إنّ الإسلام كان واقعياً في دراسة أحاسيس الرجل والمرأة، ولما كان طبيعيّاً أن تعيش المرأة في حالات معيّنة شيئاً من الإحساس الجنسيّ عند ملامسة الرجل، كما يعيش الرجل هذا الشعور عند ملامسة المرأة، وهو أمر تعكسه الكثير من الروايات والقصص والمشاكل الاجتماعية التي توحي بأنّ المصافحة كانت الرسالة الأولى التي بعثها الرجل إلى المرأة أو العكس، فإنّ الإسلام، ومن باب معالجة مقدّمات الحرام لا الحرام نفسه فقط، حرّم المصافحة. وإنْ قيل إنّ المصافحة قد لا تحمل بالضرورة هذا الشعور، فإنّنا نجيب بأنّه عند وجود الاستعداد النفسيّ لاجتذاب الجنس الآخر أو الانفتاح الغريزي عليه، تكون المصافحة المبادرة الأولى التي تمهّد لما بعدها.
فالإسلام يحرِّم المصافحة، لأنّه يحاول إبعاد الإنسان عن التجارب الصعبة ولو بهذا المستوى؛ بمعنى أنّه يسعى إلى تجنيب الإنسان الاقتراب من الانحراف ولو بنسبة عشرة في المائة، ليكمل ذلك بالتّشريعات الأخرى في عالم النّظرة بشهوة أو بلذَّة، أو في عالم النظر إلى ما يحرم النظر إليه، أو ما يشبه ذلك من الأمور التي تهيّئ الجوّ للانحراف، لأنّه ـــ أي الإسلام ـــ يعتبر أنّ خلق القيمة الأخلاقيّة لا بدَّ من أن يتمّ عبر تهيئة الأجواء المناسبة، بحيث تصبح القيمة الأخلاقيَّة ممكنة التحقُّق في الجوِّ الملائم، ولا يصبح معها الإنسان كما يقول الشّاعر:
ألقاهُ في اليمِّ مكتوفاً وقال له إيّاكَ إيّاكَ أن تبتلَّ بالماءِ
لذلك، فإنّ الإسلام يسعى إلى الحفاظ على نظافة الإحساس والشعور، من خلال تجنيب الإنسان كلّ ما يسيء إلى هذه الطهارة الروحية والنفسية. ولا تعود مسألة التحريم هنا إلى عدم الثقة بالدوافع الطاهرة لكثير من الناس، لكنّ الإسلام يريد أن لا يعرّض هذه الدوافع الطاهرة إلى تجربة يمكن أن تسيء إليها ولو بنسبة عشرة في المائة.
*من كتاب "دنيا المرأة" للعلامة السيد محمد حسين فضل الله
---
[1]الكافي، الشّيخ الكليني، ج5، ص 525.