قال رسول الله (ص) كما جاء في القرآن الكريم: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[آل عمران: 31].
وتدلُّ هذه الآية على أنَّ المؤمن لا بدَّ من أن يعبّر عن محبَّته لله، بالإيمان برسوله، واتّباع رسالته في إطاعته، والالتزام بأوامره ونواهيه، وبما يبلّغه عن الله في وحيه، لأنَّ ذلك هو المظهر الحيّ للحبّ العملي الَّذي يملأ الكيان كله، وهذا ما يؤدِّي إلى محبَّة الله له، لأنّه سبحانه يحبّ المؤمنين الصَّادقين المحسنين المتَّقين الذين أخلصوا لله ورسوله.
وقال (ص) في جوابه لرجل قال له: أحبّ أن أكون من أحبَّاء الله، فقال (ص): "أحبَّ ما أحبَّ اللهُ ورسولُه، وأبغضْ ما أبغضَ اللهُ ورسولُه"1.
وقد جاء في الحديث عن السيِّد المسيح (ع)، لما سُئِل عن عمل واحد يورث محبَّة الله، قال: "أبغضوا الدُّنيا يحببكم الله"2. والمقصود هنا أن لا يستغرق الإنسان في حبّ الدنيا، بحيث تُنسيه مسؤوليَّاته التي حمّله الله إيّاها، بل أن ينظر إليها على حقيقتها، وهي أنّها تشكِّل موطناً للطَّاعة، فلا يجعلها مرتعاً للمعصية، وأنّها موقع لحركة المسؤوليَّة، فلا يجعلها واقعاً للَّهو والعبث والباطل.
وجاء عن رسول الله محمد (ص) قال: "مَنْ أكثرَ ذكرَ الموتِ أحبَّه الله"3، فإنَّ ذكر الموت يوحي للإنسان بفناء الدنيا واستقبال الآخرة، ما يجعله يواجه مسؤوليَّاته في الالتزام بطاعة الله سبحانه.
وقال الإمام جعفر الصَّادق (ع): "طلبت حبَّ الله عزَّ وجلَّ، فوجدته في بغض أهل المعاصي"4. والمقصود به بغض أعمالهم في معصية الله في تمرّدهم على ربهم وإصرارهم على ذلك، لأنَّ بغض الأشخاص يرتكز على بغض أعمالهم التي تسيء إلى إيمانهم بالله.
ومن خلال ذلك، يتَّضح أنَّ مظهر محبَّة الله في نفس المؤمن، هو اتّباع النبيّ محمّد (ص) في رسالته التي بلّغها عن الله، مما يريد لعباده أن يأخذوا به ويلتزموه ويتَّبعوه في امتثال أوامره واجتناب معاصيه، وأنَّ ذلك هو الذي يؤدِّي إلى الحصول على محبَّة الله ورضاه عنه.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 18.
السيد محمد حسين فضل الله
--------------------------
[1]كنز العمَّال، المتَّقي الهندي، ص 129.
[2]بحار الأنوار، العلَّامة المجلسي، ج14، ص 330.
[3]وسائل الشّيعة، الحرّ العاملي، ج2، ص 118.
[4]ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج1، ص 504.