لا جدل بأن أي حوار بين دول المنطقة من اجل التوصل الى حلول يعود بالنفع على هذه الدول ومن لا يرغب بهذا لا يريد خيرا ويضمر سوءا بأهلها، وقد اعلنت ايران على لسان وزير خارجيتها حسين امير عبداللهيان قبل اسابيع من الآن ترحيبها باعادة فتح السفارة السعودية في طهران كما تردد، وكذلك عودة السفير الاماراتي كما تحدثت الأوساط الدبلوماسية، لأن طهران تتبع سياسة تحسين وتفعيل العلاقات مع الجوار لانتفاع أهل المنطقة ولقطع الطريق امام طابور الصيادين في الماء العكر، وما أكثرهم.
الخطوة السعودية الجديدة هذه وعبر الوسيط العراقي جاءت بعد زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن الى السعودية سعيا لأخذ وانتزاع عدة أشياء ونقاط من السعوديين مثل الانخراط في التحالف العسكري المزعوم مع الكيان الصهيوني، وضخ الكميات الضخمة من النفط وباسعار رخيصة، والوقوف الى جانب اميركا والغرب ضد روسيا في الاصطفاف العالمي الراهن، وقد قالها الاميركيون انهم لايريدون ترك فراغ في المنطقة تملأها روسيا والصين.
وتلقى الاميركيون الجواب السعودي عبر الاتصال الهاتفي بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث بحث الجانبان التعاون النفطي في اطار منظمة اوبك بلاس والوضع في سوريا والتعاون التجاري والاقتصادي وهذا يعني ضرب مقولة العقوبات الغربية على روسيا بعرض الحائط.
ان التعامل السعودي والاماراتي مع المطالب النفطية الاميركية والغربية كان واضحا بعد الازمة الاوكرانية كما ان البلدين لم ينجرا انجرارا اعمى خلف الغرب لمعاداة روسيا، والان وفي ذروة التصفيق الاميركي الصهيوني حول فتح الأجواء السعودية أمام الطائرات الصهيونية، تبادر السعودية الى فتح قنوات الاتصال الدبلوماسي مع ايران وتنسق مع روسيا، ما يعني ان المسؤولين السعوديين قرروا ايجاد توازن في علاقاتهم الخارجية والخروج من التبعية المطلقة لاميركا وهم يبحثون عن مصالح السعودية ويريدون انهاء عهد التضحية بالمصالح السعودية كرمى لعيون الآخرين، حيث بددت تلك السياسة في الماضي، ثرواتهم وادخلتهم في حروب خاسرة ومواجهة اقليمية باهظة التكلفة، واعتبرهم الاميركيون والغربيون مجرد بيادق يضعونهم في الموضع التي تناسب المصالح الاميركية مع نعت السعوديين بالبقر الحلوب والدولة المنبوذة، وما سوى ذلك من تسميات اميركية لأقرب حليف.
ان كان توجه الرياض الان نحو ايجاد مثل هذا التوازن في علاقاتها الدولية والاقليمية فهذه بداية مرحلة جديدة للتعامل السعودي مع الاقليم الذي تقع فيه، وهذا بالطبع أفضل من التبعية البحتة لما ترسمه دوائر القرار الغربي لكن في هذا الصدد ايضا هناك نقاط ينبغي الالتفات اليها، ومنها:
- ان التساوي بين الجوار الاسلامي وبين الصهاينة والغرب خطأ استراتيجي ايضا وله مردود لا يقل خطورة عن معاداة الجوار الاسلامي.
- البحث عن تحسين العلاقات مع ايران امر ايجابي لكلا البلدين لكن مجرد الاكتفاء بهذا القدر وعدم مداواة الجرح اليمني النازف يبقي هذا الجرح مفتوحا ومن المستحيل ان تستقيم الامور في هذه المنطقة الا مع رفع الظلم والعدوان عن الشعب اليمني، فالامور مرتبطة ومتلاصقة ولا سبيل سوى هذا السبيل.
- الذهاب الى ايجاد توازن في العلاقات الخارجية السعودية والذي ينبع من الشعور بأن الفترة الماضية أهدرت قدرات السعودية ومكانتها، ينبغي ان يشمل اعادة الامور الى مجاريها وتصحيح الخطأ التاريخي بمعاقبة الشعب اللبناني اقتصاديا ومحاصرته لضرب تمسكه بمقاومته، فكما يشخّص السعوديون مصالحهم ويبحثون عنها، يشخّص اللبنانيون ايضا مصالحهم ويبحثون عنها ويدافعون.
- ان عدم اهدار نتائج 5 جولات من المفاوضات السرية بين البلدين في العراق وكذلك نتائج فتح القنوات الدبلوماسية العلنية يتطلب الذهاب نحو تخفيف الضغط غير المبرر على حلفاء ايران في محور المقاومة وكذلك افهام الاطراف الغربية والصهيونية بأن دول هذا الاقليم هم ضد سياسة ممارسة الحظر والعقوبات والتجويع والتثوير بحق أي دولة وشعب في المنطقة لأن المصائر مترابطة.
- الرد السعودي على الازدراء الاميركي للرياض، عبر انتظار مجيء الرئيس الاميركي الى جدة بحثا عن دعم ووقوف سعودي مع واشنطن واشادته بالسياسات السعودية ومن ثم مفاجئة السعوديين للاميركيين بعد رحيل بايدن بعدم رفع انتاج النفط والتنسيق مع روسيا وفتح قنوات الاتصال الدبلوماسي العلني مع ايران، هو اذلال للامريكيين طبعا ولا خلاف حوله، لكن من الان فصاعدا فان اميركا ستبحث عن انتقام وينبغي التنبه لمخططاتها المستقبلية ايضا.
ولحسن الحظ فان الجانب الايراني يمتلك وعيا واسعا برهنت عنه مواقفه وتجاوبه مع الوساطات، وها هي سلطنة عمان ودولة قطر وجمهورية العراق وحتى تركيا (وجميعهم من الجوار الايراني) اختاروا التقارب من ايران والوساطة بينها وبين دول أخرى لعلمهم بحسن النوايا الايرانية وثواب سياساتها ومردودها الايجابي على كل المنطقة، فما تعاظم شأن ايران في المنطقة والعالم سوى نتيجة لثواب هذه السياسات.
بقلم: فريد عبدالله