وزير الخارجية العراقي فؤاد معصوم، كشف مؤخرًا عن زيارة صالح المرتقبة لطهران، وفيما بعد زيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بناء على دعوة رسمية تلقاها من الرئيس الايراني الجديد بعد اعلان فوزه مباشرة قبل شهر ونصف، حيث كانت تلك الدعوة المبكرة جدًا، اشارة عميقة الى الأهمية التي يوليها رئيسي للعراق، كجار تاريخي، يرتبط مع ايران بقواسم ثقافية ودينية مشتركة، ومصالح متبادلة، فضلًا عن أنهما يواجهان تحديات ومخاطر متشابهة أو متماثلة.
في الواقع، اتسمت العلاقات العراقية - الايرانية طيلة العقدين الماضيين، بأنها اتخذت منحى تصاعديًا ومسارًا واضحًا بمختلف الجوانب والصعد السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية، وأن المشاكل والقضايا العالقة من المراحل السابقة، لا سيما مرحلة حرب الثمانية أعوام، لم تشكل عائقًا امام تنامي وتطور مسيرة العلاقات، انطلاقا من حرص كلا الطرفين على استثمار الفرص والمساحات الايجابية، ومنع الاسقاطات والتأثيرات السلبية للقضايا العالقة على ما هو ممكن ومتاح، فضلًا عن ذلك، فإن طهران كانت السباقة الى الوقوف بجانب العراق في الظروف الاستثنائية الحرجة، والتحديات والمخاطر الكبرى، كما حصل حينما اجتاح تنظيم "داعش" الارهابي عدة مدن عراقية صيف عام 2014، الى جانب الحضور الايراني اللافت في مختلف مجالات البناء والاعمار.
ويتفق كثيرون على أن هناك ثلاثة مستويات في ملف العلاقات العراقية - الإيرانية، يتمثل المستوى الأول بالتوافق والتفاهم والانسجام في الرؤى والمواقف والتوجهات في الإطار العام الشامل، رغم وجود العراقيل والمعوقات من هنا وهناك. وقد برز ذلك واضحاً على صعيد التعاون والتنسيق في محاربة الإرهاب، سواء تنظيم "القاعدة" أو "داعش"، إذ إن دور إيران في مساعدة العراق في هذا الجانب كان محورياً وحاسماً في كثيرٍ من الأحيان، وهو ما أقر به الساسة والمسؤولون العراقيون قبل الإيرانيين، ولعل الكثير من الارقام والحقائق المتداولة تؤكد ذلك، الى جانب ما لم يتم الحديث عنه وتناوله في وسائل الاعلام ومن خلال المنابر السياسية.
ويتمثل المستوى الثاني بوجود عقد وإشكاليات إلى جانب التوافقات والتفاهمات، وهو ما يبرز في بعض الأحيان في الملفات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية. تلك العقد والإشكاليات غالباً ما يكون طابعها فنياً، وإن كان بعض دوافعها ومحركاتها سياسيا، وهي لا تؤثر في الثوابت والمبادئ التي تستند إليها ويتحرك على ضوئها إيقاع العلاقات بين بغداد وطهران، كما هو الحال مع ملف تصدير الغاز الإيراني إلى العراق واستحقاقاته المالية المتلكئة على الدوام، حيث انه في مقابل حاجة العراق الملحة له لتوليد وانتاج الطاقة الكهربائية، هناك ديون لطهران بذمة بغداد، وهي تشكل أهمية كبيرة للأولى في ظل العقوبات الاقتصادية الخانقة المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة الاميركية وقوى أخرى.
أما المستوى الثالث، فيتمثل بقضايا خلافية عالقة تعود جذورها إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وهي ترتبط بترسيم الحدود وتعويضات الحرب (1980-1988)، ومصير ما تبقى من الأسرى والمفقودين من الطرفين، فضلاً عن مشكلة الحصص المائية في الأنهار المشتركة، وهي في مجملها قضايا وملفات فنية صرفة، بيد أن هناك جهات، تعمل وتتحرك وفق أجندات معينة، غالبًا ما تسعى الى توظيفها واستغلالها سياسيًا بصورة سلبية.
ولعل الاتجاه العام، هو أن التفاهمات والتوافقات بين بغداد وطهران تغلب دومًا على الاختلافات والتقاطعات، وما ساهم في ترسيخ وتكريس هذا المنهج، هو التواصل المستمر بين الجانبين على أعلى المستويات، اذ ان مراجعة سريعة لمسيرة الحراك السياسي والدبلوماسي، تكشف لنا القدر الكبير من الزيارات المتبادلة التي قام بها كبار الساسة والمسؤولين من كلا العاصمتين، فكل رؤساء الجمهورية ورؤساء الحكومات الذين تولوا زمام الامور في العراق بعد عام 2003 زاروا طهران، وكذلك فإن كل الرؤساء الايرانيين زاروا بغداد، هذا فضلا عن زيارات وزراء ومسؤولين بمختلف الاختصاصات الامنية والاقتصادية والتجارية والعلمية والثقافية والدينية.
وزيارة الرئيس برهم صالح، وبعدها الزيارة المرتقبة للكاظمي لطهران، تعزز المنهج الصائب والصحيح لمسيرة العلاقات الاستراتيجية المتينة بين بغداد وطهران، التي شدد عليها الرئيس الايراني الجديد ابراهيم رئيسي قبل شهور من فوزه في السباق الرئاسي، حينما زار العراق منتصف شهر شباط-فبراير الماضي، كرئيس للسلطة القضائية، فما قاله وصرح به السيد رئيسي من بغداد، كان واضحاً إلى حد كبير، ولم يحتمل تفسيرات وتأويلات مختلفة. هذا الوضوح أشار إلى حقيقة الرؤية الإيرانية للعلاقات بين بغداد وطهران، والمواقف والتوجهات الإيرانية الثابتة حيال الولايات المتحدة الأميركية، والمسارات السليمة لمعالجة المشاكل والأزمات، وتطويق الفوضى والاضطراب في المشهد الإقليمي العام، وهو ما عاد ليؤكده في أول مؤتمر صحفي عقده بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الايرانية التي جرت في الثامن عشر من شهر حزيران-يونيو الماضي، وبالتأكيد سيعيد التشديد عليه حينما يلتقي صالح وبعده الكاظمي.
بقلم: عادل الجبوري