هناك حكم شرعيّ بالنّسبة إلى خلوة الرَّجل بالمرأة في مكانٍ لا يدخل عليهما فيه أحد ولا يراقبهما فيه أحد، فالتّشريع يرى في هذه الخلوة حالة تساعد على ارتكاب الحرام، لأنّها تمنح الرجل والمرأة الحريّة في ممارسة أيّ محرَّم، باعتبار أنَّ الأجواء قد تشجِّعهما على ذلك. وفي ما عدا ذلك؛ لا مانع من أن يختلط الرّجل بالمرأة في المسجد والمدرسة والمجتمع.
ولعلّنا نجد أنَّ الإسلام تاريخياً لم يمنع هذا النوع من الاختلاط، وأنّ النساء كنّ يتحدّثن مع الرجال، وكنّ يستقبلنهم، مع التحفّظات الشرعيّة في اللّقاء. ونحن نعرف أنّ النبيّ (ص) كان يستقبل النساء، وأنّ النساء كنّ يصلّين في المسجد، وكان (ص) يُخرج النساء معه إلى الحرب ليداوين الجرحى وليسقين العطشى، ونحن نلاحظ أنَّ أضخم مناسبة للاختلاط هي مناسبة الحجّ، حيث نجد النساء والرّجال يطوفون معاً، ويصلّون معاً، وقد يتدافعون في ما بينهم في كلّ مواقع الحجّ، وإنْ كانت بعض الممارسات بعيدة عن الخطّ الشّرعيّ، ولكنّ المبدأ لم يكن سلبياً، والموقف الإسلاميّ من ذلك ليس سلبياً.
أمّا متى يكون الاختلاط ضرورياً، فإنّ ذلك أمر نسبيّ، فقد تكون الضّرورة اجتماعيّة أو دينية أو ربّما سياسية، ولا بدَّ من دراسة أيٍّ منها والتأكّد من كونها ملحّة، كما في حالات الحرج الشّديد للإنسان، أو إذا كانت المصلحة الإسلاميّة تفرضها، أو كانت المصالح العامّة التي تشكّل حماية للمجتمع من الأعداء تشجِّع عليها، في مثل هذه الحالات يجوز الاختلاط، ولكن مع مراعاة التحفّظات الشرعيّة التي يرسمها الشّارع له، سواء من حيث العناوين المحرّمة، أو من حيث العناوين المكروهة.
إنَّ علينا، عندما تكون هناك ضرورة، أن نعيش الأمور بالمقياس الذي يؤمِّن التوازن في دائرة هذه الضّرورة أو تلك.
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله