والدليل ماذكرته وسائل إعلام عبريّة حول أنّ رئيس وزراء العدو نفتالي بينيت شكر الملك الأردنيّ عبدالله الثاني على إدانته للعمليات التي وقعت مؤخرًا ضد أهداف الاحتلال والمستوطنين نتيجة التصعيد الإسرائيليّ، وذلك خلال اتصال هاتفيّ من قبل بينيت، للحديث عما أسموه "منع التصعيد" في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خلال شهر رمضان المبارك، في وقت ترتفع فيه معدلات الجرائم والاعتقالات والاعتداءات الإسرائيليّة في مدن الضفة والعاصمة الفلسطينيّة القدس.
والغريب في السياسة الإسرائيليّة "المتوترة" هو أنّها في الوقت الذي تخشى فيه من انفجار الأوضاع، تمارس سياسة تصعيديّة خطيرة ضد أبناء فلسطين، حيث يعيشون حالة غريبة من نوعها من الاحتقان والتوتر المتزايد بسبب العدوان الإسرائيليّ المتعدد الأشكال، والتي يمكن أن تكون الفتيل في إشعال التوتر مجدداً على الساحة الفلسطينيّة، وتقود إلى جولات أخرى من الحرب، قد تدهور الأوضاع بأكملها، وتُبعثر كل الأوراق السياسيّة والأمنيّة في الداخل المحتل وكامل الأراضي الفلسطينيّة.
وعلى الوجه الآخر لم تتجرأ الوكالة الرسمية الأردنية "بترا"، على نقل كامل ما جرى الحديث عنه بين الملك الذي وقّعت بلاده ثاني اتفاق "استسلام" مع العدو الصهيونيّ الغاشم عام 1994، وتربطها علاقات متنوعة مع تل أبيب، لينتشر خبر الإذاعة الرسميّة العبريّة حول تشكر بينيت من الملك الأردني عبد الله الثاني لإدانته "العمليات الفدائيّة" كالنار في الهشيم، بعد أن صمت "الملك" طويلاً عن جرائم الصهاينة بحق الأبرياء كُرمى عيون الأسياد.
من ناحية أُخرى، إنّ الملك الأردنيّ الذي حذر نفتالي بينيت من قيام قوات العدو بأعمال قد تؤجج الصراع في المنطقة وتقوض "فرص السلام" تناسى إدانة ما تعج به وسائل الإعلام العربيّة حول الجنايات الإسرائيليّة اليوميّة بحق الفلسطينيين في أقدس الأشهر عند المسلمين (رمضان المبارك)، في وقت يطلب فيه الشعب الأردنيّ وممثلوه في البرلمان عدول الحكومة عن أية اتفاقيات مع تل أبيب التي تقتل الشعب الفلسطينيّ وتهدم البيوت وتنتهك المقدسات، فيما لا يجد الأردنيون حاجة في أي علاقة بين بلادهم وحكومة عدوهم الباغية.
وعلى ما يبدو فإنّ الملك الأردنيّ السعيد بعودة المياه إلى مجاريها في العلاقة مع العدو الإسرائيليّ، لم يفتح تلفازاً أو موقعاً إلكترونيّاً منذ أيام، أو ربما "أذن من طين وأذن من عجين" كما يقول المثل العربيّ، فهل يُعقل أنّ جار الصهاينة المخلص لم يسمع بقتلى الغاز المسيل للدموع أو بحروق القنابل الصوتيّة أو بـ "كاسر الأمواج"، وهو اسم الحملة التي أطلقتها "إسرائيل" على موجة تصعيدها الحالية، أيعقل أنّ "ملكاً" كهذا لم يشاهد صور انتشار عناصر حرس الحدود وحملات الشرطة في أكثر من مدينة، أو أنّه لم يقرأ في الصحف والمواقع الإخباريّة تصريحات بينت نفسه الذي تباهى برغبة كيانه في تنفيذ المزيد من العمليات ضد أصحاب هذه الأرض، كتأكيد للاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة بحق الفلسطينيين بشكل عام ويكشف مدى "العهر السياسيّ" الذي لدى البعض.
أيضاً، لا يبدو أنّ "إسرائيل" الضامنة للورقة الأردنيّة ستخشى التحذيرات الأردنيّة من ناحية تدهور الوضع، خاصة وأنّها تسعى لتدويل الأمور على الساحة الفلسطينيّة غير آبهة بنتائج تلك المخاطر الكبيرة، على اعتبار أنّ تمادي قوات المحتل الباغي ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، وتصعيد العدوان الهمجيّ الذي لا يتوقف عن قتل المدنيين وتدمير مستقبلهم وتهديد أرواحهم، من شأنه أن يقلب الطاولة على رؤوس العصابات الصهيونيّة في أي لحظة ويخرج زمام الأمور عن السيطرة، وبالتالي ستُفتح أبواب جهنم على الكيان الذي اختار تسخين الأحداث ورفع مستوى الإجرام.
وكأن الصهاينة من خلال صياغة هذا الخبر يودون إخبارنا بأنّهم سيسحقون كل فلسطينيّ ومطالب بحقوقه، وفي حال أيّ رد فلسطينيّ وإن كان فرديّاً سنجلب حلفائنا ليرفعوا صوتهم بالتنديد، رغم أنّ فصائل المقاومة الفلسطينيّة تدعو بشكل مستمر لـ "إشعال كل نقطة يتواجد فيها جنود الاحتلال ومستوطنوه"، وتؤكّد بأنّهم لن يسكتوا على الاعتداءات الإسرائيليّة الجبانة، فيما يدرك أبناء فلسطين أنّ "إسرائيل" لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تتوقف عن إجرامها وعنصريّتها وقضمها لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، وأكبر دليل على ذلك نص إعلان الدولة المزعومة الذي يدعي أنّ أرض فلسطين هي مهد الشعب اليهوديّ، وفيها تكونت شخصيته الروحيّة والدينيّة والسياسيّة، وهناك أقام دولة للمرة الأولى، وخلق قيماً حضاريّة ذات مغزى قوميّ وإنسانيّ جامع، وأعطى للعالم كتاب الكتب الخالد، ويزعم الإعلان أنّ اليهود نُفيوا عنوة من "بلادهم"، ويعتبرون أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في "إسرائيل" وأنّ الجرائم التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسية في فلسطين.
فما هو متوقع حصول رد شعبيّ فلسطينيّ على هذه الجرائم، سيكون كما يرغب جميع الفلسطينيين ومن معهم، مقاومة جديدة وانتفاضة متواصلة، حيث تنبع ضرورة حصول هذا "الانفجار" من الحاجة لِلجم الكيان الصهيونيّ الذي بات يوصف بـ "العنصريّ" دوليّاً، بعد أن قامت "إسرائيل" منذ ولادتها غير الشرعيّة على العنف المفرط والإجرام غير المعهود، حتى الصهاينة أنفسهم لا ينكرون ذلك، لأنّهم أسّسوا كيانهم الإرهابيّ وفق ما يُعرف بمنهج "القبضة الحديديّة" وهم يؤكّدون ذلك بكل فخر في أيّ مكان ومع كل مناسبة، فمنذ يوم 14 مايو/ أيار عام 1948، حين قام هذا الكيان وحصل على اعتراف الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتيّ بعد دقائق من إعلانه، وحتى اليوم، لم تتغير سياسة قادته، بل زادت ظلماً وعدواناً حتى وصلت إلى قمة الإجرام والإرهاب، والتاريخ القديم والجديد أكبر شاهد على الوحشيّة والدمويّة الصهيونيّة في فلسطين والمنطقة.
ومن الجدير بالذكر، أنّ الملك الأردنيّ التقى مؤخراً رئيس كيان العدو ووزير الحرب الصهيونيّ، وأجرى زيارة لرام الله، وتحدثت مواقع إعلامية أنّ هذه الجهود تأتي في سياق العمل لمنع انفجار مواجهة مع "إسرائيل"، كما حصل في شهر رمضان العام المنصرم، وقبل بضعة أيام، اندلعت مواجهات عنيفة في باب العامود بالقدس المحتلة عقب اعتداء جنود الاحتلال على الفلسطينيين في المنطقة، تزامناً مع تحضيرات من جانب حاخامات الصهيونية الدينية لتنظيم اقتحامات واسعة للمسجد الأقصى المبارك، خلال عيد "الفصح اليهوديّ"، فيما أشار وزير الحرب في حكومة العدو بيني غانتس، أنّه لن يتوقف عن اللقاءات مع رئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عباس والملك الأردنيّ.
المصدر : موقع الوقت