في حين سعت ايران اﻻسلامية لبناء علاقاتها مع الجمبع على اساس الإحترام المتبادل، بإستثناء الكيان الصهيوني.
وفي الايام اﻻولى ﻹنتصار الثورة اﻻسلامية في ايران أغلقت السفارة اﻻسرائيلية في طهران وأبدلت بالسفارة الفلسطينية، وسمي الشارع والساحة التي تقع فيهما بناية السفارة باسم فلسطين.
وعلى الرغم من الحصار الذي فرضته دول اﻻستكبار العالمي وعلى رأسها الوﻻيات المتحدة على الشعب اﻻيراني قدمت الجمهورية الاسلامية كل ما تستطيع من دعم للقضية الفلسطينية وتبنتها على أنها القضية اﻻولى للأمة الاسلامية، ولم تغيب هذه القضية في أي محفل دولي حضرته ايران الثورة.
وﻻ يستطيع أحد ان ينكر الدعم الذي قدمته ومازالت تقدمه الجمهورية اﻻسلامية للمقاومة الفلسطينية على كافة المستويات رغم الضغوط التي تمارس عليها من قبل اطراف دولية وأقليمية معروفة.
وعلى مدار العام تعقد في ايران عدَّة مؤتمرات منها ما هو خاص بالقضية الفلسطينية أو غيرها فتجد فلسطين تتصدر برنامج هذه المؤتمرات، وفي جميع الملتقيات الدولية والمحلية وفي جميع المناسبات الوطنية والدينية سواء على المستوى الرسمي او الشعبي في الدوائر الرسمية أو المساجد والحسينيات والمدارس والجامعات تجد القضية الفلسطينية حاضرة، شوارع ايران ومنها العاصمة طهران تمتلأ بالبوستر الفلسطيني ناهيك عن اسماء الساحات والشوارع واﻻحياء السكنية التي تحمل أسماء فلسطينية.
مواقف ايران الثورة كانت مشرفة مع الكويت أثناء غزو صدام لها وبذلت كل ما بوسعها لتخفيف المآسي التي تعرض لها الشعب الكويتي في تلك اﻷيام العصيبة، بالاضافة الى مساعي كبيرة بذلتها طهران من اجل اقناع صدام بالخروج من الكويت كي ﻻ يكون وجود قواته على اﻻرض الكويتية ذريعة لإستقدام المزيد من القوات اﻻجنبية الى المنطقة.
كما ان ايران الثورة لم تألوا جهدا في التعاون مع جميع الدول العربية وعلى كافة المستويات، وسعى المسؤولون اﻻيرانيون الى ترطيب العلاقات مع الدول العربية التي رفعت راية الحرب على الشعب اﻻيراني من اليوم اﻻول ﻹنتصار الثورة إﻻ أن القيادة اﻻيرانية تجاوزت ذلك ودعت الى فتح صفحة جديدة للعلاقات وقام المسؤولون اﻻيرنيون بعدة زيارات وﻻ ننسى مساعي المرحوم الشيخ "علي اكبر هاشمي رفسنجاني" الذي زار المملكة العربية السعودية من اجل تحسين العلاقات معها إﻻ أن اﻻخيرة أبت إﻻ المزيد من توتير العلاقات حتى وصل الحال الى قتل ضيوف الرحمن في موسم الحج.
بصراحة التعامل العربي الرسمي مع الجمهورية اﻻسلامية غريب جدا وأنقل جانب منه على سبيل المثال، فإن العلافات اﻻيرانية السودانية شهدت ربيعها خلال العقد اﻻخير من القرن الماضي والعقد اﻻول من القرن الحالي، ولكن بعد العدوان السعودي اﻻمريكي على اليمن تغيرت المعادلة، وبدء الفتور بالعلاقات اﻻيرانية السودانية.
وللأمانة وقناعتي الخاصة الناتجة عن تعاملي مع طبقات مختلفة من الشعب السوداني وجدت هذا الشعب يتحلى بأسمى القيم - الكرم، المروءة، السخاء، الشجاعة، الصدق، اﻷمانة، الوفاء.... - فوجدته أطيب الشعوب العربية، والحمد لله جميع الشعوب العربية طيبة، إﻻ أن هناك فرق كبير وكبير جدا بين النظام الرسمي الحاكم وحساباته السياسية وبين طبيعة الشعب المحكوم.
أعود الى العلاقات اﻻيرانية السودانية بعد مرحلة الفتور فقد قامت الخرطوم بغلق المدرسة اﻻيرانية لديها، العرف الدبلوماسي يحتم أن ترد طهران بنفس اﻻسلوب، أي تبادر الى غلق المدرسة السودانية لديها، ولكنها لم تفعل ذلك، وبعد أشهر وجهت السفارة السودانية في طهران ادارة المدرسة العربية السودانية بإبلاغ أولياء أمور طلبة المدرسة أنها ستغلق بسبب العجز المالي وعدم قدرة السفارة على تسديد ايجار بناية المدرسة، من هنا بادر أعضاء الهيأة التدريسية الى عقد جلسة تم اﻹتفاق خلالها على تشكيل لجنة لطرح القضية على وزارة التربية اﻻيرانية - دائرة العلافات الخارجية، وبالفعل قامت الوزارة بحل المشكلة من خلال توفير بناية مجانا - طبعا ليس من واجب الدولة المضيفة توفير بنايات مجانا للدولة الضيف - وانتقلت المدرسة الى بنايتها الجديدة وكان عيدا بالنسبة للطلبة السودانيين وغيرهم من طلبة الجالية العربية في طهران والهيئة التدريسية ومدير المدرسة الذي طار فرحا ولم يتوقع هذا الرد من الجانب اﻻيراني. ولكن بعد ۳ أشهر جاءت اﻷوامر من الخرطوم أن تغلق المدرسة السودانية في طهران، الذي كان بمثابة صاعقة أصابت المدرسة بطلابها ومنتسبيها ومديرها حيث أغرورقت عيون الجميع بالدموع.
انا نقلت هذه القضية بكل أمانة ليحكم المواطن العربي ويقارن بين التعامل الذي تعاملت به الجمهورية اﻻسلامية اﻻيرانية مع واحدة من عشرات القضايا وتعامل الجانب العربي الرسمي معها. وفي قضية انسانية هي اصلا لصالح السودان تم التعاطي معها بهذا الشكل، فكيف في القضايا السياسية الهامة؟.
الديار المقدسة هي اﻻخرى تشهد على عشرات الحاﻻت التي تكشف عن التعامل السيء من قبل السلطات السعودية مع الحجاج اﻹيرانيين بالذات، الذين قدموا مئات الشهداء وأضعافهم من الجرحى سواء في مسيرة البراءة من المشركين أو في حوادث مشكوكة ثبت فيها تورط السلطات السعودية بإرتكاب جرائم مروعة ضد الحجاج، في حين تريد الجمهورية اﻻسلامية ان يكون موسم الحج مؤتمر اسلامي كبير لمعالجة مشاكل وقضايا المسلمين وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
أما حرب الثماني سنوات (۱۹۸۸/۱۹۸۰) التي فرضها صدام المقبور بدعم ومباركة أغلب أنظمة الحكم العربية وفي مقدمتها النظام الحاكم في السعودية وما قاله الملك السعودي آنذاك لصدام بكلمته المشهورة "منا المال ومنكم الرجال". وخرج صدام من على شاشات التلفاز وامام الملأ وهو يمزق إتفاقية ۱۹۷٥ التي وقعها بنفسه مع شاه ايران آنذاك في الجزائر عام ۱۹۷٥ والتي تعرف دوليا بأسم "إتفاقية الجزائر بين ايران والعراق" ، ثم أعلنها حربا ضروس وقف الى جانبه فيها أغلب دول العالم حيث وعدهم صدام بجلب مفاتيح طهران خلال ۳ ايام فقط، فكانت في حينها واحدة من أسوء المواقف ﻷغلب الانظمة العربية تجاه الجمهورية اﻻسلامية اﻻيرانية، حيث شنت عليها الحرب وهي في اﻻشهر اﻻولى من عمرها، ولم أنسى الملك حسين ملك اﻻردن وهو يسحب زناد المدفع ليطلق القذائف بنفسه باتجاه اﻻراضي اﻻيرانية، على قاعدة "أشهدوا لي عند اﻻمير".
السلطات الدينية في السعودية أفتت بحرمة الدعاء بالنصر لحزب الله في حرب تموز عام ۲۰۰٦ التي شنها اﻻحتلال الصهيوني على جنوب لبنان، أما الجمهورية اﻻسلامية فقد قدمت الدعم المادي والمالي والإعلامي للشعب اللبناني أيام العدوان وبعده في اعادة إعمار البنى التحتية التي تعرضت للدمار من قبل العدوان الصهيوني.
اﻵن التنسيق والتطبيع الذي يمارس من قبل اكثر اﻷنظمة العربية بالعلن مع الكيان الصهيوني في الوقت الذي يرتكب فيه هذا الكيان أبشع الجرائم ضد الشعب الفلسطيني ﻻسيما جرائم القتل واﻻعتقالات والمداهمات للمشاركين والداعمين لمسيرة العودة الكبرى التي قام بها المشردين والمهجرين من ابناء الشعب الفلسطيني الذين أحتضنهم قطاع غزة لسنوات، في حين تدعم الجمهورية اﻻسلامية الشعب الفلسطيني وتقف الى جانبه وتدفع ضريبة باهضة مقابل ذلك.
فياترى ماهو سر عداء أغلب اﻻنظمة العربية للجمهورية اﻻسلامية في ايران؟ أﻻ يعني هذا أن هذه اﻻنظمة تعادي الإسلام كاستراتيجية ثابته في سياستها؟ أﻻ يعني هذا أن هذه اﻻنظمة منخرطة مئة بالمئة في المخطط الصهيوني الذي يريد ابتلاع المنطقة طبقا ﻷوهام تلمودية؟ إنها الحقيقة التي ترجمتها هذه الانظمة من خلال مواقفها المناهضة لقضايا المسلمين على كل المستويات، باستغلالها لغفلة الشعوب في الزمن الغابر.
إذن ما هو دور الشعوب العربية واﻻسلامية لمواجهة هذه الظاهرة غير السليمة؟ فكيف يحكمك نظام هو عدو لك ولتطلعاتك؟ وماذا يرتجى من هكذا انظمة حاكمة؟
هذه التساؤﻻت واضحة أجابتها لدى كل اﻻحرار وسيأتي اليوم الذي تترجم الى واقع عملي يقول للأنظمة التي أستهانة بكرامة ابناء اﻷمة كفاك استهزاء بعقولنا وتضليلا ﻷفكارنا، وعندها يعظ الظالم أصبعه ندما وما هي بساعة ندم...!!!
* جابر كرعاوي - اذاعة طهران العربية