حيث إنها ستلحق بالعراق، من خلال انخفاض المساحات المزروعة إلى النصف، وتصاعد هجرة سكان الريف نحو المدن، وتقلص الثروة الحيوانية، وغيرها من التداعيات السلبية على الاقتصاد والمجتمع.
وبالتزامن مع أزمات صراع الأحزاب على الانتخابات والضائقة الاقتصادية والتحديات الأمنية التي تعصف بالبلد، فإن اهتمام العراقيين، تركز على إعلان وزارة الموارد المائية العراقية، عن تفاقم أزمة المياه بعد انخفاض مناسيب نهري دجلة والفرات إلى أكثر من النصف، إضافة إلى إعلان وزارة الزراعة أن الجفاف وشح المياه سيجبران العراق على تقليص المساحات المزروعة للموسم الزراعي 2021-2022 بمقدار النصف، وهو ما يعني بروز أزمة جديدة ثقيلة على العراقيين.
تحرك متأخر للحكومة
ومع تزايد المخاطر والتأثيرات المدمرة الناجمة عن قلة الموارد المائية، وتصاعد الدعوات للحكومة العراقية بالتحرك، فإن الأخيرة بدأت اتخاذ بعض الإجراءات التي عدها المراقبون متأخرة ومحدودة النتائج. فقد شكلت «اللجنة الوطنية العليا للمياه» التي تضم الوزراء والمسؤولين من ذوي العلاقة.
وترأس رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، اجتماع اللجنة الذي ناقش أوضاع المياه في عموم العراق، وحالة الخزين في السدود، فضلاً عن الاستخدامات المتوقعة عبر الخطة الزراعية المقرة، وشهد الاجتماع أيضاً مناقشة ملف المياه الدولية مع الدول المتشاطئة مع العراق. كما قام الوزراء المعنيون بزيارات واتصالات مع دول الجوار لحثها على مراعاة حقوق العراق المائية.
وكان الرئيس العراقي برهم صالح، حذر من انتشار التصحر وتقلص المساحة الزراعية في البلد، فيما أشار إلى إن «الظروف الصعبة التي عصفت بالعراق خلال الـ 40 سنة الماضية جعلت البلد واحدا من أكثر البلدان هشاشة أمام التغيرات المُناخية». وكشف صالح خلال كلمته في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ «كوب 26» في غلاسكو، أن «التصحر يؤثر على 39 في المئة من مساحة البلد، وان 54 في المئة من الأرض الخصبة معرضة لخطر فقدانها زراعياً بسبب الملوحة الناتجة عن تراجع مناسيب دجلة والفرات» موضحا أن «سبعة ملايين عراقي تضرروا من الجفاف والتغير المناخي والنزوح الاضطراري».
مؤشرات خطر العطش
وقد بدأت مؤشرات التداعيات المدمرة لشح المياه تتوالى بسرعة، حيث حذر وزير الزراعة محمد الخفاجي «من هجرة عكسية تشهدها البلاد حالياً وسط خروج مساحات كبيرة من الخطة الزراعية» مشدداً على «ضرورة استخدام المفاوض العراقي ورقة التجارة والسياسة والأمن كوسيلة ضغط مع الدول المجاورة».
وفيما تتوالى تصريحات المسؤولين في المحافظات عن نقص المياه وتزايد هجرة سكان الريف إلى المدن بسبب توقف الزراعة، التي تعد المجال الأول للأيدي العاملة في العراق، فإن سكان المدن والأرياف يطلقون نداءات استغاثة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من أزمة حقيقية جراء نقص مياه الشرب، ما جعل سكان المناطق الريفية يهددون بتنظيم التظاهرات وقطع الطرق وإعلان العصيان إذا لم يتم اتخاذ إجراءات حكومية لمعالجة المشكلة، فيما نزحت آلاف العوائل من مربي الحيوانات من قراهم في الأهوار الذين تتوقف حياتهم على المياه.
ونتيجة نقص الحصص المائية، فقد عمد الكثير من سكان المناطق الزراعية على تجاوز حصص المناطق الأخرى المائية، وهو ما دفع وزارة الموارد المائية بالتعاون مع وزارتي الدفاع والداخلية، إلى تنفيذ حملات واسعة لرفع المضخات المتجاوزة على الأنهار، ولتوزيع المياه بشكل عادل.
وفي السياق، حذر الخبراء الزراعيون، من تصاعد مخاطر تقلص المساحات المزروعة وقيام الفلاحين ببيع مزارعهم للاستثمار السكني وانخفاض حجم الثروة الحيوانية، وما سيخلفه ذلك من آثار كارثية على الاقتصاد.
تدويل أزمة المياه
ونظرا للنتائج السلبية المدمرة جراء انخفاض مناسيب أو قطع العديد من الأنهار الواردة للعراق في السنوات الأخيرة، فقد تصاعدت الدعوات بضرورة التحرك على دول الجوار (إيران وتركيا وسوريا) للتوصل إلى اتفاقيات تضمن التوزيع العادل للأنهار المشتركة.
وجاءت تصريحات وزير الموارد المائية العراقي مهدي الحمداني، الذي دق ناقوس الخطر عندما أعلن «ان قطع المياه عن العراق هو إعلان حرب سيؤدي إلى خسارة الجميع». حيث أكد الحمداني في لقاءات تلفزيونية وتصريحات عديدة مؤخرا، وجود أزمة نقص مياه حادة في العراق، منوها «ان تركيا وسوريا تتعاون مع العراق في تقاسم الضرر نتيجة شح المياه، ولكن إيران لا تتعاون».
وأشار الحمداني، إلى توقيع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على اتفاقية المياه بين بلاده والعراق، والتي «تتضمن أن يتم إطلاق حصة عادلة ومنصفة للعراق عبر نهري دجلة والفرات». ووصف الوزير العراقي طريقة التعاطي التركي مع ملف المياه في بلاده بالإيجابي، مفتخرا بأن حكومة العراق الحالية استطاعت الوصول إلى «تفاهمات مع تركيا لم يحصل العراق عليها لعقود».
وفي المقابل، أكد الحمداني، أنه «حتى الآن لا يوجد تعاون من قبل إيران، حيث طالبنا بعقد اجتماعات معهم ولم نتلق ردا عليها». وحيث ان إيران قطعت خلال السنوات الأخيرة نحو 36 نهرا عن العراق، فإن الحمداني أكد أن الضرر الواقع على بلاده كبير، منوها إلى «ان الواردات المائية من إيران صفر، باتجاه ديالى وهور الحويزة ونهر الكارون وهذه سابقة دولية خطيرة».
ولخطورة الأزمة المائية في العراق، انضمت العديد من المنظمات الدولية، للتحذير من الكارثة وتداعياتها.
فقد أكد تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» أن «موسم هطول الأمطار في العراق لعام 2020 -2021 هو الثاني من حيث الجفاف خلال الأربعين عاماً الماضية». وأشارت إلى أن «أكثر من مليوني طفل وأسرهم في العراق سيواجهون عجزا كبيرا في المياه المنزلية عام 2030 إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء».
فيما شدد نائب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق والمنسق المقيم إيرينا فوياشكوفا سوليورانو على التزام الأمم المتحدة في العراق باتخاذ إجراءات عاجلة بشأن تغير المناخ بالقول: «يشكل تغير المناخ في العراق تهديداً خطيرا لحقوق الإنسان الأساسية ويخلق حواجز أمام التنمية المستدامة» حاثا قادة العالم على الوفاء بوعودهم، وكثير منها ضروري لدعم العراق، الذي يعد البلد الخامس في العالم الأكثر تأثراً بالتغير المناخي بحسب الأمم المتحدة.
وكان تقرير لبرنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة، وضع العراق ضمن سبع دول الأشد جوعا في العالم، ولا شك ان رقعة الجوع والفقر في العراق ستتسع مع أزمة نقص المياه التي ستؤدي إلى زيادة البطالة في المناطق الزراعية ومشاريع الثروة الحيوانية، إضافة إلى زيادة النزاعات بين المدن والمناطق الزراعية على الحصص المائية.
الحلول المتاحة
ومع تعاظم تداعيات كارثة تدني الموارد المائية، مقابل إجراءات حكومية دون المستوى المطلوب، فإن الخبراء طالبوا السلطات العراقية، بإعادة تنظيم إدارة الموارد المائية عبر إنشاء المزيد من السدود وترشيد استخدام مياه الأنهار، وحفر الآبار الارتوازية، واستخدام الأساليب الحديثة في ري الزراعة، وغيرها من الإجراءات الضرورية. إلا ان الإجراء الأهم، هو عقد مباحثات جدية مع دول الجوار وخاصة إيران، حول التقاسم العادل للموارد المائية المشتركة وتقاسم الضرر الحاصل بسبب شح الأمطار وفق القانون الدولي.
ويؤكد المراقبون أن العراق بيده ورقة ضغط قوية عبر استخدام علاقاته التجارية مع دول الجوار من أجل إجبارها على إطلاق المزيد من المياه نحو العراق، مقابل استمرار استقبال البضائع والخدمات منها والتي تدر عليها عشرات المليارات من الدولارات سنويا، إضافة إلى التلويح بتدويل الأزمة.
ومع تعمق أزمة شح المياه في العراق عاما بعد عام، وتراجع معدلات هطول الأمطار وتمدّد الجفاف، يبدو ان العراقيين أمام واقع مؤلم، وهو أن تسمية أرض السواد التي كانت تطلق على العراق لانتشار الزراعة فيه، أصبحت ماضيا لن يعود، وأن الأيام المقبلة ستشهد المزيد من نتائج وتداعيات انخفاض منسوب الأنهار في العراق جراء الإدارة الفاشلة من قبل حكومات ما بعد 2003 لهذا الملف الحيوي الذي يتطلب إرادة سياسية وطنية جادة، وتحركا سريعا لوضع المعالجات والإجراءات المطلوبة لتوفير أهم متطلبات الحياة وللحد من انهيار الاقتصاد ووصول البلد إلى كارثة العطش والتصحر.