمالها لواجباتها المنزلية، لكن ما ساعدها في تخطي ذلك قرار والد زوجها المتقاعد أن يعيش معهما في المنزل ويعتني بالأبناء، فتمكنت من صب كامل تركيزها على أعمالها البحثية.

عانت ماري لإثبات نفسها أمام المجتمع باعتبارها عالمة حقيقية في علوم الفيزياء والكيمياء، ففي مرة دعيت هي وزوجها إلى المعهد الملكي لإلقاء كلمة عن النشاط الإشعاعي، وسمح لزوجها فقط بالحديث، بينما منعت هي، وكان ينسب الفضل عامة لزوجها في الأبحاث العلمية التي تنشر باسمهما، فقد اعتبرت مجرد مساعدة لا أكثر.

جائزة نوبل
في عام 1903، رفض بيير كوري تسلم جائزة نوبل للفيزياء، احتجاجا على عدم ترشيح زوجته ماري لإسهامها في الأبحاث حول المواد المشعة، ليقرر مجلس الجائزة ترشيحها، وتصبح أول امرأة تحصل على جائزة نوبل، واستعمل الزوجان أموال الجائزة لدعم أبحاثهما الجديدة.

توفي زوج ماري في حادث عن طريق الخطأ عام 1906، تاركا ماري وحدها في قيادة أبحاثهما العلمية، فحلت مكان زوجها بروفيسورة في جامعة السوربون، لتكون أول امرأة تعمل في هذا المنصب.

ثم في عام 1911، حصلت على جائزة نوبل في الكيمياء لاكتشافها عنصري الراديوم والبولونيوم، لتكون أول شخصية تحصل على جائزتي نوبل في مجالين مختلفين.

الحياة الشخصية
عانت ماري من فترة صعبة بعد وفاة زوجها، واستطاعت الخروج منها بعدما عملت مع طالب زوجها بول لانجفين عام 1911، لكنه كان متزوجا، مما أدخل الشك في قلب زوجته فأرسلت شخصا للمكان الذي يلتقي فيه العالمان، فوجدت رسائل حب بينهما، سرعان ما سربتها للصحافة، مما أدخل ماري في سلسلة فضائح تناقلتها الصحف، واصفة إياها "بالأجنبية اليهودية هادمة البيوت"، وبعدها انفصل الزوجان فتناقلت الصحف اسمها باعتبارها السبب في ذلك.

لاحقتها الصحف في مناسبة أخرى، فعند عودتها من مؤتمر علمي في بروكسل (كان العالم الألماني ألبرت آينشتاين أحد الحضور)، فوجئت بحشد كبير من الناس الغاضبين أمام منزلها في باريس طالبين منها الخروج من فرنسا، فاضطرت إلى الانتقال إلى منزل أحد أصدقاء العائلة هي وبناتها، هربا من الحشد الغاضب.

بعد هذه الحادثة تواصل معها آينشتاين مرسلا لها خطابا مواسيا ضد التعليقات الحاقدة في الصحافة، ومعبرا عن مدى إعجابه بعقلها وشغفها وصراحتها، وقال إنه محظوظ لتعرفه على شخصية مثلها هي ولانجفين، داعيا إياها للاستمرار وغض الطرف عما يقال.

في تلك الفترة كانت لجنة جائزة نوبل للعلوم قد تواصلت معها وأخبرتها بعدم المجيء لاستلام الجائزة، لكنها رفضت ذلك مخبرة إياهم أن مشاكلها الشخصية لا علاقة لها بإنجازها العلمي، وذهبت لاستلام جائزتها.

الحرب العالمية الأولى
ظلت كوري منعزلة عن الأضواء بعد الفضيحة الأخيرة، لكنها عادت للعمل عند اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، حيث تطوعت وكرّست وقتها ومواردها لمساعدة ضحايا الحرب.

اكتشفت ماري وقتها حاجة المستشفيات والخدمات الطبية للتطوير، فطورت نظاما متنقلا لتصوير الأشعة السينية، أطلق عليه اسم "ليتل كوريز" (little curies) وقدمت عن طريقه مساعدة كبيرة للمصابين.

ومع نهاية عام 1914 كانت قد جهزت 20 عربة أشعة سينية، و200 وحدة أشعة للمستشفيات الميدانية، وقدمت دورات تدريبية للجنود والمتطوعين.

ثم انطلقت ماري للتطوع مع ابنتها آيرين (التي كانت تبلغ من العمر آنذاك 17 عاما) بالقرب من خط المواجهة، وقامت بتصوير المصابين بالأشعة السينية لتحديد أماكن الكسور والرصاص والشظايا، من أجل العلاج.

بعد الحرب العالمية الأولى بين عامي 1921 و1929، عززت كوري أبحاثها عبر السفر للولايات المتحدة من أجل جمع الأموال لشراء الراديوم وإنشاء معهد لأبحاث الراديوم في وارسو.

وعند زيارتها لأميركا أهداها الرئيس الأميركي الأسبق وارن هاردينغ غراما من الراديوم المشع، بعد أن أصبح هذا العنصر علاجا مهما في مجال السرطان.

صنعت ماري اسمها في هذا المجال بعد جهودها التي قدمتها في الحرب العالمية الأولى، فتوقف الهجوم ضدها، وأصبحت مصدر إلهام للكثيرين، خاصة النساء.

الوظائف والمسؤوليات
عملت في مختبر أبحاث ليبمان عام 1893.
عينت كبير مساعدي أستاذ الفيزياء العامة في جامعة السوربون.
عملت محاضرة بالفيزياء في المدرسة العليا للبنات في سيفر عام 1900.
مديرة مختبر كوري.
عضوا في مجلس سولفاي للياقة البدنية من عام 1911 وحتى وفاتها.
منذ عام 1922 كانت عضوا في لجنة التعاون الفكري التابعة لعصبة الأمم.
خلال الحرب العالمية الأولى كانت عضوا في منظمة بولندا الحرة.
عملت بروفيسورة فيزياء في جامعة السوربون.

الإنجازات
أول امرأة تحصل على جائزة نوبل في الفيزياء.
حصلت على جائزة نوبل في الكيمياء، وكانت الوحيدة في تاريخ الجائزة التي حصلت على جائزتي نوبل في مجالين مختلفين.
اكتشفت عنصري البولونيوم والراديوم لتقدم مساهمة كبيرة في مجال علاج السرطان.
طوّرت الأشعة السينية، وحوّلتها لجهاز متنقل.
تكريما لها حمل العديد من مراكز الأبحاث العلمية والطبية اسمها، مثل "معهد كوري"، و"جامعة بيير وماري كوري" في باريس.
أحدثت مصطلحا جديدا في الفيزياء الذرية هو "النشاط الإشعاعي".
حصلت بالاشتراك مع زوجها على ميدالية ديفي من الجمعية الملكية عام 1903.
أول امرأة بروفيسورة في جامعة السوربون.
جائزة إيلان ريتشاردز للأبحاث عام 1921.
الجائزة الكبرى لماركيز دي أرجنتوي عام 1923.
جائزة كاميرون من جامعة أدنبره عام 1931.
حصلت على العديد من الدرجات الفخرية من جامعات حول العالم.

أسست مركزا لبحوث محاربة السرطان عام 1921.
أسست مستشفى لعلاج السرطان للنساء عام 1930، وعملت النساء فيه بشكل أساسي، لكنه دمر فيما بعد بداية الأربعينيات، فأعيد تأسيسه من قبل بعض الأشخاص كمؤسسة خيرية لعلاج أي مرض عضال باسم ماري كوري في المملكة المتحدة.
تكريما لها أطلق اسم "كوري" على وحدة قياس الإشعاع، بالإضافة لعنصر "الكوريوم".
المؤلفات والأبحاث
كتبت ماري كوري عدة مؤلفات وأبحاث في مجال تخصصها، وكتبت عنها ابنتها إيف عام 1937 أول سيرة ذاتية، تحولت فيما بعد إلى فيلم روائي طويل بعد سنوات. ومن أبرز مؤلفات وأبحاث ماري:

ألفت كتاب "بحث عن المواد المشعة" (Recherches sur les Materials Radioactives) عام 1904 وتمت ترجمته إلى 5 لغات، وأعيدت طباعته 17 مرة في الدوريات العلمية.
ألفت كتاب "التناظر والنظائر" (L’Isotopie et les Éléments Isotopes).
كتبت أول مقال لها عن "النشاط الإشعاعي" (Traité de Radioactivité) عام 1910.
تم تسجيل أعمالها في العديد من الأوراق البحثية في المجلات العلمية.
أطلق برنامج "زمالة ماري سكلودوفسكا-كوري" (MarieSklodowska-Curie Fellowship Programme) التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، تأسيا بها لزيادة عدد النساء في المجال النووي.

الوفاة
لم يكن لدى ماري طوال عملها في الأبحاث أي تصور بمدى خطورة العناصر الكيميائية والنظائر المشعة كالراديوم، فتعاملت معها بشكل مباشر، حيث كانت تحمل في جيبها أنبوب اختبار فيه عنصر مشع، فطوال عملها أصيبت بعدة أمراض كالروماتيزم والتهاب الحويضة والكلية.

بعدها بفترة أصيبت بمرض فقر الدم اللاتنسجي (لم يعرف سببه وقتها) إثر تعرضها المباشر لتلك المواد، فاضطرت لتلقي علاج في مصحة سانسيليموز في فرنسا، حتى توفيت في 4 يوليو/تموز 1934 وعمرها حينئذ 66 عاما.

في عام 1995، نقل رفات ماري وزوجها بيير إلى مقبرة العظماء (البانتيون) في باريس بجوار رفات العديد من "أعظم عقول فرنسا"، وكانت المرأة الأولى التي تحظى هذا التكريم.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة