ولعل هناك العديد من الأسباب التي ساهمت بشكل كبير في انحسار هيمنة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي. ومن أهمها:
- تركيز أميركا خلال فترة طويلة من تاريخها على الحروب وتعزيز الجانب العسكري، والذي بالطبع يتطلب إنفاقا كبيرا يبتلع نسبة كبيرة من الناتج المحلي الاميركي.
- العقوبات الاقتصادية التي اعتادت واشنطن فرضها على مختلف الدول وبشتى الذرائع.
- المنافسة الاقتصادية المحتدمة مع الصين ذات الاقتصاد الواعد.
- الأثر الكبير الذي تركته جائحة كورونا على الاقتصاد الأميركي.
وتفيد الاحصاءات عن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، أن الناتج المحلي الإجمالي الاميركي كان في وقت من الأوقات يمثل نصف قيمة كل الجنيه الاسترليني المنتشر في العالم، إلا أنه تدهور في الوقت الحاضر ليصل الى 20 بالمائة، ما يشير الى إنحساره بنسبة 60 بالمائة عما كان عليه.
وبالنسبة للعامل الاساس الاول، فقد ركزت الولايات المتحدة طيلة عقود طويلة من تاريخها على خوض الحروب المباشرة والمزيد من الإنفاق على تعزيز قدراتها العسكرية ونشر العديد من قواتها في مختلف أنحاء العالم وإنشاء القواعد العسكرية هنا وهناك، الامر الذي يبتلع نسبة كبيرة من ميزانية الدولة. وفي المقابل نجد الإنفاق العسكري الصيني يقل بثلاث الى اربع مرات عن الإنفاق الاميركي، مما يجعل من الممكن ان توجه نسبة اكبر من ناتجها نحو تعزيز الاقتصاد خاصة نحو تكميل مشروع "الحزام والطريق".
كما ان نظام العقوبات الذي تنفذه واشنطن ضد خصومها بشتى الذرائع، أخذ يثقل كاهل الميزانية الاميركية، فهناك دول لها وزنها في العالم لا يمكن فرض حظر عليها، فلدى هذه الدول قدرات تمكنها من الالتفاف على الحظر او التقليل من آثاره، كما ان الحظر الاميركي يجعل هذه الدول تبحث عن بدائل من تحالفات إقليمية والنأي باقتصادها عن الدولار، الأمر الذي يتسبب بأضرار على الاقتصاد الأميركي على المدى البعيد. فمهما بلغت الهيمنة الاقتصادية لواشنطن لكنها لا يمكنها ان تفرض عقوبات على العالم اجمع.
ومما زاد من انحسار الهيمنة الاقتصادية لأميركا، هو دخولها في صراع محتدم مع الصين العملاق الاقتصادي الصاعد، ومثلما أسلفنا من أن الصين تركز على التمدد الاقتصادي في مقابل تركيز أميركا على التفوق العسكري، وواضح أن الإنفاق العسكري يكلف الميزانية ثمناً باهظاً فيما التمدد الاقتصادي يعود بالارباح الطائلة ويعزز القوة الاقتصادية.
وفي الاعوام الاخيرة شاهدنا ان اميركا كانت من أكبر المتضررين من جائحة كورونا، من حيث عدد المصابين وعدد الوفيات، الأمر الذي ترك اثراً سلبياً كبيراً على شتى القطاعات الاقتصادية. يضاف الى ذلك اندلاع الانقسامات السياسية في الداخل الاميركي.
كل هذه الأسباب والعوامل تجمعت لتعمل على انحسار الهيمنة الاقتصادية للولايات المتحدة، وقد لا ننتظر طويلاً حتى نشهد حلول الصين محل الولايات المتحدة الأميركية كأكبر قوة اقتصادية في العالم.