ويتواصل الفراغ الحكومي والشغور في وزارات حساسة وحيوية، في سياق اقتصادي واجتماعي مختنق زاد من حدته وضع صحي متردٍّ اتّسم بتواصل صعود غير مسبوق لعدد الوفيات بفيروس كوفيد 19.
وتنتظر رئيس الحكومة الثالث في ولاية سعيّد ملفات ثقيلة وحارقة، ذلك أن الاقتصاد يتهاوى بمؤشرات نمو سلبية ومديونية مرتفعة، إضافة إلى تفاقم نسب البطالة، ليزداد الوضع خطورة بتعطل الوزارات والمؤسسات لغياب سلطة سياسية تسييرية.
كذلك تنتظر المؤسسات المالية المانحة تركيز الحكومة لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تعهدت بها الحكومات السابقة، فيما يترقب صندوق النقد الدولي تعيين حكومة جديدة لاستكمال المفاوضات معها.
وينتظر التونسيون بفارغ الصبر التشكيل الحكومي الجديد حتى تشرع الحكومة في ما تعهد به سعيد من إنعاش اقتصادي وإصلاحات اجتماعية وإنقاذ مجتمعي ومكافحة للفساد، غير أن البطء في تعيين رئيس الحكومة عزز قلق المتابعين داخل تونس وخارجها.
ويبدو أن الرئيس التونسي حسم أمره بتعيين رئيس حكومة ووزراء دون العودة إلى البرلمان لنيل الثقة، بعد مضيّه قدماً في تعليق أعمال مجلس الشعب لمدة شهر قابلة للتمديد، فيما اختار تعيين أحد ضباط قوات الحرس الرئاسي ومستشاره في دائرة الأمن القومي، مكلفاً تسيير وزارة الداخلية، رضا غرسلاوي، بأمر رئاسي، وذلك قبل الكشف عن رئيس الوزراء الجديد.
وإزاء تنامي قلق الشارع التونسي وتصاعد دعوات الخارج للإسراع بكشف خريطة الطريق وتعيين خلف للمشيشي، قال الملحق في الدائرة الدبلوماسية برئاسة الجمهورية وليد الحجام، إنّ "الشعب التونسي والإعلام يتساءلون بصفة كبيرة عن تأخر موعد اختيار رئيس الجمهورية لشخصية تُكلّف تشكيل الحكومة الجديدة".
وأضاف الحجّام في تصريح صحافي: "أريد أن أطمئن الجميع إلى أنّ الرئيس يشتغل على كل هذه المواضيع ليلاً ونهاراً على مستوى تشكيل الحكومة لتنطلق في العمل وفق خريطة طريق واضحة المعالم تُقدّم رسالة طمأنة للداخل والخارج"، مشيراً إلى أن هناك عملاً جبّاراً على مستوى رئاسة الجمهورية ستخرج نتائجه للعلن في القريب العاجل"، وفق تعبيره.
وتلقى سعيد مكالمة هاتفية من مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، أمس السبت، حثّ فيها الرئيس التونسي على وضع خطة للعودة سريعاً للمسار الديمقراطي.
وأفاد البيت الأبيض، نقلاً عن المسؤول الأميركي، أن المكالمة ركزت "الدعوة على الحاجة الماسة للقادة التونسيين لرسم الخطوط العريضة لعودة سريعة إلى المسار الديمقراطي في تونس".
وشدد مستشار الأمن القومي على أن "هذا سيتطلب تشكيل حكومة جديدة بسرعة بقيادة رئيس وزراء قادر على تحقيق الاستقرار في الاقتصاد التونسي ومواجهة جائحة كورونا، فضلاً عن ضمان عودة البرلمان المنتخب في الوقت المناسب".
من جانبه، دعا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، إلى تعيين رئيس وزراء في تونس وتشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت ممكن.
وشدد لودريان خلال اتصاله بنظيره التونسي، عثمان الجرندي، على أهمية أن يُعيَّن في أسرع وقت ممكن رئيس وزراء، وتُشكِّل حكومة يستطيعان تلبية تطلعات الشعب التونسي في ظل الأزمة التي تمرّ بها البلاد، مؤكداً ضرورة الحفاظ على الهدوء وهيمنة القانون وضمان العودة السريعة إلى العمل الطبيعي للمؤسسات الديمقراطية في تونس.
ويركز شركاء تونس من الدول والمنظمات الدولية على أهمية أن يكون لرئيس الحكومة القادم تجربة وخبرة في المجال الاقتصادي والمالي، نظراً للصعوبات الاقتصادية والتحديات التي تنتظر البلاد.
من جانبهم، أصدر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية، جون لوي بورلانج، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الإيطالي، بييرو فاسينو، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني، نوربرت روتجن، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الإسباني، ماري كلوزه، بياناً مشتركاً، أكدوا فيه متابعتهم باهتمام وقلق تطور الأحداث الأخيرة في تونس، داعين إلى احترام الدستور التونسي.
وأضاف البيان: ''نتابع باهتمام وقلق تطور الأحداث الأخيرة في تونس، حيث ترتبط بها دولنا بعلاقات عميقة من الصداقة والتعاون، وهو يخصّ مصير التونسيين وممثليهم المنتخبين ديمقراطياً فقط".
وفي السياق، سيقدم اتحاد الشغل قريباً خريطة طريق تتضمّن عديد التصورات المتعلقة بالجانب السياسي والاقتصادي إلى رئاسة الجمهورية للاستئناس بها خلال المرحلة المقبلة، وفق ما كشفه الأمين العام المساعد في الاتحاد العام التونسي للشغل محمد علي البوغديري.
وبشأن التوصيات المتعلقة بطبيعة الحكومة المقبلة، قال البوغديري إن هناك إجماعاً على تكوين حكومة كفاءات وطنية متشبعة بقيم المبادئ الوطنية وتعمل على إرجاع البريق إلى السيادة الوطنية واستعادة الثقة بين الرئيس والمرؤوس وتطوير ثقافة العمل والإنتاج.
ويرى مراقبون أن عدم إعلان سعيّد رئيس الحكومة يعود إلى فرضيات متعددة، من بينها احتمال أوّلي يقوم على عدم امتلاك سعيد خريطة طريق واضحة وخطة للخروج من المأزق الدستوري والسياسي، وسط تنامي الضغوط الدولية والداخلية لاحترام القانون والدستور.
وأما الفرضية الأخرى، فتتعلق بخشية سعيد من رفض واسع لرئيس الحكومة التي أعدّها لمساعدته في قيادة المرحلة الاستثنائية والصعبة لإخماد احتجاج الرافضين وإرضاء الغاضبين.
وتبرز فرضية أخرى تتعلق بحيرة سعيّد أمام تكليف شخصية تكون محل ثقته وتدين له بالولاء، من جهة، وتحظى باتفاق ومقبولية من المنظمات الوطنية، وفي مقدمتها اتحاد الشغل واتحاد رجال الأعمال.