تحل اليوم الخميس 11 تشرين الثاني/نوفمبر، الذكرى الـ 17 لوفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات (أبو عمار)، الذي عاصر ردحاً طويلاً من عمر القضية الفلسطينة، وكان له دور بارز في تشكيل النضال الفلسطيني وتحقيق مكاسب لصالح القضية،برغم وجود انتقادات طالت قبوله بعقد اتفاق "أوسلو" مع الإسرائيليين.. فمن هو ياسر عرفات؟ وكيف توفي؟
كيف توفي ياسر عرفات؟
توفي عرفات عام 2004 في مستشفى بيرسي العسكري بباريس، بعد معاناة مع المرض جرّاء حصار الاحتلال الإسرائيلي له داخل مقره في رام الله، ودخوله في غيبوبة.
لم يُعرف سبب وفاة عرفات على وجه التحديد. بعض المعلومات تفيد بأن الأطباء قالوا إن سبب الوفاة هو تليف الكبد، وأخرى تفيد بأن الوفاة كانت نتيجة نزيف دماغي، ولكن الكثيرين قالوا أنه اُغتِيل، في حين لم يتم تشريح الجثة.
ويتهم الفلسطينيون "إسرائيل" بقتل عرفات بواسطة "السُم"، وشكلت القيادة الفلسطينية لجنة تحقيق رسمية في ملابسات وفاته، لكنها لم تعلن حتى الآن نتائج واضحة رغم تصريحات رئيسها توفيق الطيراوي في أكثر من مناسبة، أن "بيانات وقرائن تشير إلى أن إسرائيل تقف خلف اغتياله".
ويرى العديد من الفلسطينيين، أن "إسرائيل" اغتالت عرفات لأنه كان يمثل الحلم الفلسطيني وكان يحققه، وكان يصعب عليهم أن يسيطروا عليه.
وفي 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، أخذ خبراء روس وفرنسيون وسويسريون عينات من جثمان عرفات، بعد فتح ضريحه في رام الله، لفحص سبب الوفاة، ورغم وجود غاز "الرادون" المشع في العينات، إلا أن الخبراء استبعدوا فرضية الاغتيال.
لكنّ معهد "لوزان السويسري" للتحاليل الإشعاعية كشف وجود "بولونيوم مشع" في رفات عرفات، وسط تقديرات بأنه مات مسموماً بهذه المادة.
ودُفن الزعيم الفلسطيني، في مبنى المقاطعة برام الله، بعد أن رفضت "إسرائيل" أن يُدفن في مسقط رأسه القدس المحتلة كما كانت رغبته قبل وفاته.
حياة ياسر عرفات المبكرة
لا يُعرف تحديداً مكان ولادة محمد عبد الرؤوف القدوة الحسيني الذي اشتهر فيما بعد باسم ياسر عرفات أو أبو عمار. تشير تقارير إلى أنه ولد في القاهرة في 24 آب/أغسطس عام 1929، ووالده كان يعمل في التجارة. هاجر عرفات إلى القاهرة عام 1927 وعاش في حي السكاكيني، وعندما توفيت والدته وهو في الرابعة من عمره أرسله والده إلى القدس.
عام 1937، عاد ياسر عرفات مرة أخرى إلى القاهرة ليعيش مع عائلته، ثم التحق بكلية الهندسة في جامعة الملك فؤاد (القاهرة حالياً) حيث تخصص في دراسة الهندسة المدنية وتخرج فيها عام 1951، وعمل بعدها في إحدى الشركات المصرية.
خلال فترة دراسته أسس رابطة الخريجين الفلسطينيين، التي كانت محط اهتمام كبير من قبل وسائل الإعلام المصرية آنذاك، وشارك في معارك صد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
تزوج ياسر عرفات في سن متأخر من السيدة سهى الطويل وأنجب منها بنتاً واحدة.
حياته السياسية والنضالية
بدأ عرفات مسيرته السياسية بانتخابه عام 1952، رئيساً لاتحاد الطلاب الفلسطينيين في العاصمة المصرية القاهرة، ثم أسس مع عدد من رفاقه حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" في تشرين الأول/أكتوبر 1959.
وأعلن عرفات رسمياً عن انطلاق الحركة، مطلع كانون الثاني/يناير 1965، غداة تنفيذ أول عملياتها المسلحة، حين فجر عناصرها نفقاً داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما أصاب جنديين إسرائيليين بجراح.
برز نجم عرفات، عقب انتخابه في 3 شباط/فبراير 1969، رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي أعلنت أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
أسس عرفات قواعد لحركة "فتح" في الأردن، لكن تواجده هناك، لم يستمر حيث غادرها عام 1971، بعد اندلاع قتال بين قواته والجيش الأردني، أسفر عن سقوط ضحايا كثر من كلا الجانبين، وعرفت الأحداث حينها بأحداث "أيلول الأسود".
غادر ياسر عرفات الأردن متوجهاً إلى لبنان، حيث أسس مقر قيادة لـ "فتح" في بيروت وقواعد في الجنوب اللبناني، على مقربة من الحدود مع فلسطين المحتلة. وفي العام 1982، اجتاح الجيش الإسرائيلي لبنان، في عملية كان إحدى أهدافها القضاء على المقاومة الفلسطينية.
وبنتيجة الاجتياح الإسرائيلي للبنان، أُجبرت القيادة الفلسطينية بزعامة عرفات، على مغادرة بيروت إلى تونس مع عدد كبير من جنودها، بينما غادر آلاف المقاتلين الآخرين إلى شتى البلدان العربية.
أما في تونس، فقد طال "الموساد" عناصر فاعلة وبارزة في "فتح"، إذ اغتيل خليل الوزير (أبو جهاد) وصلاح خلف (أبو إياد). وتميزت تلك الفترة بمحاولات عرفات الدؤوبة للمحافظة على وحدة منظمة التحرير الفلسطينية.
عام 1988، اتخذ المجلس الوطني الفلسطيني قراراً بقيام الدولة الفلسطينية على التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس، وأعلن حينها من العاصمة الجزائرية عن تشكيل حكومة مؤقتة.
اتفاق أوسلو
في الـ 13 من أيلول/سبتمبر 1993، وقّعت اتفاقية "أوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة بالرئيس الراحل ياسر عرفات و"إسرائيل" ممثلة برئيس وزرائها وقتها اسحاق رابين، وذلك في البيت الأبيض الأميركي بحضور رئيس الولايات المتحدة آنذاك بيل كلينتون.
تمخض هذا الاتفاق عن وجود كيان فلسطيني على الأراضي الفلسطينية سمي بـ السلطة الوطنية الفلسطينية، وأوجد شرعية جديدة للعملية التفاوضية، تقوم على الاتفاقيات الثنائية وليس على القرارات الدولية الصادرة.
بعد عام، وقع ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين على "اتفاق القاهرة" لتنفيذ الحكم الذاتي الفلسطيني في غزة وأريحا.
وعاد ياسر عرفات إلى غزة رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية في تموز/يوليو 1994، بعد 27 عاماً قضاها في المنفى.
بعد عام، وقع عرفات على اتفاق "طابا" في مصر، الذي يقضي بتوسيع الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.
انتخب بعدها عرفات، في 20 كانون الثاني/يناير 1996، رئيساً لسلطة الحكم الذاتي في أول انتخابات عامة في فلسطين، حيث حصل على نسبة 83%.
يحظى اتفاق "أوسلو" بالكثير من الجدل في الساحة الفلسطينية والعربية، فبين من يرى أنه حقق الكثير للقضية الفلسطينية وثبت أول اعتراف إسرائيلي ودولي بوجود سلطة فلسطينية على أرض فلسطين، يعتبر آخرون أن هذا الاتفاق زرع بذور الانقسام الفلسطيني بين الضفة وغزة.
انتفاضة الأقصى
مع اندلاع انتفاضة الأقصى الثانية، في أيلول/سبتمبر عام 2000، اتهمت "إسرائيل" عرفات، بالتحريض على أعمال العنف.
وفي 29 مارس/آذار 2002، حاصرت القوات الإسرائيلية عرفات داخل مقره بالمقاطعة مع 480 من مرافقيه ورجال الشرطة الفلسطينية.
دمرت الدبابات الإسرائيلية أجزاء من مقر القيادة الفلسطينية، ومنعته من السفر لحضور القمة العربية في بيروت عام 2002، ومن المشاركة في أعياد الميلاد بمدينة بيت لحم جنوبي الضفة.
عام 2001، أعلن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات رفضه للمقترحات الأميركية التي قدمها الرئيس بيل كلينتون في حينها للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، والتي تضمنت التنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وتحويل القدس إلى مدينة مفتوحة فيها عاصمتان واحدة للإسرائيليين والأخرى للفلسطينيين.