الهدنة التي اعلنت عنها الامم المتحدة ربما تكون الاولى التي يلفها تفاؤل كبير محليا ودوليا، فالولايات المتحدة الامريكية والسعودية ينشدان الهدوء لمواجهة تداعيات الحرب في اوكرانيا وما استتبعها من ازمة طاقة دولية، عوضا عن كونها تشمل وللمرة الاولى منذ 6 سنوات فتح مطار صنعاء وإن كان بشكل محدود، وتخفيف حدة ازمة نفطية تعصف باليمن نتيجة اغلاق التحالف لميناء الحديدة والذي سيفتح هو الاخر بموجب بنود الهدنة امام 18 سفينة نفطية 8 سفن منها محتجزة قبالة جيزان لمدد تجاوز بعضها 4 اشهر .
يطل رمضان هذا العام واليمنيون يعيشون ازمة اقتصادية خانقة راكم منها تداعيات الحصار، والحرب الاقتصادية التي جرى تشديدها من قبل التحالف الذي يسيطر على منابع الثورة اليمنية ويجفف ما وصلت اليه يده موارد الدولة في صنعاء العاجزة عن دفع الرواتب بسبب نقل البنك الى عدن ونهب الثروات من قبل التحالف .
في رمضان الفائت اعلن رئيس المجلس السياسي اليمني الاعلى "مهدي المشاط" عن صرف نصف راتب بموجب اتفاق السويد الذي تلكأ التحالف في تنفيذ شقه العسكري والاقتصادي، فرض التحالف منذ ذلك الحين اغلاقا شبه كامل لميناء الحديدة وبالكاد دخلت بضع سفن طوال العام بعد وساطات اممية ودولية مضنية ومقايضة عسكرية .
يتحدث الكثير من الباعة عن ضعف شديد للقوة الشرائية لدى المواطنين مقارنة بالعام الماضي والاعوام الماضية، انقطاع الرواتب منذ ست سنوات والاجراءات العقابية التي يفرضها التحالف على دخول البضائع الى اليمن من المنافذ لتي يسيطر عليها، كل ذلك ارتفعت بشكل كبير وجعل الكثير من العائلات اليمنية عاجزة عن تلبية اساسيات الشهر الكريم .
والى ما سبق من حرب اقتصادية اتت الازمة في اوكرانيا لتحمل اليمنيين المحاصر عبئا جديدا حيث ارتفعت الاسعار مرتين في غضون اقل من شهر، ما دفع الحكومة في صنعاء الى التدخل واغلاق نحو 16 شركة بالغت في رفع اسعار منتوجاتها او ما تستورده من سلع اساسية.
انعدام الوقود فرض تحديا جديدا على الاسر اليمنية انعكس صعوبة في التنقل وارتفاع السلع الرمضانية نتيجة ارتفاع كلف الوقود، وتضطر ازمة المشتقات النفطية الاسر الى شراء مستلزمات رمضان بشكل يومي وتقليص شراء سلع كانت تعتبر الى وقت قريب سلعا اساسية كعجينة السنوبسة والزيوت التي ارتفعت اسعارها بشكل جنوني والحلى والسكر التي شهدت هي الاخرى زيادات بلغت قاربت 50% قبيل رمضان .
الحكومة في صنعاء اضطرت الى الضغط على التجار للتراجع الى مستويات الاسعار في فبراير الماضي قبيل انفجار الازمة الاوكرانية، وقالت انها ستعاقب أي شركة ستفرض زيادة سعرية دون الرجوع اليها، اغلقت خلال الايام الفائتة اكثر من 16 شركة بينها شركات كبيرة، كانت الحكومة الى وقت قريب تتحاشى الوصول مع مالكيها الى درجة الصدام نظرا لظروف الحصار وتعقيدات سياسية واقتصادية متشعبه، ويعكس اقدامها على هذه الخطوة نفاذا للصبر ومحاولة امتصاص احتقان الشارع امام جشع بعض التجار .
أمام واقع صعب فرضه الحصار والحرب الاقتصادية هذا العام وجه رئيس المجلس السياسي اليمني الأعلى وزارة المالية بصرف نصف راتب لموظفي القطاع العام والمختلط والهيئة العامة للزكاة، بالتدخّل لتخفيف معاناة عشرات الآلاف من الأسر الفقيرة والمعدَمة وتخصيص 20 مليار ريال يمني لمساعدة مليون أسرة فقيرة في المحافظات الحرة، لكن المعاناة تبدو أكبر من حجم التدخّلات الحكومية، خصوصاً في ظلّ تشديد الحصار، وتخلّي الأمم المتحدة والمنظّمات الإنسانية عن واجبها في تقديم المساعدات المنقذة لحياة مئات الآلاف من الأسر، وفشلها في إلزام حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، بصرف رواتب الموظفين في صنعاء، ونفاد مدّخرات الكثير من الأسر، ما ضيّق إلى حدّ كبير قدرتها على مواجهة ارتفاع الأسعار.
المساعدات الاممية شهدت تقليصا كبيرا مع دخول العام الثامن للعدوان على اليمن، حيث قلص برنامج الغذاء العالمي الاعداد المدرجة في كشوفاتها لتلقي المساعدة، كما قلص البرنامج منذ اشهر السلة الغذائية الى كيس قمح وعلبة زيت فقط، المدة الزمنية من شهر الى 3 أشهر للمستحقين، بالرغم من اعلانات اممية متكررة أن 8.4 مليون شخص في اليمن لا يعرفون كيف سيحصلون على وجبتهم المقبلة.
وحث قائد حركة انصار الله السيد "عبد الملك بدر الدين الحوثي" التجار اليمنيين على تخفيف الاسعار بحيث يقلص هامش الربح نظرا لظروف الحصار، والحكومة على لعب دور الرقيب بشكل كبير وهو ما يفسر إغلاق اكثر من 16 شركة رفعت اسعارها بشكل مبالغ فيه .
وقال وزير الصناعة والتجارة في حكومة صنعاء في حديث للمسيرة : عن اعادة فتح هذه الشركات لن يتم مالم تلتزم بالشفافية الكاملة في اظهار الكلف النهائية وتحديد نسبة الارباح ما دون 20 % بالاتفاق مع وزارة الصناعة، التي اقرت منع الشركات من تسعير سلعها بنفسها والرجوع سلفا الى الوزارة .
هدنة لشهرين قد تشكل طاقة أمل لليمنيين في المضي نحو سلام دائم ورفع للحصار، شكل الحصار القاتل الصامت والوجع الاكبر لليمنيين على مدى سبع سنوات، حصار استهدف البسطاء وشكل عملا ترفيا بالنسبة الى دول التحالف المعادي لليمن كما وصفه نائب وزير الخارجية اليمني حسين العزي، الذي دعا العقلاء الى منع انزلاق الوضع في المنطقة نحو منحى لا يمكن تلافيه، تهديد ومناشدة اتت بعد ان شاهد العلم جدة تغطيها السحب الدخانية ضمن عمليات كسر الحصار التي تطال للمرة الاولى بشكل واسع منشئات حيوية سعودية تحاشت صنعاء قصف العديد منها خلال السبع السنوات الماضية .
بالتمعن في بنود الهدنة فإن ما يمنع التحالف السعودي الامريكي من رفع الحصار كليا، تخوفه من ابراز نصر صنعاء الواضح بعد ان انقلبت المعادلات وغدت المدن السعودية والاماراتية تقصف كما المدن اليمنية.
المصدر/قناة المسيرة