حيث باتت مناطق واسعة من الغوطة الشرقية والغوطة الغربية خارجةً عن سيطرة الحكومة، وكانت المناطق الوسطى تقترب من الأزمة في كل لحظة. والإرهابيون الذين قدموا أنفسهم على أنهم ثوار، كانوا يحسبون الأيام والدقائق لسقوط العاصمة، وحتى نشرت أخبارا حول تشكيل حكومة مؤقتة من قبلهم.
كما استطاع الإرهابيون، الذين كانوا مدعومين بدولارات الأنظمة العربية والأسلحة الإسرائيلية والدعم اللوجستي والاستخباراتي التركي، التقدم نحو القصر الرئاسي. وكان الوضع حيث لم يعتقد حتى أكثر المراقبين تفاؤلاً أن حكومة بشار الأسد يمكن أن تنهض من جديد.
وإضافة إلي القضاء علي الحكومة السورية، كان الإرهابيون يحلمون بتدمير المزارات الدينية المقدسة للشيعة، وحتى كانوا يريدون إزالة الشيعة في سوريا.
وفي مثل هذه البيئة والظروف، فإن الدخول في المعركة مع الإرهابيين الذين لا يملكون أي إحساس بالإنسانية، يتطلب شجاعة الأسود. لكن كان هناك الكثير من الرجال الأسود الذين كانوا مستعدين بفارغ الصبر للتضحية بحياتهم للدفاع عن المراقد والعتبات المقدسة، وكانوا ينتظرون إشارةً من القائد فقط.
لا شك أن مصير الحرب السورية مرتبط باسم اللواء الشهيد حسين همداني. بطل من أرض إيران، عرفه السوريون باسم "أبو وهب".
إنه عبقري في الحروب غير المتوازنة، وثوري استطاع حشد وتنظيم الشعب السوري بجهد كبير إلى جانب قوى المقاومة، لمواجهة أكبر مؤامرة إرهابية في التاريخ ضد دول المنطقة؛ وسميت هذه القوات بقوات الدفاع الوطني. وبوجوده كان الحاج قاسم أكثر اطمئناناً من ساحة المعركة في سوريا.
يصف الشهيد همداني كيفية ذهابه إلي الجبهة السورية على النحو التالي: "تم استدعائي من قبل اللواء جعفري (القائد السابق للحرس الثوري الإيراني). ذهبت إليه، وبعد أن قدمت له تقريرًا عن أوضاع الحرس الثوري في طهران، قال: هل تذهب إلى سوريا؟ حسنًا، الكثير من الناس كانوا يريدون الذهاب إلى سوريا. صمت قليلاً وقلت: لماذا أذهب؟ وبأي صفة أذهب؟ فقال: الجيش السوري والنظام طلبا المساعدة. إذهب كقائد وساعدهم! كما قال اللواء قاسم سليماني أيضًا إنك مناسب لهذه المهمة."
ويضيف اللواء همداني: "وبما أنه كان لدي دافع كبير للذهاب إلي سوريا والدفاع عن ضريح السيدة زينب والسيدة رقية (عليهما السلام)، فقد قدمت إجابةً إيجابيةً على الفور. لم أقل إطلاقاً إنني سأفكر وأجيب لاحقاً، بل أعطيت إجابةً إيجابيةً على الفور، فاتصل باللواء سليماني وقال إن فلاناً موافق".
كما قيل، وقت إعلان ذهاب اللواء همداني إلي سوريا، لم يكن وضع الحرب مزاتياً على الإطلاق لحكومة بشار الأسد. حيث كان القصر الرئاسي على وشك الانهيار، وترددت شائعات إعلامية عربية حول مقتل بشار الأسد وحتى هروبه، من أجل إضعاف الروح المعنوية للمدافعين عن المدينة. وفي مثل هذا الوضع وبمبادرته الكبيرة، تمكن اللواء همداني من تغيير المعادلة.
يحدد الشهيد همداني طريقة عرض هذا الاقتراح على بشار الأسد على النحو التالي: "في آذار (مارس) 2012، كان الإرهابيون قريبين جدًا من نقطة النصر، وبدعم كامل من السعودية وقطر والإمارات والدول الغربية، تمكنوا من تضييق الخناق والاقتراب من القصر الرئاسي السوري في دمشق، ليحتلوا القصر قريباً. كان الوضع صعبًا جدًا في تلك الليلة، وبالطبع أرسلنا العائلات إلى أماكن آمنة، واعتقد بشار الأسد أيضًا أن العمل قد انتهى."
ويتابع: "في آخر عرض قُدِّم لبشار الأسد في تلك الليلة، قلت: الآن وبعد أن انتهى كل شيء والقصر الرئاسي على وشك السقوط، يجب أن تنفذ عرضنا الأخير. قال: وماذا نفعل؟ قلت: دعونا نفتح أبواب المخازن ونسلح الناس بالسلاح الموجود بها، حتى يتمكن الناس أنفسهم من إيقاف هؤلاء الإرهابيين."
كما لعب الحاج حسين دورًا مهمًا في منع الإرهابيين من مهاجمة العتبات المقدسة للسيدة زينب والسيدة رقية (عليهما السلام).
يقول "السيد محمد ميري" أحد الخدم الإيرانيين في مرقد السيدة رقية (عليها السلام) في هذا الصدد: "بالقرب من مرقد السيدة زينب(عليها السلام)، هناك ساحة تسمى ساحة الحجيرة. هناك، كان أعضاء داعش يلعبون كرة القدم برؤوس مقطوعة لإثارة الرعب. في ليلة تاسوعاء، كان لدينا برنامج في المرقد. في تلك الليلة، قال الحاج حسين همداني: نريد أن نذهب إلى مكان جيد الليلة. قلت: أينما نذهب سيكون جيداً، وسآتي معك."
ويضيف: "ذهبنا إلى ضريح السيدة زينب(عليها السلام) وساحة الحجيرة. وعلى الطريق، كان هناك إطلاق نار مكثف، وأصوات الأعيرة النارية وقذائف الهاون كانت تُسمع في مناطق متفرقة من منطقة الزينبية. وبعد بضع دقائق، أدركت أنه سيتم تنفيذ عملية، وسوف يتم تمشيط ساحة الحجيرة.
ويتابع السيد محمد ميري: والأصعب على الإطلاق كانت الجثث التي قطعها داعش، وكان يلعب برؤوسها. ولما وصلنا إلى مرقد السيدة زينب(عليها السلام) وانتهت المراسم، أعلنوا العملية. بدأت العملية في الساعة الواحدة صباحًا، وقد تمت هذه العملية بقيادة جيدة، ونُفذت حيث تم تطهير المنطقة من داعش بالتزامن مع آذان الصبح."
أستشهد الحاج حسين همداني أخيرًا في 16 تشرين الأول 2015، وهو في طريقه إلى محافظة حماة جنوب شرق حلب أثناء قيامه بعملية استشارية، بعد الكثير من الكفاح، وترك إرثًا كبيرًا للسوريين في الحرب ضد الإرهاب.
وقال المرشد الأعلى للثورة في إيران حينها في جزء من رسالته بمناسبة استشهاد اللواء همداني: "هذا المحارب القديم والصادق المجتهد، قضى شبابه الطاهر والمتعبد في جبهات الشرف والكرامة، دفاعاً عن الوطن الإسلامي ونظام الجمهورية الإسلامية، وقضى آخر مراحل حياته المباركة ووجهه المشرق في الدفاع عن مراقد أهل البيت (عليهم السلام) ومواجهة الأشقياء التكفيريين والمناهضين للإسلام، وفي هذه الجبهة المباركة حقق رغبته وهي الموت في سبيل الله وفي معركة الجهاد في سبيل الله، فطوبي له وحسن مآب."