ولذلك، فإنَّ علينا عندما نريد أن ننفتح في كلّ مسيرتنا الإسلاميّة على المسألة الحسينيّة، أن ننطلق من خلال هذه الخطوط التي ترتكز على خطٍّ فاصلٍ بين الظروف التي تفرض فيها مصلحة الإسلام العليا الأسلوب السلمي، وبين الظروف التي تفرض فيها أسلوب العنف. فالعنف الإسلامي لا ينطلق إلّا من خلال مصلحة الإسلام، فإذا كان العنف ضدّ المصلحة، فإنَّ الذين يعنفون يسيئون إلى الإسلام.
وهكذا، فإنّ الرفق ينطلق من مصلحة الإسلام في المرحلة التي تفرض الظروف فيها ذلك. فالذين يختارون الرّفق في موقع العنف، أو الذين يختارون العنف في موقع الرفق، لا يختارون مصلحة الإسلام في ذلك. ولذلك، فالإسلام الثوري ليس مزاجاً أو حالة نفسيّة، ولكنّها خطّة مدروسة من خلال كلّ العناصر المتناثرة في الواقع على مستوى الحاضر والمستقبل، والتي تنتج لنا الرّفق هنا والعنف هناك.
ومثل هذا الفهم للمسألة، لا ينفي الإيحاءات المباركة الثوريّة المنفتحة على الشهادة من حسابات القضيّة، لأنَّ النتيجة لا تختلف في هذا المجال، باعتبار أنّ النهاية التي أوصلت الأمور إلى الطّريق المسدود، جعلت المصلحة الإسلاميّة في أن ينطلق الحسين (ع) وأصحابه، ليجسِّدوا الإسلام في جهاده في عنفوانه، وليؤكّدوا الثّبات على العَهد.
وهذا ما كان الإمام الحسين (ع) يتمثّل فيه بالآية المباركة، عندما يطلب منه كلّ شخص من أصحابه أو أهل بيته البراز للحرب: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}[الأحزاب: 23].
وهذا ما يجب أن نواجهه في كلّ حالة لا نجد فيها مجالاً إلّا المواجهة، باعتبار أنّ أيَّ حلٍّ آخر في مصلحة الإسلام لا يكون له واقعيّة. هذا ما ينبغي لنا أنْ نتحرَّك فيه في خطِّ الجهاد الإسلاميّ الذي لن يكون جهاداً حسينيّاً بالمعنى الذاتي للإمام الحسين (ع)، ولكنّه جهاد محمّدي ـــ علوي ـــ حسني ـــ حسيني، حتّى ينفتح على كلّ حركة الإمامة في الأئمّة من أهل البيت (ع)، باعتبار أنّ الجهاد عنوان ينطلق من أحكام إسلاميّة تقول للإنسان: قف هنا، وتقول له في مواقع أخرى: تحرَّك هنا.
السيد محمد حسين فضل الله
*من كتاب "في رحاب أهل البيت"، ج1