بعد قرون طويلة، أكلها رجال من بدو الصحراء، فأولدوا جيلاً نشأ على كره أهل البيت عليهم السلام.
مضى ركب الحسين في طريقه. مسافرٌ من بعيد يحث خطاه قادماً من الكوفة. سأله الحسين عن خبرها، أجابه بأن القلوب معك والسيوف مع بني أمية. ما أصدق هذا الشاعر في قوله. مأ أشد فطنته ونظرته.
قلوبهم معك وسيوفهم عليك. خبر يفلّ الحديد، يُسقط قلب الشجاع في جوفه، يفتت الجمع جراداً مذعوراً. لكن الحسين لم يغيّر مساره. لم تنقص همّته. لا حاجة للحسين بكم. أنتم كمن يضرب بالسيف رأسه. قلوبٌ لا تمسك السيوف، خوّانة. وسيفٌ لا يُشهره القلب، قصبة.
في المسير الى كربلاء، يكون القلبُ هو الخطوة الراجلة، هو الضربة القاتلة، هو نصل السيف وقبضته. إنما يُعرفُ قلب الرجل بسيفه. كاذبٌ هذا الحبُ المشلول. مسخٌ مشوّه من لا يتبع سيفُه قلبه.
لا يريد الحسين جباناً في جيشه. يلفظه الركب بعيداً، يطوّحه الجواد من ظهره، يرميه الجمل من سنامه. فخيول هاشم مُسرجة لمنْ يجمع قلبه بسيفه.
كونوا جمعاً أو جموع الأرض كلهم، فلا حاجة للحسين بكم وأنتم بقلوب تخاف السيوف. لن ينخدع ابن الرسول بأقوالكم وكتبكم، لقد جاء قاصداً إحياء الدين، فلم تبق سوى أيام قليلة ويندثر أثر الإسلام وتضيع سُنّة محمد.
خطواته الواثقة تقطع الصحراء. وقع أقدامه كأنه زلزلة يوم القيامة. نظرات عينيه نور الحق المنبعث من أعلى عليين لآخر الكون. وأنفاسه عطر الجنان ونسمة الحياة.
خبر وراء خبر. إرجع يا ابن رسول الله، لقد قتلوا مسلم بن عقيل. خذله أهل الكوفة فقُتل وحيداً. إرجع يا حسين فلا نصير لك بالكوفة، وستجد الرماح مسنونة نحو صدرك.
لن تثنيه الأخبار. لن يخيفه الموت. لن تكسره الخيانة. إنه الحسين سيد الدنيا وجنان الآخرة، مُحيي الشريعة الغرّاء، وناصر دين الله في العالمين. وحده جيش جرّار، وسيفه كتيبة فرسان، وقلبه قلب أبيه، فهل يخشى بعد ذلك جموع بني أمية وسيوفهم؟
أيترك دين جده محتضراً يموت، فلا ينصره؟ إنه الحسين أيها الناس. إنه الحسين أيتها الدنيا. يمضي بخطاه نحو كربلاء، فهناك سيُحيي الدين والسنّة.
سليم الحسني