من هذا الذي يحذرنا الأهل من الإساءة إليه؟ ولماذا اختفت معلمتنا الجميلة التي اسمها (أقدس) بعد ان قالت لنا في الصف "ماما هذا الإمام الخميني.. لا تسبوه ابد.. حرام". بقيت هذه الأسئلة تلاحقني حتى علمت أنه الرجل الأمة!!

فالله تعالى حين يريد أن يُحدث تغييرا كبيرا، وثورة ونهضة، يختار ويصطفي من عباده من هو قادر على التأثير في المجتمع، يختار الإنسان المتمكن من التفاعل والتواصل، الإنسان الذي يستطيع تشخيص مواطن القوة في المجتمع (أفرادا وجماعات ومنظومات)، وبعد تشخيصها يتمكن من تفعيلها والاستفادة منها في التأسيس والشيوع، وعلى سبيل المثال نجد شخصية النبي إبراهيم (عليه السلام) إذ كان يمتلك قدرةً متفردةً في التأثير وكشف الحقائق وتحقيق الأهداف؛ لذا وصفه الله تعالي بأنه أمة: ((إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) سورة النحل، الآية 120، فهو ذلك المؤثر الذي أحدث تغييرا جذريا في زمن الشرك والعبودية والضلال، هو ذلك القائد الذي أسس لأمة الحق، أمة الإسلام المحمدية؛ لذا كان أمة!!

وقد نجد أيضا من الشخصيات المؤثرة التي كانت بحجم أمة، شخصية سيد قريش (عبد المطلب عليه السلام) الذي قال عنه الإمام الصادق(عليه السلام): (يُبعث عبد المطلب أمةً وحده، عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء) فهو الرباني الذي استجابت له السماء وحمت البيت بمعجزة ظل صداها إلي هذه اللحظة، وذلك حين قال: (أنا رب الإبل، وإن للبيت ربا سيمنعه)، إنه سيد قريش الذي أقر الإسلامُ كثيرا من سننه وجعلها أحكاما إسلامية، إنه الرجل المؤسس والكف الحانية التي كانت تصطحب الرسول الي غار حراء للتعبد والتفكر، إنه المانح العرب الهيبة والأمان والحضور بعد الخوف والجوع، إنه السيد الذي احترم المرأة وكيانها وحرم السفاح وأقر الصداق، الرجل الذي أطلقت عليه قريش لقب "إبراهيم الثاني"، لذا كان أمةً ومضى أمةً وسيُبعث أمة!!

وكذلك رسول الله الأعظم وأهل بيته كانوا أمةً، أمة مؤثرة متفاعلة مع المجتمع وفاعلة فيه، وقد وصفهم الله تعالي في قوله: ((وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ)) سورة البقرة، الآية:١٤٣، فقد قال الإمام علي (عليه السلام): (نحن شهداء الله على خلقه) وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (نحن الأمة الوسطى، ونحن شهداء الله على خلقه، وحججه في أرضه). فرسول الله الأعظم أنقذ الإنسانية من العبودية إلي الكرامة، أنصف الفقير، ونصر الضعيف، وقلب موازين الطغاة المتجبرين، أعاد الكرامة لكل مظلوم مسلوب الحقوق، فهو أمة مؤثرة، وورث أهل بيته هذا المفهوم فكان كل إمام منهم أمة!! أمة لها وقعها وصداها، وقد ذكر الله تعالي وصفا آخر لهم في قوله: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه)) سورة آل عمران: الآية ١١٠، فقد قال الإمام الباقر (عليه السلام): (كنتم خير أمة أخرجت للناس: نحن هم) وقال الإمام الصادق (عليه السلام) أيضا: (إنما أنزلت هذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله) وقال أيضا: (هكذا والله نزل بها جبرئيل عليه السلام، وما عنى بها إلا محمدا وأوصياءه صلوات الله عليهم).

إذن فالأمة مفهوم تجسد في الأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم) ولكل مفهوم مصاديق متعددة، والمصداق الأوفى في العصر الحديث لمفهوم الأمة، نجده متجسدا في شخصية الإمام الخميني (رفع الله مقامه في الجنان)، فقد كان أمةً مؤثرة ومغيِّرة في ظروف شائكة، وزمان عصيب، ففي قمة التغريب والتحديات التي تواجه الإسلام، جاء هذا الرجل ليحيي ما اندرس من الدين، ويجدد ما بلي منه، وقد ورد في الحديث النبوي الشريف: ((إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا)). وبلا شك أن روح الله قد أحيا وجدد وقاد الأمة إلي مرحلة جديدة تستنير بالقرآن الكريم، وتستهدي بمحمد وآل محمد، قادها إلي انتقالة نوعية أذهلت العالم، واستدعت شياطين الإنس والجن لتتآمر عليه وتقف ضده، إلا أن الله أراد له النصر ومكّنه من ذلك، وأعزّ به المسلمين ورفع شأن الإسلام علي الرغم مما خططت له الماكنة الصهيونية وأتباعها من الغرب والشرق!! إذ اختاروا لحربه جهةً قريبة، قريبة من حيث الجغرافيا وقريبة من حيث العقيدة، ليحققوا انفصالا في تأثيره ويحجموا صداه، ولينفذوا مشروعا بعيد المدي، ألا وهو خلق وعي جمعي لدي الشعوب العربية بأن روح الله والجمهورية الإسلامية هي الخطر وهي العدو، بدل العصابات المحتلة للأرض العربية المقدسة (فلسطين)!! فالسلام علي روح الله صاحب الفضل علي المسلمين، فبجهوده وثورته صار للإسلام حضورا أرعب الماكنة الشيطانية، وبفضله صار للشيعة في العصر الحديث مكانة وقوة ووجودا يقف بوجه جبابرة الأرض، وبفضله وُجد للإسلام منجم من الشخصيات القيادية المؤهلة لتكون أمة!!

ومن أهم ما قيل فيه وصف الكاتب الصحفي المصري (محمد حسنين هيكل) حين قال عن الإمام الخميني: [هو رجل عظيم جاء من زمن آخر، الخميني رصاصة انطلقت من القرن السابع الميلادي لتستقر في قلب القرن العشرين] وهو وصف بيّن الامتداد الطبيعي للسيد الإمام إلي رسول الله وأهل بيته، وبيّن ارتباطه بمنهجهم في بناء الدولة التي تخدم الإنسان وتحفظ كرامته فالسلام عليه حين ولد وحين رحل وحين يُبعث حيا، وجزاه الله عن المسلمين والإسلام خير الجزاء وأوفاه.

د. أمل الأسدي