بالطبع، العقوبات الاقتصادية لا تؤثر فقط على البلد المستهدف، بل هناك عواقب عالمية للدول التي لطالما عملت على تقليل الحواجز أمام التجارة الدولية. من بين التداعيات الأخرى لهذه الحرب، كان هناك تقلب في أسواق الأسهم، وتم إغلاق بورصة موسكو تمامًا لمنع الانهيار الكامل. اذن فما الذي يجب على المستثمرين فعله لحماية محافظهم الاستثمارية؟
تأثير الحرب على النفط
ما يغيب عن العقوبات المفروضة على روسيا حتى الآن هو حظر استيراد النفط والغاز الطبيعي الروسي. لكن هذا الإغفال متعمد لأن أوروبا تعتمد بشدة على كليهما. من المؤكد أن العقوبات على الطاقة الروسية ستكون مؤلمة لروسيا، لكنها ستؤدي أيضًا إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي لبقية العالم.
إذا تم تنفيذ مثل هذه العقوبات، فإن أكبر العملاء الأوروبيين لروسيا، أي ألمانيا وهولندا وإيطاليا وبولندا وليتوانيا وفنلندا واليونان وبلغاريا ورومانيا، سيجدون أنفسهم في وضع غير مستقر من حيث الطاقة. حيث سيكون لانقطاع العرض عواقب لا يمكن التنبؤ بها، وربما تؤدي إلى صعوبات في تلبية الاحتياجات الأساسية مثل تدفئة المنازل.
العقوبات على النفط والغاز الطبيعي الروسي ليست مطروحة على الطاولة، لكن الوضع المتصاعد في أوكرانيا قد يتطلب هذه الخطوة الإضافية. والى أن يحين ذلك، بدأ العالم يشهد تغيرات اقتصادية قد تقلب الاقتصاد رأسا على عقب. في الولايات المتحدة على سبيل المثال، وصلت أسعار النفط إلى أعلى مستوى لها خلال 14 عامًا.[1]
تأثير الحرب على أسواق الأسهم
لقد خلقت الحرب بين روسيا و أكرانيا ورد فعل العالم عليها ديناميكية غير عادية. تعتبر روسيا بشكل عام قوية من الناحية العسكرية ولكنها أقل قوة من منظور اقتصادي. في محاولة لتجنب الصراع المسلح، ترد الدول الغربية على روسيا من خلال الإجراءات الاقتصادية بينما تبتعد عن أي شيء قد يدفع منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى حرب شاملة. لكن هذه العقوبات الاقتصادية التي تم فرضها لا تخلو من العيوب.
إن الاقتصاد العالمي متشابك بشدة، وهذا الترابط يعني أن الإضرار باقتصاد دولة ما سيؤثر أيضا على الآخرين. ما حدث عقب هذه الحرب هو ردود الفعل السلبية التي قدمتها أسواق الأسهم العالمية في وجه ارتفاع أسعار النفط والتغيرات الاقتصادية الأخرى.
أين تستثمر أموالك وقت الحرب والأزمات؟
1.النفط والطاقة: تتمثل الخطوة الأولى لتأمين محفظتك في وقت كهذه في البحث عن خيارات للاستثمار في النفط والطاقة، بكونها تعتبر من بين أفضل استثمار وقت الحرب. الخيار الأكثر وضوحا هو الاستثمار المباشر في مخزون النفط والطاقة.
من المنطقي الاستثمار في شركات النفط التي تتزايد أرباحها نتيجة لارتفاع أسعار النفط، وايضا شركات الطاقة النظيفة التي لها أرباح مذهلة تلوح في الأفق ومسار نمو واعد وسعر منخفض نسبيًا للأسهم.
2.البلاديوم: عندما تلوح تقلبات سوق الأسهم في الأفق ويكون هناك احتمال حدوث ركود كبير، يتجه المستثمرون غالبًا نحو الأصول الأكثر استقرارًا. تعتبر السندات خيارًا شائعًا، تليها المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة. لكن في ظل هذه الظروف، فإن المستثمرين الذين يرغبون في زيادة التعرض للمعادن الثمينة هم أفضل حالًا مع الأصول المرتبطة بالبلاديوم، فمن المحتمل أن ترتفع أسعاره بشكل كبير.
إن أبسط طريقة للاستثمار في البلاديوم هي من خلال صناديق الاستثمار المتداولة التي تتعقب سبائك البلاديوم، بحيث يمكنك الحصول على فوائد استثمار البلاديوم دون التحديات اللوجستية لشراء وتخزين المعادن المادية. هناك أيضًا خيار شراء أسهم في الشركات التي تنتج أو تتاجر بالبلاديوم. من المهم ملاحظة أن معظم هذه الشركات تعمل مع معادن ثمينة متعددة، لذلك لا يمكن اعتبارها مخزونًا نقيًا من البلاديوم.
3.الأسهم: هناك عدد من الصناعات التي تعمل بشكل جيد في ظل مجموعة الظروف الحالية. فهناك مجموعة من المواد الاستهلاكية الأساسية مقاومة للركود، والتي لا تعاني يعانون كثيرًا عندما تنخفض سوق الأسهم لأنها تشكل ضرورة بالنسبة للمستهلكين.
قرر بعض المستثمرين أيضا أن الوقت قد حان لاحتضان أسهم شركة وارين بافيت في Berkshire Hathaway، حيث نجت أساليبه من الصعود والهبوط الاقتصادي لعقود. تمتلك شركة Berkshire Hathaway بالفعل مناصب في قطاعات الطاقة والمال والسلع الاستهلاكية والتي تحقق عوائد ثابتة بغض النظر عن تقلبات السوق. والأفضل من ذلك، أن حصة واحدة من Berkshire Hathaway تقدم نفس النوع من التنويع مثل الصندوق المشترك أو ETF، حيث يمثل كل سهم ملكية عشرات الأصول.
4.صناديق الاستثمار المتداولة : من الصعب إنشاء القدر المناسب من التنويع بدون مبالغ كبيرة من المال، فشراء أسهم في مجموعة متنوعة من الشركات وخلق توازن بين القطاعات والمناطق الجغرافية والقيمة السوقية وما إلى ذلك أمر مكلف جدا. لذا فتعتبر الصناديق المتداولة في البورصة (ETFs) بديلاً فعالاً.
ما الأسهم التي يجب علي التخلص منها؟
نظرًا لأنك تعيد تنظيم محفظتك استجابةً للتغييرات الناجمة عن الحرب، فإن الأسهم في بعض الصناعات تعتبر بيعًا مؤكدًا.
لسوء الحظ، من المحتمل ألا تشهد صناعة السفر بشكل عام وصناعة الطيران على وجه الخصوص التعافي الذي كانوا يتوقعونه بعد COVID. كما ستؤدي أسعار الوقود المتزايدة إلى خفض الأرباح، ومن الممكن أيضا أن يعيد المسافرون التفكير في خططهم في ضوء الأزمة الحالية في أوروبا.
تواجه صناعة السيارات تحديات على جبهات متعددة هي الأخرى. أولاً، يميل المستهلكون إلى تأخير شراء السيارات في أوقات عدم اليقين الاقتصادي. ثانيًا، ارتفاع أسعار النفط يعني انخفاض الطلب على السيارات. ثالثًا، سيؤدي انقطاع إمدادات البلاديوم إلى إحداث فوضى على مستوى الصناعة. بشكل عام، من المحتمل أن يكون بيع أسهم السيارات خطوة ذكية.
وتغيب بشكل ملحوظ عن قائمة أفضل استثمار في وقت الحرب هذه الأسهم والصناديق التي تركز على الشركات الروسية.
كيف ستتأثر الأسواق إذا استمرت الحرب لفترة أطول؟
من الصعب أن نحدد بالضبط كيف ستتأثر الأسواق إذا استمرت الحرب لفترة أطول نظرًا لوجود العديد من العوامل التي قد تؤثر على الوضع. من المرجح أن تدفع العقوبات الإضافية ضد روسيا، خاصة إذا كانت مرتبطة بإنتاج الطاقة، أسعار النفط الى الأعلى، مما سيؤدي إلى تضخيم تقلبات السوق الموجودة بالفعل. هناك احتمال أيضا أن تدفع الزيادة الكبيرة والمفاجئة في أسعار النفط الولايات المتحدة إلى الركود، على الرغم من أن خطر الركود في الوقت الحالي أكثر خطورة في أوروبا.
خلاصة القول هي أنه تاريخيًا، لا تستمر الأسواق في الانخفاض بعد الانخفاض الأولي، أي ذاك الذي شهدناه منذ بداية هذا العام. أي أنه بالرغم من طول الصراع، سواء شاركت الولايات المتحدة في المعركة الفعلية أم لا، فلا تزال هناك احتمالية كبيرة لتعافي سوق الأسهم واستمراره في النمو.
أفضل استثمار وقت الحرب في بلدك؟
في الحروب تصبح الإجابة، في الأغلب، واضحة وصريحة لسؤال المال والنفس، ألا وهي الهرب، حيث الاستثمار الأمثل للمال وقت الحرب هو أن تهرب أنت وأموالك خارج البلاد، تبيع ما يمكنك أن تبيعه وتتخلص من العملة المحلية وتسحب أموالك ما استطعت من البنوك وتأخذ ما تبقى في يد وبيدك الأخرى أهلك وتخرج بلا رجعة محتملة.
مثل هذه الإجابة هي من الصواب اقتصاديًا بمكان، ولكن السؤال: هل توجد هناك فرصة أو إمكانية لهؤلاء الذين قرروا البقاء في استثمار أموالهم بالداخل وقت الحرب؟
1. تخلص من السيولة النقدية
أسوأ ما يمكن أن تمتلكه في وقت الأزمة بعد الاستثمارات الخطرة هي النقود (cash) والأسوأ منها النقود بالبنوك. سحب الأموال هو بالتأكيد سلوك أناني وضار من وجهة نظر الدولة، وسيتضاعف أثره السلبي بتزايد الممارسين له.
أول رد فعل اقتصادي يحدث قبيل حدوث أزمة في بلد ما هو انسحاب رأس المال، لا نتحدث عن الآلاف التي تمتلكها في حسابك ولكن نتكلم عن المليارات التي يمتلكها المستثمرون الذين يتحركون أولًا ويتحركون بسرعة لإنقاذ أموالهم من البلاد بسحبها من أرصدتهم أو تحويلها إلى عملة أجنبية، مما يتولد عنه بدايات انهيار قيمة العملة الذي يحدث في حلقة متتابعة (chain effect) توقفها الدولة في لحظة ما بمنع أو وضع قيود على سحب وتحويل الأموال وكذلك شراء العملات الأجنبية.
فإذا كان حظك جيدًا، ستتخلص من العملة المحلية قدر إمكانك، وإن لم تدرك ذلك فالدرس والقاعدة الأولى في خطتك للاستثمار وقت الحرب، أن لا تستبقي سيولة مالية في جيبك.
2. الحل التقليدي: شراء الذهب
على بساطته، فإنه فعلًا أحد أصوب الحلول في أوقات الأزمات الاقتصادية والحروب، لكن لماذا يعتبر الذهب حلًا مثاليًا؟
الذهب، وعلى شاكلته جميع المعادن النفيسة التي يمكن شراؤها مثل الفضة والألماس والمجوهرات بشكل عام، يعتبر أداة اقتصادية مضادة للأزمات والتقلبات الاقتصادية، وتمثل قيمته العالمية حاجز أمان مادي لمن يمتلكه وقت الحرب، بل في كثير من الأحيان يعتبر أفضل استثمار لما بعد انقضاء الأزمة.
وتعتبر المشكلة الرئيسية في حلول الذهب (وبدائله الأخرى) هي إمكانية تأمينها وإخفائها أو نقلها، فاعتبارات الأمان في بلد تشتعل بالحرب تصل لأقل درجاتها، وترتفع فرص السرقة والنهب والإتلاف للممتلكات.
3. تملك الأصول
هي إحدى أوجه الاستثمار التي يجب أن تمارسها بحذر. تتميز الأصول باحتفاظها بقيمتها الأصلية مع الوقت، لذا تعتبر في الأصل استثمارًا آمنًا لا يتأثر بتدهور الحالة الاقتصادية بالبلاد.
من أفضل الاختيارات في هذة الحالة بالتأكيد هو شراء الأراضي الفضاء المرخصة للبناء، ثم الأراضي الزراعية، وأخيرًا الأبنية.
وتأتي مخاطر مثل هذا الاستثمار أولًا على الأبنية، التي تكون عرضة للهدم تحت ضرب النيران والقصف، ثانيًا احتمالية سرقة المزروعات أو تعرض الأرض للتخريب والإحراق كذلك إذا وقعت داخل دائرة الاشتباكات، وآخر المخاطر يكون في فرصة ضياع حقوق الملكية تمامًا واستحواذ الدولة أو تأميمها للملكيات الخاصة.
لذا يجب أن يكون اتجاهك لمثل هذا الاستثمار طويل الأمد، مبنيًا على اختيار مناسب يستغل التدني المهول في أسعار الأراضي ويتجنب مخاطر تلف وضياع الملكية.
يمكن أن تضم كذلك إلى تصنيف الأصول بعض البدائل غير التقليدية، مثل شراء الماشية، السيارات، الترخيصات التجارية، وحقوق الملكية.
4. تجارة المواد الأولية
أما اذا وجدت نفسك مضطرًا لإحدى الحلول التجارية التي يمكنها أن توفر لعائلتك الدخل الشهري الأساسي، فالزم تجارة المواد الأساسية والأولية.
بطبيعة الحال، فإن أول ردة فعل لحالة الحرب هي تنازل الأفراد عن احتياجاتهم الثانوية، وتوقف أنشطة الخدمات وانهيار تجارة الكماليات والرفاهيات تحت ضغط نقص السيولة النقدية وانخفاض معدلات الاستهلاك؛ فتنحصر التجارة الأكثر أمنًا في المواد الغذائية، الوقود، والمستلزمات اليومية.
ونستخدم هنا القاعدة الأصلية (عدم الاحتفاظ بسيولة نقدية) كاستراتيجية رئيسية في ممارس البيع والشراء، فلا تبع بالآجل وحاول تقليص مدد التخزين.
ستظل مخاطر التضخم المالي وانهيار العملة تلاحقك طوال الوقت طالما احتفظت بأموال التجارة بين يديك، يجب أن تكون دورات الشراء والبيع قصيرة قدر الإمكان حيث استهلاك الناس أقل من المعتاد وارتفاع أسعار السلع يسبقك دائمًا بخطوة؛ افتح ثلاثة متاجر صغيرة أفضل من واحد كبير، واشترِ في اليوم الذي تبيع فيه ولا تنتظر الغد.
5. هل البورصة حل مطروح؟
من حيث المبدأ، نعم، هناك مجال في الاستثمار الآمن في أسهم وسندات البورصة؛ اللجوء لأسهم الشركات الخاصة المحلية يعتبر بالتأكيد بمثابة انتحار وإهلاك لمالك، ولكن اختيار أسهم لبنوك حكومية مساهمة أو شركات موردة لمواد أولية يمكن أن يكون استثمارًا أفضل.
ويعتبر شراء السندات الحكومية هو الاختيار الأكثر أمانًا على الإطلاق في البورصة ولكن هو كذلك الأقل ربحًا، إذ إن الحكومات تعتبر الجهة الأكثر ثقة في السوق المالي، والتي يضمن المستثمر استرداد قيمة السند لديها حتى مع تدهور الاقتصاد؛ بالتأكيد هذا مبدأ عام، إذا كنا نتحدث عن بورصة نشطة بالأصل ودولة لديها رصيد من الثقة.
6. استثمر في البشر!
هذا هو المنفذ الأخير، الذي لا يصح تجاهله كحل اقتصادي متاح.
أن تستثمر في تعليم أبنائك بشراء وسيلة أو درس تعليمي للغة أو مهارة أو حرفة جديدة لهم، أو تأمين فرصة سفر للخارج، أو الإنفاق الصحي عليهم، أو حتى إقراض الأفراد من أهل الثقة الذين تضمن أن يردوا إليك القرض بقيمته الأصلية وقت احتياجك له.