وشملت هذه الجريمة العراقيين الشيعة غير المنتمين لحزب البعث الصدامي الإرهابي والرافضين للانتماء لحزب البعث وللتعاون مع أجهزته القمعية، من عرب وكرد، ولم تقتصر على (الكرد الفيلية) كما يظن البعض. وكان ضحاياها ممن ولدوا هم وآباؤهم في العراق ودرسوا وتخرجوا في جامعاته وأدوا الخدمة العسكرية وتزوجوا وخدموا وطنهم كبقية المواطنين العراقيين.
وبموجب قرار ظالم أصدره مجلس قيادة الثورة المنحل سييء الصيت رقم 666 الصادر في 7/4/1980، بدأت اجهزة أمن النظام بإلقاء القبض عليهم فجأة ومصادرة كل ما يملكونه، وإلقائهم على الحدود الايرانية، [بعد حجز 20.000 شاب قتلهم صدام لاحقاً] في أراضٍ موحلة وبعضها مزروع بالألغام.
والمهجرون المظلومون ذاقوا الأمرّين قبل وأثناء التهجير وبعده، بسبب نظام بعثي قمعي وأناس حاقدين وعنصريين أفرغوا أحقاد قلوبهم على شريحة مظلومة لا ذنب لها.
... وأوصى الإمام الخميني(ره) بالمهجَّرين العراقيين خيرا وتم احتضان المهجرين في البداية، وتطوع آلاف المهجرين للحضور في جبهات الحرب كي يدافعوا عن الجمهورية الاسلامية المعتدى عليها وليساهموا في إسقاط نظام ظلمهم وهجرهم من ديارهم بغير حق، وقد استشهد المئات منهم في الجبهات.
وامتاز المهجرون في ايران بالعمل الجاد والاعتماد على النفس في إعادة بناء قدرتهم الاقتصادية، بل والمساهمة في مساعدة المحتاجين وإقامة المؤسسات المختلفة كالمستشفيات والمدارس والمستوصفات والحسينيات وصناديق القرض الحسن والزواج الجماعي، وكان المهجّر العراقي (بشكل عام) يجسد الشخص المؤتمن الثقة، المنتج المؤثر إيجابياً في مجتمعه، وبعض أبناء المهجّرين اكتسبوا جنسية البلد وتمكنوا من نيل شهادات عليا والقيام بمسؤوليات مهمة ومراكز متقدمة في مجالات الثقافة والاعلام وفي مجال التجارة والصناعة والخدمة الاجتماعية والنشاطات القرآنية والخيرية وفي الصحافة والإذاعة والفضائيات، وتبليغ ثقافة الاسلام وإيران وخدمة القضية العراقية.
وبعد توقف الحرب، قرر الآلاف من أولئك المهجرين، الهجرة الى بلدان أخرى، وخسرنا آلاف الكفاءات والطاقات، وغرق مئات المهاجرين في البحار أثناء محاولتهم الوصول الى بلدان أخرى سرا عن طريق البحر وغرق المئات منهم بسبب جشع المهربين الذين يُركبون عدداً كبيراً من المهاجرين غير الشرعيين في زوارق قديمة متهالكة.
وبعد سقوط صدام، بقيت قضية المهجّرين جرحاً عميقاً لم يندمل لأنه لم يعالَج رغم قوانين العدالة الانتقالية التي صدرت في العراق خلال حكومتَي السيد نوري المالكي إذ أن كثيرا من المهجرين الذين عادوا لم يحصلوا على تعويضات عما فقدوه خلال تهجيرهم، لأن هناك من يبخل على المهجّر بإعطاء حقه، من خزينة الدولة، وكأنه يعطيه من جيبه الخاص، أو يريد أن ينتقم من المهجّر المظلوم ويبخسه حقه، لأنه عاد لبلده من الخارج.
وخلال زيارة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي لطهران عقدنا اجتماعا معه وعرضنا عليه معاناة المهجرين العراقيين والحقوق التي يجب أن تعاد إليهم بموجب القانون فوعدنا خيرا ولكن لم يتمكن من إنجاز وعوده إثر أحداث الشغب واستقالته.
وبقيت مأساة المهجرين تنتظر الحل من الجهات التي استفادت من المهجرين في نشاطاتها قبل سقوط صدام ولكنها تنكرت لهم عندما تبوأت مناصبها في الدولة العراقية خلال العقدين الاخيرين.
د. رعد هادي جبارة/رئيس تحرير "الكلمةالحرة"