مسيرة الشعائر الحسينية بين الأصالة والتشويه!
من أبرز ما يتميز به محبو أهل بيت النبوة هو الإهتمام بالمناسبات التي تخص العترة الطاهرة من آل الرسول صلوات الله عليه وعلى آله، وعلى رأسها وأبرزها ما يتعلق بسيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام، حتى اصبحت الشعائر الحسينية الميزة الخاصة للسائرون على خط اهل البيت عليهم السلام.
وهنا لا بد من الإشارة الى أن الخط الاموي مازال يخوض حربا شعواء على الاسلام المحمدي الأصيل، وتمثل الشعائر الحسينية واحدة من ساحات هذه الحرب.
وقد استطاع الأعداء إختراق هذه الشعائر وتلويثها بالخرافة والفعاليات المنافية للذوق الإسلامي بل والمخالفة لأحكام الشريعة المقدسة.
وقد استغل العدو في ذلك ثغرتين:
الأولى الحب العاطفي للحسين عليه السلام من قبل اتباع اهل البيت.
والثانية هي حالة اللا وعي والتخلف المعرفي والثقافي لدى الغالبية من أبناء الأمة الإسلامية.
ومن خلال خطة قذرة استطاع المزج بين هاتين الثغرتين لإدخال الكثير من العادات والتقاليد المسيئة لمكانة ثورة الإمام الحسين عليه السلام والمغايرة لأهدافها السامية.
ولنكن واقعيين فقد حقق العدو الكثير من اغراضه في هذا المجال، وأوهم البسطاء والجهلة من عامة الأمة الإسلامية، حيث خلق لدى شريحة واسعة من الأمة أفكارا مشوشة حول أهداف الثورة الحسينية وصاحبها سلام الله عليه.
ومعلوم أن قضية الأمام الحسين عليه السلام واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار إلا أن المسلمين إختلفوا فيها بنسبة وصلت 180 درجة، حتى أمسى البعض يحتفل ابتهاجا بمناسبة قتل ابن بنت رسول الله وسيد شباب أهل الجنة ومن قال عنه جده رسول الله صلى الله عليه وآله "حسين مني وأنا من حسين".
ولا أبالغ في أن هذه العبارة التي كررها رسول الله صلى الله عليه وآله "حسين مني وأنا من حسين" لو كتبت فيها مجلدات لا تستوفي المعاني والمفاهيم المتضمنة فيها.
كما رسخ العدو في اذهان البعض ان ممارسات احياء الشعائر في محرم وعاشوراء هي مجرد طقوس خالية من أي محتوى وينتهي مفعولها بحدود العواطف دون أي أثر على حياة الأمة أو الفرد سواء على المستوى العقائدي أو السياسي، في حين أن الأمر لدى العارفين بمكانة الثورة الحسينية يختلف عن هذا التصوير الخاطئ، فثورة الامام الحسين عليه السلام هي "خلاصة تاريخ البشرية" كما عبر عنها المفكر الاسلامي المرحوم الشيخ محمد مهدي الآصفي.
فكيف تتحول هذه الخلاصة الى طقوس بعضها فارغة المحتوى وبعضها مسيئة للثورة وصاحبها وأنصاره.
ومن هنا كان واجبا شرعيا على كل مسلم غيور التصدي لتطهير هذه الشعائر من كل مظاهر الخرافة والأعمال المسيئة لها، وتوجيه بوصلة احياء هذه المناسبة الوجهة الصحيحة، وهي مسؤولية الجميع كل من موقعة وبحدود استطاعته.
وقد تصدى لهذه المهمة ثلة من الاسلاميين الرساليين، حيث اعطوا لهذه الشعائر أهمية كبيرة ووجهوها بالإتجاه الصحيح الذي يحقق أهداف الثورة الحسينية، الأمر الذي أغاض اعداء الاسلام وكان رد الفعل من قبل السلطات الديكتاتورية الحاكمة عنيفا جدا.
واذكر هنا بعض ما قام به الأخوة المؤمنون في العراق حيث أسسوا موكب الجامعات الذي كان يشارك فيه خيرة الشباب الجامعي بالمراسم الحسينية لاسيما مناسبة الاربعينية.
كذلك نظم هؤلاء المؤمنون في بعض المحافظات العراقية مواكب ذات سمة حضارية ومظهر يليق بالمناسبة وذلك في سبعينيات القرن الماضي وهو ما شهدته بأم عيني، ومن بين تلك المحافظات محافظة الديوانية فقد قام مجموعة من المؤمنين ـ لا يتجاوز عددهم أصابع اليد ـ بتأسيس موكب حسيني بإسم "موكب المكتبة" الذي لم أرى لحد الآن موكبا مثله من جميع النواحي، مثل التنظيم والمشاركين سواء عددهم او مستواهم الثقافي، والشعارات (الردات) الحسينة الهادفة والتي تنتقد الأنظمة الظالمة وتوجه الشعوب نحو طريق التحرر والإنعتاق من ذل العبودية للحكام الطغات.
ومن الأيام الأولى لإنطلاقه أصبح "موكب المكتبة" أكبر موكب في المحافظة بل لا أبالغ ان الحضور والمشاركة فية كانت تعادل نصف مجموع مواكب المحافظة.
الأمر الذي لم يتحمله النظام الديكتاتوري المتسلط على العراق بقيادة "حزب البعث العربي الإشتراكي" وظنا منه انه قادر على اجهاض هذه المسيرة الإلهية فقام بإتخاذ خطوات بائسة تدل على مدى ضعفه الفكري في مواجهة الجمهور الحسيني فقام بحملة إعتقالات للمؤمنين الرساليين في أغلب المحافظات ومن بينها مدينة الديوانية، وكانت الدعاية التي يبثها البعثيون في اوساط الناس بان "موكب المكتبة" هو سياسي وليس موكب حسيني وان المشرفين عليه ينتمون لحزب الأخوان المسلمين، ولم تنطلي هذه الاكاذيب على ابناء المحافظة بل أن الهجمة الشعواء على المواكب الحسينية كشفت الزيف "البعثي" الذي كان يرفع شعارات براقة ومظللة.
وانا شاهدت الكثير من المنتمين لحزب البعث والذين ما زالت فطرتهم سليمة عادوا الى طريق الصواب وتركوا "حزب البعث العربي الاشتراكي" ، بعد أن إتضحت لهم حقيقة هذا الحزب الكافر ومعاداته للقيم والمبادئ الإسلامية، وأصبح هؤلاء المواطنون من المطاردين من قبل قوات الأمن البعثية.
ومن الخطوات التي قام بها علماء الدين الأفاضل في تنقية الشعائر الحسينية من السلوكيات الغير منسجمة مع مبادئ الثورة الحسينية، هي فعالية التبرع بالدم بدل الضرب بالقامة على الرأس أو ما يسمى بالتطبير، والتي بادر لها الشهيد الشيخ محمد مهدي العطار رحمة الله عليه، ونالت هذه الخطوة مباركة مراجع الدين الكبار وعلى رأسهم سماحة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي الخامنئي وبقية المراجع في عدة بلدان إسلامية.
واليوم تنتظر الأمة الإسلامية من الجميع سواء المفكرين او المثقفين وحتى من العامة أفكارا وتوجيهات تجعل من المراسم الحسينية لا سيما في زيارة عاشوراء وأربعينية الامام الحسين عليه السلام مراسم هادفة تنطلق عن بصيرة ووعي لتحقيق أهداف الثورة الحسينية الخالدة.
"وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" سورة التوبة آية ١٠٥
بقلم / جابر كرعاوي