وأعلن داعش، المعروف في أفغانستان باسم "ولاية خراسان"، مسؤوليته عن التفجيرات الدموية في مطار كابل، والتي لم يسبق لها مثيل في الأشهر الأخيرة، ويقال إنها علي علاقة بجهود طالبان لتفريق الناس حول مطار كابول والانسحاب السريع للقوات الأميركية وقوات الناتو.
داعش خراسان، من كابول إلى سوريا
أعلن داعش خراسان عن وجوده في أفغانستان عام 2015. كما شاركت هذه المجموعة في المعارك في سوريا.
"ولاية خراسان" التابعة لداعش تنحدر من حركة "طالبان باكستان". أعضاء هذه الحركة فروا عبر الحدود إلى أفغانستان بسبب العمليات العسكرية والملاحقة في باكستان، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2014 تعهدوا بالولاء للأرهابي أبي بكر البغدادي، زعيم داعش السابق الذي قتل عام 2019.
في بداية عام 2015، اعترف داعش رسميًا بهؤلاء الإرهابيين وأعلن منطقة نشاطهم في آسيا الوسطى باسم "تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان". في ذلك الوقت، كان داعش في ذروة قوته في العراق وسوريا، وتمكن من تقديم الدعم المالي والعسكري لفرعه في خراسان بأفغانستان.
تم قطع مصادر هذا الدعم المالي اليوم، لكن وفقًا لخبراء الأمم المتحدة، لا يزال قادة داعش المختبئون في سوريا والعراق مرتبطين بفرعهم في خراسان.
إرتكب داعش خراسان جرائم مروعة في السنوات الأخيرة، وخاصةً في المناطق الشيعية في أفغانستان، مما أضر بالرأي العام العالمي.
عملت هذه المجموعة في خمس مقاطعات هي ننغرهار وفرياب وجوزجان وبدخشان وزابول، وجندت أعضاءً من طالبان الباكستانية وجيش محمد وشبكة حقاني وجماعة الدعوة والجماعة الأوزبكية المتطرفة.
تم تفعيل داعش خراسان بأمر من أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش الإرهابي، بقيادة حافظ سعيد خان، بصفته "أمير ولاية خراسان"، وهو مواطن باكستاني وعضو سابق في حركة طالبان الباكستانية.
بايع سعيد خان أبو بكر البغدادي عام 2014 مع عدد من قادة طالبان الباكستانية، وكان أول قائد لداعش خراسان، والذي قتل عام 2015 خلال غارة بطائرة بدون طيار مع 30 من أعضاء الجماعة. ويُقال إن عبد الرؤوف كاظم، القائد السابق لحركة طالبان الأفغانية، كان نائباً لحافظ سعيد خان.
كما قتل خليفة سعيد خان، عبد الحسيب، في هجوم شنته القوات الأفغانية الخاصة في إقليم ننغرهار شرق البلاد.
والشخص الآخر الذي تولى قيادة داعش خراسان بعد مقتل عبد الحسيب هو أبو سيد، الذي قُتل هو الآخر في غارة جوية في محافظة كونار بعد شهرين.
زاد داعش خراسان عدد أعضائه إلى 4000 شخص بين عامي 2015 و 2018، ولكن انخفض هذا العدد إلى 1500 شخص في عام 2018 بعد سلسلة من الهزائم في شمال أفغانستان.
تقول المصادر المطلعة في أفغانستان إن شخصاً يطلق على نفسه "الشباب المهاجر" يقود حالياً تنظيم "داعش خراسان" الإرهابي. كما قدم هذا الشخص نفسه باسم "سناء الله" أيضًا.
بحسب المعلومات المتوفرة، فبعد اعتقال القائد السابق للجماعة "أسلم فاروقي" من قبل القوات الأفغانية الخاصة، أصبح "الشباب المهاجر" قائد داعش خراسان، وبعد ذلك تولي القيادة المركزية لشبكة حقاني، وهو حالياً علي علاقة بهذه المجموعة.
من النقاط البارزة حول داعش خراسان، هي أنشطتها الدعائية في الفضاء السيبراني، وخاصةً على فيسبوك وتويتر ويوتيوب.
ومنذ إنشائها، حاولت هذه الجماعة، مثل الفرع الرئيسي لداعش، السيطرة على مناطق مختلفة من خلال الأعمال الوحشية والترهيب.
ووفقًا للإحصائيات التي أجريت في فترات مختلفة، يمتلك داعش خراسان أكثر من 60 صفحة على فيسبوك، ومئات من الحسابات المزيفة علي تويتر للدعاية.
وفي الأشهر الأخيرة، مع تصاعد التوترات في أفغانستان وإطاحة طالبان بالحكومة الأفغانية، زادت هذه الجماعة أيضًا من أنشطتها بشكل كبير، وانتشرت كخلايا عسكرية صغيرة في مناطق مثل مقاطعتي كونار وننغرهار.
الفوارق بين داعش وطالبان
هناك فوارق كثيرة بين داعش وطالبان. تعتبر حركة طالبان تنظيم داعش عدواً لها، وتقوم بعمليات هادفة ضد "ولاية خراسان" في أفغانستان. بل إن حركة طالبان عملت أحيانًا مع القوات الحكومية الأفغانية لطرد داعش من شمال شرق أفغانستان.
وقال موظف في البنتاغون لم يرغب في الكشف عن اسمه لوكالة أسوشييتد برس، إنه من أهداف إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في محاولة سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، كان التوصل إلى اتفاق مع طالبان لمحاربة فرع داعش.
من ناحية أخرى، يتبع داعش التفسير السلفي من الإسلام، بينما تتبع طالبان مدرسة ديوباندي المحافظة.
كما يحاول فرع داعش في خراسان إقامة خلافة تمتد من جنوب آسيا إلى آسيا الوسطى؛ في حين تبدو أن طالبان تكتفي بإقامة الإمارة الإسلامية في أفغانستان في الحد الأدني وترضي بها.
وبما أن تفسير طالبان للشريعة ليس صارمًا بما يكفي من وجهة نظر فرع داعش في خراسان، فإن التنظيم يعتبر طالبان "حركةً مرتدةً"؛ خاصةً بعد أن وقعت طالبان اتفاقية سلام مع الولايات المتحدة.
وهكذا، في نظر إرهابيي داعش، خانت طالبان أهداف الجهاد.
حتى بعد وصول طالبان إلى كابل قبل أسبوعين، هنأت مجموعات أصولية مختلفة هذه الحركة، باستثناء داعش، الذي أعلن أنه سيواصل القتال.
كما حارب فرع خراسان التابع لداعش حركة طالبان منذ عام 2017. في ذلك الوقت، طرد مقاتلو داعش طالبان من منطقة تورا بورا.
ممارسات داعش خراسان في أفغانستان
وفقًا لتقرير للأمم المتحدة الصادر في 15 يوليو/تموز، فإن فرع خراسان التابع لتنظيم داعش الإرهابي يضم ما يقدر بـ 500 إلى 1500 مقاتل.
وبحسب ما ورد في التقرير، فقد عززت هذه الجماعة موقعها في كابل وحولها، حيث تنفذ معظم الهجمات الإرهابية، وتأمل في تجنيد أعضاء طالبان غير الراضين عن اتفاق الحركة مع الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، يحاول داعش خراسان تجنيد مقاتلين من سوريا والعراق ومناطق أخرى متنازع عليها، وفقًا للتقرير.
وبحسب تقرير آخر للأمم المتحدة، قد يوجد ما بين ثمانية آلاف إلي عشرة آلاف مقاتل أجنبي في أفغانستان منذ بداية يونيو.
نفذ تنظيم داعش العديد من الهجمات الدموية هذا العام أيضًا. بحيث أنه في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام وحده، سجلت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان(يوناما)، 77 هجومًا لتنظيم داعش الإرهابي، أي ثلاثة أضعاف ما حدث في العام الماضي.
على سبيل المثال، أدى هجوم بالقنابل على مدرسة للبنات في غرب كابل، التي تقطنها الهزارة الشيعة في الأغلب، إلى مقتل 85 شخصًا أغلبهم طالبات وإصابة حوالي 300 آخرين. وقد ألقت الولايات المتحدة باللوم على داعش في الهجوم. وبعد شهر، اقتحم مقاتلو داعش في مدينة بغلان موظفي مؤسسة "هالو تراست"، وأطلقوا النار على عشرة أشخاص.
وفي عام 2020، قطع إرهابيو داعش خراسان رأس رضيعين في مستشفى أطباء بلا حدود في كابل، وكانت هذه الخطوة أحد أكثر الأخبار إثارةً للصدمة في وسائل الإعلام في ذلك العام. كما هاجمت هذه المجموعة جامعة كابل في العام نفسه، مما أسفر عن مقتل 22 طالبًا.
ومن الممارسات الإرهابية الأخرى لهذه المجموعة الأصولية، التي تشكلت وفقًا لإعلان داعش العراق ويقال إنها متأثرة بفرع كويتا الباكستاني الإرهابي، كان الهجوم بعدة سيارات مفخخة علي مدرسة للبنات في العاصمة الأفغانية كابل، مما أسفر عن مقتل 40 طالبة.
الدور الأميركي في مسرح التطورات في أفغانستان
على الرغم من أن الولايات المتحدة عادةً ما تعتبر داعش مسؤولاً عن الفوضى وعدم الاستقرار في أفغانستان، ولكن لا يمكن تجاهل دور واشنطن في تعزيز داعش خراسان في أفغانستان.
في الواقع، في السنوات الأخيرة، كانت هناك تقارير عديدة ومتنوعة حول نقل قوات داعش الإرهابية من سوريا إلى أفغانستان، وقد شاركت القوات الأمريكية في معظم هذه العمليات.
وفي وقت سابق اتهمت بعض دول المنطقة ومسؤولون أفغان محليون الولايات المتحدة بدعم هذا التنظيم الإرهابي، مشيرين إلي تحليق مروحيات مجهولة فوق أفغانستان لدعم تنظيم داعش، ونقل قادته، إلى جانب دعم لوجستي وتسليحي.
حتى قبل انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، قال بروس هوفمان، مدير مركز الاستخبارات الأمنية بجامعة جورج تاون، إن هناك جهودًا لتحويل أفغانستان إلى قاعدة جديدة لداعش.
كذلك، منذ عامين على الأقل، حذر المسؤولون الروس من انتشار داعش المدعوم من الولايات المتحدة في أفغانستان، بالنظر إلى أن المجال الجوي لأفغانستان تحت سيطرة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
وقالوا إن تحليق طائرات هليكوبتر تقل أعضاء داعش، مستحيل دون علم القادة الأميركيين.
حتى أن سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي "نيكولاي باتروشيف" تحدث عن الإجراءات الواسعة والمثيرة للقلق للجماعات الإرهابية في أجزاء مختلفة من أفغانستان، قائلاً إن هناك أدلةً كثيرةً على تورط الولايات المتحدة في نقل ودعم قوات داعش في أفغانستان.
من ناحية أخرى، دعمت القوات الجوية الأمريكية مرارًا عناصر داعش عندما كانوا محاصرين من قبل طالبان، وحررت عناصر داعش من الحصار عبر استهداف طالبان.
كما هاجم الجيش الأمريكي مرارًا سجون طالبان، وأفرجوا عن أعضاء داعش.
من الطبيعي أن هدف الولايات المتحدة من دعم الإرهاب في أفغانستان، هو خلق التهديد لدول المنطقة وإيران وروسيا والصين؛ وهي دول ليست علي علاقة جيدة مع الولايات المتحدة.
ولذلك، من الطبيعي أن تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق مصالحها من خلال تعزيز داعش في المنطقة، بما في ذلك أفغانستان.
في الواقع، كان الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001 يهدف إلى تقييد إيران في المنطقة وإثارة الأزمات لها، لكن الولايات المتحدة تترك أفغانستان الآن بشكل غير مسؤول، بعد أن فشلت في تحقيق أهدافها ضد إيران خلال 21 عامًا من الاحتلال العسكري.
وفي الوضع الحالي، يبدو أن الانسحاب المتسرع وغير المسؤول للولايات المتحدة من أفغانستان، يتم أيضًا بهدف استمرار انعدام الأمن وزيادة عدم الاستقرار في هذا البلد المجاور لإيران، ومن الطبيعي أن نشهد نموًا وتوسعًا لفرع خراسان التابع لداعش في أفغانستان، في ظل فراغ السلطة في هذا البلد.
وعليه، يبدو أن أهم الأولويات الحالية لأفغانستان هي تحقيق الاستقرار والأمن الداخليين من أجل منع نمو وتوسع الجماعات الإرهابية، وخاصةً فرع خراسان التابع لتنظيم داعش الإرهابي.
المصدر: موقع الوقت