هذا التخوف الواضح من استمرار التوترات كان بلا شك علامة على تلقي رسائل من القادة العسكريين والسياسيين الصهاينة من نوع رد حزب الله المحسوب، وإلا فمن الطبيعي أن يؤدي إطلاق الصواريخ على المدن اللبنانية إلى توترات مع حزب الله. ومن هنا يمكن القول إن حدثًا مخالفًا لتوقعات الصهاينة قد وقع بشكل فاجأ تل أبيب وقلب حسابات هذا الكيان تمامًا.
حزب الله جاهز للحرب
ما لا شك فيه أن إحدى الرسائل المهمة لرد حزب الله الصاروخي على مغامرة الصهاينة الجديدة ضد لبنان هي إظهار المستوى العالي من الاستعداد القتالي وجاهزية المقاومة للدخول في صراع عسكري شامل مع الصهاينة، وهو ما لقي استحساناً من قبل العسكريين والمسؤولين السياسيين اللبنانيين. ما لا شك فيه أن الحكومة الصهيونية الجديدة، وهي نتاج الاضطرابات السياسية وتوابع الهزيمة في حرب 11 يومًا على غزة، لا تتردد في إصلاح الكبرياء المحطم للجيش والجزء المتطرف من المجتمع الصهيوني من خلال اتخاذ إجراءات استعراضية ضد محور المقاومة.
في غضون ذلك، دفعت ظروف الأزمة اللبنانية السياسية والاقتصادية، التي طغت على أوضاع الجيش اللبناني، إلى توهم قادة الكيان بأن حزب الله سيتجنب الحرب والمواجهة العسكرية بسبب الأزمة الداخلية، وهذا هو السبب وهذه هي أفضل فرصة. على الصهاينة أن يكونوا قادرين على تحدي المقاومة اللبنانية بجدية بعد ما يقرب من 15 عامًا على حرب الـ 33 يومًا في عام 2006. لكن رد حزب الله الحاسم كان رسالة إلى الصهاينة مفادها بأن قدرة المقاومة على الدفاع عن حدود لبنان ومصالحه وسيادته لم تتأثر بأي حال من الأحوال بالظروف الداخلية للبلاد، وأن المقاومة كانت مستعدة تمامًا لأي ضربة عسكرية موجهة ضدها من العدو. يتطلب الرد الصاروخي لحزب الله قاعدة بيانات قوية، وقدرة تشغيلية عالية، والقدرة على تنظيم وتنسيق القوات والمعدات بسرعة، وقيادة مطلعة ومهيمنة على الظروف المحلية والإقليمية والدولية، وما إلى ذلك، وقد ظهر ذلك الاستعداد جلياً للصهاينة غير مرة.
لبنان يدعم المقاومة
الرسالة الأخرى التي تلقاها الصهاينة من هجوم حزب الله الصاروخي هي موضوع الدعم الداخلي الواسع للمقاومة اللبنانية والوحدة ضد انتهاك الكيان الصهيوني لسيادة بلادهم. لا شك أن الأزمة اللبنانية الداخلية نشأت من خلافات سياسية ومصالح حزبية وجماعات سياسية، فضلاً عن التدخلات الأجنبية المخربة. من جهة أخرى، أدت الأزمة الاقتصادية وعدم القدرة على تشكيل الحكومة، إضافة إلى الفساد المستشري في دوائر الدولة، إلى وضع حد لصبر اللبنانيين وخروجهم بمظاهرات غاضبة.
إن وجود مثل هذا المستوى من الانقسام خلق بطبيعة الحال توقعًا في نظر الاستراتيجيين الغربيين والصهيونيين بأن، أولاً، تضاؤل شعبية وشرعية المقاومة في لبنان كلاعب رئيسي، وثانيًا، الأحزاب السياسية المتنافسة لن تكون راغبة في دعم المقاومة لعدم تحملها لتوتر مع الصهاينة وسيضغطون على حزب الله لقبول التهدئة والسكوت. ولكن الوضع كان مختلفًا تمامًا عن توقعات الكيان، ولم يكن المجتمع اللبناني المقاوم وحده مسرورًا بانتقام المقاومة من الصهاينة، ودعم الوجود القوي لحزب الله في دعم وحدة أراضي البلاد، ولكن أيضًا مجموعات مختلفة من الوان المجتمع اللبناني كانت سعيدة بذلك. كما أدان السياسيون هجمات الكيان الصهيوني، وتفهموا الوضع الحرج للبلاد والرأي العام.
الانتفاضة ضد الصهيونية في المنطقة
لكن الرسالة الأخرى التي سمعها الصهاينة من ردود الأفعال على المغامرة الأخيرة، والتي دفعت تل أبيب إلى منع توترات أكثر، كانت الدعم الفوري والحاسم لحزب الله ولبنان في مناطق المقاومة الأخرى في المنطقة من جانب أنصار الله اليمنية والمقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، وقد أعربت حركة النجباء في العراق عن دعمها الكامل لرد حزب الله الصاروخي على العدوان الصهيوني واستعداده للقتال إلى جانب الأشقاء اللبنانيين في جبهة موحدة ضد الصهيونية المعتدي والاجرامي. ووصفت حركة النجباء الإسلامية رد حزب الله على الكيان الصهيوني بأنه محسوب وشددت على استعداد الحركة للدخول في معادلة الردع التي أعلنها الأمين العام لحزب الله. أظهرت تجربة حرب الأحد عشر يومًا الأخيرة للصهاينة كيف أن مواجهة جزء من محور المقاومة يمكن أن تزعزع الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الأراضي المحتلة، في حين أن تشكيل جبهة معادية أخرى ستكون له عواقب غير معروفة على تل أبيب.
من ناحية أخرى، في مثل هذه الأجواء، رأى الصهاينة بوضوح أن المغامرة في لبنان ستقضي على الإنجازات الصغيرة للتطبيع وستظهر عمق كراهية الجاليات الإسلامية والعربية من مشروع التطبيع أكثر من ذي قبل.