وكتبت مضاوي الرشيد في مقال لها نشرته في موقع "ميدل إيست أي" البريطاني:
تستخدم المملكة العربية السعودية التطبيع مع "إسرائيل" كورقة مساومة لاستعادة وضعها المميز في واشنطن. ومع الحرب في أوكرانيا والارتفاع العالمي في أسعار الطاقة، يخوض ولي العهد محمد بن سلمان مفاوضات من موقع قوي من الناحية الاقتصادية، ولكنه ضعيف من الناحيتين السياسية والعسكرية.
تشير الأخبار الأخيرة حول انعقاد محادثات جادة وسرية على مستويات عالية مع المسؤولين الإسرائيليين، إلى أن المملكة العربية السعودية على وشك الإعلان رسميا عن نجاح هذه المباحثات، ربما في أثناء الزيارة المتوقعة للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الرياض خلال الأسابيع القادمة.
تملك المملكة العربية السعودية أوراق ضغط اقتصادية كثيرة في هذه الحالة؛ ففي خضم النقص في الوقود وارتفاع أسعار النفط، يستغل ولي العهد موارد النفط السعودية التي بات الطلب عليها كبيرا. ومع أن الرياض كانت من قبل قد تجاهلت المطالبات الأمريكية بزيادة إنتاج النفط للتعويض عن فقدان النفط الروسي، إلا أن ولي العهد ما لبث مؤخرا أن استجاب للمناشدات بضخ المزيد من النفط – على الرغم من عدم وجود ما يشير حتى الآن، إلى أن ذلك ساهم في تخفيف الأزمة الناجمة عن النقص العالمي في الطاقة.
يعلم ابن سلمان أن النفط يمكن أن يستخدم كسلاح للضغط على إدارة بايدن من أجل تحسين صورته والتراجع عن سياسة الاشتباك الانتقائي، دون منحه اعترافا كاملا في واشنطن.
وبالفعل، يبدو أن النفط نجح في تذليل الصعاب التي كانت تشوب العلاقة بين الرياض وواشنطن. يعلم بايدن أن المملكة العربية السعودية عنصر مهم في مساعيه لكسب الحرب ضد روسيا. في مقابل ضخ المزيد من النفط سوف يكافأ ولي العهد بزيارة يقوم بها رئيس الولايات المتحدة إلى المملكة، إلا أن بايدن لا يرغب في خسارة ماء وجهه بالكامل، ويبدو كما لو أنه تعرض للهزيمة أمام حاكم مستبد ظالم، بل يجب أن يعود إلى واشنطن بإعلان تاريخي.
سيل من الدعاية
يمكن للتطبيع بين المملكة العربية السعودية و"إسرائيل" أن يكون بمنزلة الجائزة التي بها تُسترضى الأصوات الناقدة داخل الولايات المتحدة، والتي ضغطت على بايدن حتى يقاطع ولي العهد عقابا له على العديد من سياساته الهوجاء وانتهاكاته لحقوق الإنسان، بما في ذلك شن الحرب على اليمن والأمر بقتل الصحفي جمال خاشقجي.
ما من شك في أن "إسرائيل" تساعد في إعادة تأهيل ولي العهد وتحسين صورته، حيث تزيد مراكز البحث والتفكير وجماعات الضغط التابعة لها في واشنطن من دعاياتها التي تستهدف تحسين صورة ابن سلمان. ومن المفارقات أن "إسرائيل" غدت اليوم أكبر وكالة دعاية تعمل لصالح المملكة العربية السعودية في واشنطن.
لا يضيع ابن سلمان فرصة سانحة لتذكير الجماهير المحلية والدولية بأنه لا يعارض التطبيع، منبها إلى أن ذلك ينبغي ألا يكون على حساب حقوق الفلسطينيين. وخلال زيارة قام بها مؤخرا إلى واشنطن شقيق ولي العهد، خالد، أشار في بعض اللقاءات الخاصة إلى استطلاع رأي مريب يزعم بأن السعوديين ممن هم دون الثلاثين يؤيدون بشكل متزايد التطبيع، بما يضفي الشرعية على قرار مسبق بالمضي قدما في تطبيع العلاقات مع "إسرائيل".
ولكن في واقع الأمر، من المستحيل معرفة موقف الرأي العام السعودي تجاه هذه المسألة، أخذا بالاعتبار مستوى القهر الذي يتعرض له كل من يتجرأ على مخالفة أو انتقاد سياسات ابن سلمان.
في الوقت نفسه، بينما يمضي ولي العهد في هذه المفاوضات من موقف اقتصادي قوي، إلا أنه يبقى ضعيفا من الناحية السياسية. ولذلك يريد ابن سلمان من بايدن التعهد بدعم مساعيه لأن يتوج ملكا بعد وفاة والده؛ إذ لا يمكن التغلب على عدم اليقين بشأن مستقبله، إلا إذا باركت الولايات المتحدة رسميا قيادته للمملكة.
مساومة خطيرة
لا يزال ولي العهد ضعيفا جدا من الناحية العسكرية بدون الولايات المتحدة، التي ما فتئت تاريخيا تستجيب لاحتياجات المملكة إلى جبر ضعفها العسكري، من خلال تقديم دعم عسكري عاجل بدلا من إبرام تحالف أمني طويل المدى. فتصدير الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، لم يزل يعتمد على ضمان رضى الكونغرس، ولا يكفي فيه قرار الرئيس الأمريكي منفردا.
فخلال حرب الخليج الفارسي في 1990 ومؤخرا خلال حرب اليمن، لم يزل الدعم الأمريكي حسب الطلب، بدون اتفاق أمني ملزم مع الرياض. ولا بد أن ولي العهد قد أقلقه إخفاق واشنطن مؤخرا في الرد عندما تعرضت مرافق النفط السعودية للقصف بصواريخ أطلقتها أنصارالله. وها هو الآن يطالب بتعهد الولايات المتحدة ضمان أمن بلاده من جميع الأخطار الخارجية التي تهددها.
ولذلك، فإن الاتفاق الأمني مع واشنطن سيكون الجائزة المتوقعة من رئيس أمريكي متردد. سوف يعرض ولي العهد تطبيعا كاملا مع "إسرائيل"، وفي المقابل يتوقع من واشنطن تسخير مواردها العسكرية في الدفاع عن المملكة. وقد يرغب ابن سلمان من بايدن أن يرشح المملكة حليفا رئيسيا غير عضو في الناتو، كما هو الحال مع قطر، مانحا إياها وضعا تفضيليا؛ من حيث الحصول على المعدات والتكنولوجيا العسكرية الأمريكية.
ما من شك في أن التطبيع السعودي مع "إسرائيل" مسألة بالغة الحساسية، ويتوجب على بايدن اتخاذ قرارات سريعة من أجل ضمان وصول ابن سلمان إلى العرش، وتلبية المتطلبات العسكرية السعودية والتأكد من وفرة الإمدادات النفطية. ولسوف تكشف الأيام عما إذا كان سيقبل ببنود الصفقة المشار إليها آنفا – أي مزيد من النفط مقابل تنازلات سياسية وعسكرية مهمة –، وذلك بعد أن كان بايدن من قبل قد زجر ولي العهد، ووعد بأن يجعل منه شخصية غير مرغوب فيها في واشنطن.
ثمة متغير واحد لا وجود له في هذه المعادلة؛ إنه السلام الدائم بين "إسرائيل" والفلسطينيين، الذين يستمرون في ممارسة ضغط شعبي على "إسرائيل"، بينما يتكبدون ثمنا باهظا تحت نير الاحتلال. لا الإسرائيليون ولا الفلسطينيون سيكونون في وضع أكثر أمنا بعد أن يطبع ابن سلمان مع "إسرائيل".