على أن الإسرائيليون يعرفون جيداً أن أي من هذه الاغتيالات لا تؤدي إلى إنهاء ظاهرة المقاومة بل إن القادة الذي تتم تصفيتهم يتم استبدالهم بقادة أكثر تأثيرًا، وهو الحال مع تصفيات قادة المقاومة في لبنان.
المراسل العسكري الإسرائيلي ألون بن ديفيد في مقالة له في صحيفة معاريف يجزم أن سياسة الاغتيالات "لا تؤدي إلى إنهاء ظاهرة قيادات المقاومة والنشطاء الفلسطينيين “بل إلى استبدال آخرين بهم"، وأنها قد تقود إلى نتائج عكسية وإلى "تغذية دوامة الدم والعنف وتوسيعها" في الإشارة إلى ردّ المقاومة على اغتيال قادتها. والجدير ذكره، أن هذه الاغتيالات الثلاثة تزامنت مع حملات انتخابية، وليس معلومًا في أروقة القرار السياسي الإسرائيلي، ما هي الأطر والدوائر التي يستخدمها الرؤساء الإسرائيليون، لإصدار قرارات ليس لها جدوى سوى تعزيز حظوظهم الانتخابية. على أنها غالبًا ما تنتهي بتعزيز قدرة وقوة المقاومة.
الرئيس السابق لقسم الأبحاث الاستراتيجية والسياسات في الجيش الإسرائيلي بنحاس يحزقيلي يرى أن الدول تلجأ إلى سياسات الاغتيالات ضد جهات تعتبرها (إرهابية) لتحقيق عدة أهداف تتراوح بين أغراض عسكرية بحتة مثل الردع ومنع تنفيذ عملية وشيكة أو ما يوصف إسرائيليا بالقنبلة الموقوتة، وصولًا إلى أغراض معنوية مثل رفع معنويات الجمهور والانتقام والرد على عملية موجعة، ثم يقرّ يحزقيلي في تلخيصه حول الأهداف من وراء سياسة الاغتيالات، أنها لن تنهي ظاهرة (الإرهاب) وإنما، وفي أحسن الحالات، وعندما يكون هدف الاغتيال شخصية مركزية في شبكة يعتمد وجودها على هذه الشخصية، أكثر ما يمكن أن يحصل هو "إدخال (المقاومة) في حالة من الفوضى لفترة من الزمن" قبل أن تستعيد عافيتها، وربما "على نحو أكثر عنفًا" كما حدث مع اغتيال السيد عباس موسوي، أمين عام حزب الله السابق، الذي خلفه السيد حسن نصر الله والذي "حول الحزب من جماعة صغيرة إلى جيش منظم" كما يصفه ألون بن دافيد، او كما في حالة الدكتور فتحي الشقاقي الذي لم يمنع اغتياله من تحوّل التنظيم الذي أسّسه إلى قوة أكثر تهديدًا لأمن الكيان.
في سلسلة من 4 حلقات عرضتها القناة 13 العبرية حول تأريخ سياسة الاغتيالات وجدواها، أوردت أن الكيان هو "الدولة الوحيدة في الغرب التي يأمر فيها رئيس الحكومة بإعدام شخص دون أن يعود لأحد أو أن تشرف على قراره لجنة رقابية برلمانية". وفي السياق تحدثت السلسلة عن سعار "يد إسرائيل الطويلة" الذي قامت عليه الاغتيالات منذ العام 1972 حين قررت رئيسة حكومة إسرائيل غولدا مائير ملاحقة واغتيال منفذي عملية ميونيخ التي نفذتها منظمة أيلول الأسود التابعة لحركة فتح ضد رياضيين صهاينة كانوا يشاركون في الأولمبياد في ألمانيا. لتتواصل بعدها عمليات الاغتيال والتصفية وتطال أدباء مثل غسان كنفاني وقادة أمنيين مثل أبو علي حسن سلامة وأمناء عامين مثل الشقاقي وعباس موسوي ومفكرين وقادة سياسيين في أصقاع الأرض المختلفة. وتنتهي السلسلة بأن هذه الاغتيالات لم تكن إلا ولّادة لقادة جدد هم أكثر تأثيرًا وزخمًا. بالإضافة إلى أنها تشكل ضررًا على صورة الكيان أمام الرأي العالمي.
وبحسب تقرير أعده مركز مدار المتخصص في الشأن الإسرائيلي تحت عنوان: "سياسة الاغتيالات الإسرائيلية: الأداة الأقل جدوى والأكثر استخداماً"، يرى الكاتب أن سياسة الاغتيالات أخذت بعدًا جديدًا أكثر كثافةً وتركيزًا مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في العام 2000 حيث "تحولت إلى سياسة ممنهجة وعلنية. وأحصى خمسين عملية اغتيال عن بعد عبر استخدام الطائرات والمروحيات في عام واحد (2005) وهو ما يكشف عن الوتيرة الكبيرة التي تم استخدام هذا الأسلوب فيها ضد المقاتلين الفلسطينيين في هذه الموجة التي اعتبرت الأعنف منذ احتلال العام 1967 داخل الأراضي المحتلة.
وبحسب التقرير، تميزت الاغتيالات في فترة الانتفاضة الثانية ليس بكونها أكثر كثافة، بل بكونها أصبحت بديلًا مريحًا عن الاعتقال وكمحاولة تقديم المشتبه به إلى المحاكمة، كما أنها طالت عناصر وجهات ميدانية غير مركزية لا يترك غيابها الفردي (بحد ذاتها) أي أثر جدي على الواقع السياسي والأمني.
وأورد التقرير تحليلًا للدكتورة رونيت مرزن، المستشرقة والمحاضرة في جامعة حيفا، تقول إن "الاعتبارات تتداخل" ولا أحد يمكن أن يضمن أن لا "يدخل عامل الرغبة في الإذلال القومي والانتقام" لدى متخذ القرار الذي لا يمكن إلزامه بهذه المعايير في ظل غياب الرقابة التي يقابلها "ضغط الجمهور" الذي يريد أن يرى نتائج. وتقترح إضافة ثلاثة أسئلة للمعايير السابقة، وأنه فقط في حال الإجابة عليها بشكل إيجابي يمكن اللجوء إلى اغتيال الشخص وهي: هل غياب هذا الشخص سيؤدي إلى إحداث ضرر لا يمكن إصلاحه للمنظومة التي يقودها؟ وهل سيزيد غيابه من فرص التقدم في المسار السياسي؟ والأهم، هل من سيحل مكانه معتدل أكثر منه أم لا؟ إن تجربة السنوات الماضية تثبت ليس فقط أن هذه الأسئلة لم تطرح، بل ان النتائج جاءت عكسية في الكثير من الحالات.