إنّنا نستوحي من الحديث عن الحسين بن عليّ (ع)، عن أُمّه فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين (ع)، قالت فاطمة بعد نزول هذه الآية: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً...}[النور: 63]: "هبت رسول الله (ص) أن أقول له: يا أبة، فكنت أقول: يا رسول الله، فأعرض عنّي مرّة أو اثنتين أو ثلاثاً، ثم أقبل عليَّ فقال: يا فاطمة، إنها لم تنزل فيك ولا في أهلك ولا في نسلك، أنت مني وأنا منك، إنما نزلت في أهل الجفاء والغلظة من قريش، أصحاب البذخ والكبر، قولي: يا أبة، فإنَّها أحيى للقلب، وأرضى للربّ".
إنّ من أدب الإسلام أن ينادي الولد أباه بعلاقة الأُبوة ـــ يا أباه وما أشبه ذلك ـــ لأنّه يثير معناها في القلب، ويؤكد الرابطة الحميمة التي تربط بينهما، فيحسّ الأب ـــ في كل نداء ـــ بأبوته بكل عاطفيتها ومسؤوليتها، ويحسّ الابن بذلك بكل ما للأب عليه من حق..
وتبقى لهذه النّبضة الإنسانيّة فاعليّتها وإيجابيتها في نطاق التَّذكير بالمعنى الإنساني العضوي فيها، بينما لا يمثّل النَّداء للأب بالألقاب العلمية أو الاجتماعية أو الرسمية أيّ معنى في إنسانيّة الموقع، بل ربّما يترك تأثيراً سلبيّاً، حيث تفقد العلاقة معناها في النَّفس، لأنّ اللّقب أو الاسم الشَّخصيَّ قد يتحوَّل إلى حاجزٍ نفسيٍّ بينهما في الإيحاء بالجانب الرسمي في ذلك.
وفي ضوء ذلك، يمكن امتداد الأمر في مناداة الولد لأمه بكلمة يا أماه، أو في مناداة الوالدين لولدهما يا بني، أو في مناداة الأرحام بعضهم لبعض بما يوحي بعنوان الرَّحم.
وينبغي التعمّق في الكلمة النبويَّة الشَّريفة: " قولي: يا أبة، فإنَّها أحيى للقلب، وأرضى للربّ"، فإنّها توحي بأنَّ هذا النِّداء الحميم، يفتح القلب على العاطفة، ويملؤه بالحنان، ويرضي الله، بما يوحي به من إحساس الولد بالنبوَّة بمناداة الأب بالأبوَّة من خلال النَّتائج الشعوريَّة والعمليَّة التي تلتقي بالشُّكر لله على هذه النِّعمة والطَّاعة له في مسؤوليَّتها في توثيق العلاقة.
*من كتاب "دنيا الطفل" للسيد محمد حسين فضل الله