أولاً، سبب التراجع، هو عدم توافر عناصر ومكونات، تشكيل مثل هذا الناتو. فالدول العربية غير موحدة على موقف، والخلافات تعصف فيما بينها. فالعراق والامارات قالا إنهما لن يكونا في تحالف ضد أي دولة في المنطقة. والعلاقات الايرانية القطرية، بحالة جيدة جداً، والاردن تتنصل من تصريحات الملك عبد الله حول تأييده تشكيل تحالف بالمنطقة وأعلن رئيس الوزراء بشر الخصاونة أن بلاده مستعدة لاقامة علاقات صحيحة مع طهران التي لا تشكل 'تهديداً' لبلاده. وسلطنة عمان والكويت، تربطهما بطهران علاقات مميزة وجيدة.
ويرجح الا تدخل السعودية في حلف عسكري وامني مباشر ورسمي مع "الاسرائيليين"، لسبيين الاول، توسيع مأزقها في اليمن، وابقاء جبهته النارية مفتوحة عليها، والثاني ان تحالفا معلنا ورسميا مع الاسرائيلي، سيفقدها، نسبيا، شرعيتها الدينية في العالم السني، باعتبار ان القضية الفلسطينية هي مقياس الحق ضد الباطل إسلامياً. والأرجح ان تكتفي المملكة، بابقاء العلاقات الكيان الصهيوني على حالها الحالي، خشية أن تسحب تركيا أو اندونيسيا أو أي دولة إسلامية أخرى تتوفر فيها شروط معينة، بساط هذه الشرعية من تحت أرجلها.
ثانياً، ان سياسة التحالفات في المنطقة اثبتت فشلها، فهذا هو التحالف الدولي ضد سوريا بقيادة عربية-امريكية، سقط وهزم. وهذا الواقع المماثل لتحالف العدوان ضد اليمن، وكذلك اثبت التحالف الرباعي السعودي المصري الاماراتي البحريني، فشله في محاصرة قطر.
ثالثاً: إن اقتصادات الدول العربية زجاجية هشة قابلة للانيهار مع اي حرب. فاي تحالف عسكري رسمي علني، مع "اسرائيل"، يقترب من تهديد الأمن القومي الايراني، يعني أن ايران لن تسكت وسترد، وهي اوصلت رسائل بهذ الخصوص الى الانظمة المطبعة مباشر وغير المباشر. واذا كانت الصواريخ والمسيرات اليمنية القليلة زلزلت اقتصاد المملكة السعودية والامارات, فكيف بالصواريخ والمسيرات الايرانية. واي تحالف عسكري امني يشكل خطراً على المنطقة سيجعل المشاريع الاقتصادية للدولتين المذكوريتن والقدرة بمئات مليارات الدولارات، في مجال الخطر المحدق.
أمام هذ الواقع العاجز عن انجاب تحالف، لا يبق امام بايدن الضعيف، الا هامش طلب زيادة كميات الانتاج النفطية لسد العجز الحاصل في السوق، وتعزيز العلاقات بين الاسرائيليين والأنظمة العربية المطبعة. والسؤال الى اي حد سيتجاب لمطلبه هذا؟
أيضاً سيحاول بايدن الدفع بإنشاء سوق مشتركة بالمنطقة تشمل السعودية و"إسرائيل" أيضاً.
لكن ما هو الثمن الذي يجب أن يدفعه الرئيس الأمريكي الضعيف مقابل مطالبه؟
من الواضح أن الزيارة والقمة، لم تكونا لتحصلا، لو لم يتم التأكد من ضمان نتائجهما النسبية.
لكن ما سيدفعه بايدن أكبر بكثير مما سيأخذه، فهو تعهد بجعل السعودية 'منبوذة' بعد جريمة قتل خاشقجي وانتهاكها حقوق الانسان في الداخل وعدوانها على اليمن، وها هو يعود صاغراً مجبراً اليها، ليفك العزلة بنفسه، عن ولي العهد محمد بن سلمان ويبارك له سلطته المطلقة في المملكة. ويبحث احتمال إلغاءِ الحظر على المبيعاتِ الأمريكيةِ للأسلحةِ الهجومية للسعودية وفقا لمسؤولين أمريكيين.مع العلم أن قرار الإلغاء بيد الكونغرس وليس بيده.
وفي الاتفاق النووي مع ايران، سيظهر حزماً دون لين، بعدم الموافقة على 'الشروط الايرانية'، من منطلق تلبية رغبات الرياض و"تل أبيب". وسيهدد بفرض المزيد من العقوبات عليها.
وهو يهدف من خلال ذلك، للحصول على رفع نسبة شعبيته وشعبيه حزبه الديموقراطي المنهارة، على أبواب الانتخابات النصفية للكونغرس.
أما الحديث عن أن الرئيس الامريكي سيقدم استراتيجيته لمنطقة غرب آسيا خلال القمة مع قادة دول عربية، فهو من باب العرض لا أكثر.. لأن السعودي والاسرائيلي يدركان انهما امام رئيس ضعيف، لا يمكن ان تُعقد معه صفقات. بل هما ينتظران وصول بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب، مجدداً الى سدة السلطة، للبحث في الاستراتيجيات الممكنة.
ولوحظ ان الدعوة الى القمة التي سيعقدها الرئيس الامريكي في الرياض مع قادة عرب، لم يُدع اليها لبنان، المتأزمة علاقته مع الاسرائيلي في قضية ترسيم الحدود البحرية، ولم تدع السلطة الفلسطينية، التي لن تبحث القمة موضوع حل الدولتين المحذوف من برنامج بايدن لا سيما من لقائه مع محمود عباس.. وهذا اللقاء هو من باب رفع العتب لا أكثر.
د. حكم أمهز
باحث في الشؤون الاقليمية والدولية